مقابلات

أسامة القاضي لـ"عربي21": التحويلات المالية ستتدفق إلى سوريا خلال شباط المقبل

القاضي توقع تدفقا غير مسبوق لرؤوس الأموال إلى سوريا- عربي21
قال المستشار الأول لوزارة الاقتصاد والصناعة السورية، أسامة القاضي، إن "إلغاء قانون قيصر شكّل لحظة مفصلية في تاريخ سوريا الحديث؛ إذ كسر فعليا الطوق الذي خنق الاقتصاد لسنوات طويلة، وفتح باب التعافي الحقيقي بعد عقود من العزلة والعقوبات".

وأكد القاضي في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "إلغاء قانون قيصر يعني فعليا إغلاق صفحة سوداء امتدت لسنوات طويلة، بدأت منذ عام 1999 على يد الأسد الأب، واستمرت مع الأسد الابن، لتتراكم بعدها منظومة واسعة من العقوبات المفروضة على سوريا منذ عام 2003، شملت قانون محاسبة سوريا، وقانون قيصر، إلى جانب عقوبات اقتصادية أوروبية وبريطانية ودولية، فضلا عن إعفاءات جزئية لم تغيّر من جوهر الحصار المفروض آنذاك".

وأضاف أن "هذا التحول لا يقتصر على بُعد سياسي، بل يؤسس لبداية عمل المفاعيل الاقتصادية بشكل صحي ومستقل وطبيعي، ويمهّد لانطلاق الاستثمارات، وتنشيط الإنتاج، وبدء دورة نمو قادرة على خلق فرص عمل وتحسين معيشة السوريين".

وذكر أن "هذا الحدث بحد ذاته يصلح لأن يكون عيدا وطنيا للتحرر الاقتصادي، ويوما مشهودا في تاريخ سوريا؛ حيث التحقت البلاد مُجددا بالعالم بعد عقود من العزلة، وباتت دولة طبيعية تتمتع بعلاقات طبيعية مع دول العالم، واستعادت موقعها الحقيقي على الخارطة الدولية، بعد أن غيّبها نظاما الأسد وحكومات حزب البعث المتعاقبة عن المجتمع الدولي لأكثر من خمسين عاما".

تحول اقتصادي كبير
وأوضح أن "الآثار المتوقعة لهذا التحول الكبير، والتي سيقطف ثمارها الشعب السوري بإذن الله، تتمثل أولا في تدفق الاستثمارات الخارجية، وتفعيل مذكرات التفاهم التي جرى توقيعها خلال السنوات الماضية"، مشيرا إلى أن "أي شركة في العالم، وأول خطوة تقوم بها بعد استصدار التراخيص القانونية، هي فتح حساب مصرفي وتحويل الأموال اللازمة لتغطية نفقات التشغيل، وهو أمر كان مستحيلا تماما في ظل وجود قانون قيصر والعقوبات الاقتصادية السابقة".

وبيّن القاضي أن "سوريا لم تعد اليوم بحاجة إلى أي وسيط في التعاون الدولي؛ إذبات بإمكان أي دولة أو شركة تحويل أموالها مباشرة إلى المصرف المركزي السوري دون أي عوائق"، مؤكدا أن "معظم شركات العالم كانت تتذرع خلال السنوات الماضية بنيّتها دخول السوق السورية، لكنها كانت تصطدم بعقبة أساسية تتمثل في عدم قدرتها على تحويل الأموال، بحجة أن قانون قيصر كان مجمّدا لفترات مؤقتة لا تتجاوز ستة أشهر، ما جعل المخاطرة عالية وغير محسوبة".

وأشار إلى أنه "رغم ذلك، فإن بعض الدول والشركات، وعلى رأسها الشركات السعودية وغيرها، لم تأبه بهذه الذرائع، ودخلت السوق السورية بثقة عالية، إدراكا منها أن هناك إرادة سياسية أمريكية واضحة لإزالة هذا القانون، وهوما تحقق بالفعل".

بدء التحويلات المالية
وأكد القاضي أن "بدء التحويلات المالية يعني عمليا بدء دوران عجلة التنمية، وإلغاء قانون قيصر أطلق صفارة البدء الفعلية لعجلة النمو الاقتصادي، وفتح باب المنافسة والتسابق الحقيقي على الدخول إلى السوق السورية، مضيفا: "نتوقع أنه مع دخول الأسبوع الأول من شهر شباط/ فبراير المقبل، سنشهد حركة اقتصادية واضحة وملموسة على الأرض".

وقال إن "الأسابيع القليلة المقبلة تتزامن عالميا مع أعياد الميلاد ورأس السنة، وهيفترة تشهد توقفا أو تباطؤا في عمل معظم الشركات والبنوك حتى منتصف الشهر المقبل"، لافتا إلى أن "أي بنك يحتاج إلى انعقاد لجانه الداخلية، وغالبا مرة واحدة شهريا، لاتخاذ قرار الدخول إلى السوق السورية، وإدراجها ضمن منظومة (سويفت)، وبالتالي أعتقد خلال أن الأسبوع الأول من شهر شباط/ فبراير المقبل سيكون التوقيت المنطقي لبدء التحويلات بسهولة وسلاسة، بعدأن تستكمل البنوك قراراتها الداخلية، خاصة وأن مستوى المخاطرة بات اليوم معدوم".

وتوقع القاضي أن "تكون حركة التحويلات المالية أسرع بكثير خلال المرحلة المقبلة"، مرجّحا أنه "خلال الأشهر الستة القادمة وحتى منتصف العام المقبل، سيصبح من النادر العثور على بنك عالمي لا يحوّل مباشرة إلى سوريا".

وفي هذا السياق، شدّد القاضي على ضرورة "توجيه الشكر للمملكة العربية السعودية، حكومةً وشعبا، على الدعم الكبير الذي قدمته لسوريا في ملف رفع العقوبات، والدور الحاسم الذي لعبته المملكة في الدفع باتجاه هذا القرار".

وذكّر أنه جرى الإعلان عن رفع العقوبات عندما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موجودا في الرياض، مضيفا: "كنت قد قلت قبل هذه الزيارة بأكثر من شهر ونصف إن طائرة الرئيس ترامب لن تغادر أرض الرياض إلا وقد رُفعت العقوبات الاقتصادية عن سوريا، وهوما حصل بالفعل، والحمد لله".

ونوّه المستشار الأول لوزارة الاقتصاد والصناعة السورية، إلى أن "الفترة الزمنية بين الإعلان عن رفع العقوبات وتوقيع الرئيس ترامب الرسمي كانت قصيرة جدا، مايعكس جدية القرار وسرعة تنفيذه".

كما ثمّن القاضي الدعم الذي قدّمه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والشكر لكلا الدولتين السعودية وتركيا حكومةً وشعبا، موضحا أن "الرئيس الأمريكي في هذا الإطار يصغي بشكل أساسي إلى شخصيتين: الأمير محمد بن سلمان، والرئيس أردوغان، وأن كليهما دفع حتى اللحظات الأخيرة باتجاه رفع هذه العقوبات الجائرة ومنح سوريا فرصة حقيقية وذهبية للنمو والنهوض".

واعتبر أن "المملكة العربية السعودية وتركيا، إلى جانب دولة قطر، تُشكّل مع الولايات المتحدة الأمريكية الدول الأكثر رعاية للملف الاقتصادي السوري، وهمشركاء سوريا في مسار التحرير الاقتصادي"، موجّها الشكر أيضا لدولة قطر على الجهود التي تبذلها في هذا الإطار.

تدفق غير مسبوق لرؤوس الأموال
وبيّن القاضي أن "إزالة العقوبات وفتح السوق السورية أمام الشركات العالمية سيقودان إلى تدفق غير مسبوق لرؤوس الأموال، ونهوض حقيقي بالعمل المصرفي السوري، ما سينعكس في خلق فرص عمل واسعة، وتحسن ملموس في المستوى المعيشي للشعب السوري، سواء في القطاع العام أو الخاص".

ولفت إلى أن "من أبرز الخطوات العملية التي اتخذتها المملكة العربية السعودية لتحفيز شركاتها على الدخول إلى السوق السورية، إنشاء صندوق ضمان الاستثمارات السعودية في سوريا، فيخطوة تعكس روح المحبة والأخوة والاحتضان الحقيقي لسوريا، مؤكدا أن "المملكة ذهبت أبعد من ذلك بتأسيس مجلس الأعمال السعودي–السوري برئاسة رئيس شركة (أكوا باور) العالمية، التي يتجاوز دخلها السنوي 120 مليار دولار، إلىجانب إنشاء مكتب للمجلس داخل هيئة الاستثمار السورية لمتابعة الاستثمارات السعودية بشكل مباشر".

وتوقع القاضي أن "تحذو تركيا وقطر حذو السعودية قريبا، ماسيؤدي إلى حركة استثمارية كبيرة من هذه الدول، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية".

وفي الإطار ذاته، أشار إلى أن "توقيع شركتي كونوكو فيليبس للغاز وشيفرون للنفط الأمريكيتين للدخول إلى السوق السورية سيفتح شهية أوروبا بأكملها، إضافة إلى كوريا الجنوبية، للدخول السريع إلى سوريا اعتبارا من عام 2026"، مُعتبرا أن "هذه الخطوة تُمثل البداية الفعلية لما يمكن وصفه بالمعجزة الاقتصادية السورية".

ثورة تشريعية
وأكد أن "التحدي الأكبر يبقى داخليا، ويتمثل في ضرورة إطلاق ثورة تشريعية حقيقية عبر البرلمان السوري، وإصدار المراسيم اللازمة خلال الأشهر الأولى لتسهيل إعادة الإعمار، والتخلص من إرث ثقيل من القوانين البالية التي تعود إلى عهود حسني الزعيم والشيشكلي وأمين الحافظ، والتي لا تزال تعرقل التخطيط العمراني والمخططات التنظيمية للمحافظات، فضلا عن تضارب صلاحيات الهيئات العقارية".

وشدّد المستشار الأول لوزارة الاقتصاد والصناعة السورية، على "الحاجة إلى سن قوانين مرنة وبسيطة تخدم المواطن السوري، وتكون مفهومة للإنسان العادي دون لبس أو تعقيد، ودون الحاجة إلى استثناءات أو التفاف على نصوص قانونية جائرة".

وأشار إلى أن "قطاعات البنية التحتية والإسكان والإعمار تُمثل أولوية قصوى، خاصة في ظل وجود ملايين السوريين ما زالوا في المخيمات"، مؤكدا أن "الهدف هو إنهاء آخر خيمة في أقرب وقت ممكن، ليعود السوريون إلى بيوت تليق بكرامتهم".

وأضاف أن "قطاع البنية التحتية والإسكان والإعمار هائل ويزخر بفرص استثمارية ضخمة، ويتطلب تشريعات تسهّل دخول الشركات لإعمار سوريا بطريقة علمية وهندسية مدروسة، تحافظ على الهوية العمرانية لكل محافظة، وتشجع في الوقت نفسه على البناء العصري المقاوم للزلازل، والمزوّد بالمساحات الخضراء والملاعب والخدمات الأساسية".

ولفت إلى "أهمية التخطيط المروري السليم، منحيث الطرقات الواسعة وسهولة الدخول والخروج من المجمعات السكنية، إلىجانب تطبيق مفهوم العدالة المكانية، كماطُرح في ورشة التخطيط التشاركي لحلب الكبرى، بمايضمن حق كل سوري في السكن بالمكان الذي يريده، معتوفر الخدمات وفرص العمل، دوناضطراره للتوجه يوميا إلى قلب المدن".

وأكد أن "الخلل السكاني الذي شهدته سوريا خلال خمسين عاما كان خللا ممنهجا، حيثجرى إهمال ثلاث محافظات صُنفت زورا كمناطق نائية، رغمكونها القاطرة الحقيقية للتنمية بما تمتلكه من نفط وغاز وقطن وقمح ومصادر مياه"، منوها إلى أن "معالجة هذا الإرث تتطلب رؤية شاملة تستثمر في الطرق والقطارات والطاقة وبناء مناطق صناعية على أطراف المدن، بمايخفف التكدس في مراكزها، ويحوّل هذه اللحظة إلى فرصة تاريخية نادرة لا يجوز التفريط بها".

فرص عمل كثيرة
ونوّه المستشار الأول لوزارة الاقتصاد والصناعة السورية، إلى أن "الاستثمارات السورية والعربية والأجنبية، بغضّ النظر عن تقديراتها المالية، سواء كانت 20 أو 40 أو 60 مليار دولار، ستخلق حتما فرص عمل كثيرة وواسعة"، مؤكدا أن "الأثر الحقيقي لهذه الاستثمارات يتعاظم عندما تقترن بإدارة حكومية حقيقية للمشاريع وتوجيه فعلي نحو التخطيط السليم".

وأضاف القاضي أن "وجود إدارة جادة وتوجيه حقيقي يفضي إلى الخروج بمخططات عمرانية حديثة لمدن عصرية، تحافظ في الوقت نفسه على الهوية العمرانية والتاريخية لكل مدينة"، مشيرا إلى أنه "في حال تحقق ذلك فإن حجم الاستثمارات سيكون أكبر من التقديرات المطروحة، نظرا لاتساع الاحتياجات التنموية في مختلف المناطق السورية".

وذكر أن "سوريا بحاجة إلى تنمية كل مربع من أراضيها دون إهمال أي منطقة، سواء في القطاع الزراعي أو التصنيع الزراعي، أوعبر إنشاء مناطق صناعية على أطراف المدن، إضافة إلى بناء المدارس والمشافي والملاعب والمساحات الخضراء، إلىجانب مشاريع المترو والقطارات التي تصل إلى آخر زاوية في كل محافظة".

وقال القاضي إن "هذا النوع من التنمية الشاملة سيجعل سوريا دولة جاذبة جدا لرؤوس الأموال"، موضحا أن "رؤوس الأموال العالمية التي تعاني من اختناقات تنموية في أوروبا، وأحيانا في دول أخرى، تبحث اليوم عن أسواق واعدة جديدة، وسوريا تُمثل في هذا السياق دولة بكرا لم تُستثمر بعد".

وأوضح أن "النظام السابق لم يستثمر فعليا في نحو 95% من مساحة سوريا"، لافتا إلى أن "ثلثي الأراضي القابلة للزراعة ما زالت غير مزروعة، وأن هناك ثلاث محافظات جرى إهمالها بالكامل بقرار سياسي ممنهج من الأسدين (الأب والابن) وحكومات حزب البعث، رغمحاجتها الشديدة إلى التنمية".

وأضاف أن "هذه المحافظات تمتلك مساحات واسعة وأراضي شديدة الخصوبة، إلى جانب طبيعة خلابة وأهالي من أطيب الناس، مايجعلها مؤهلة لاستقطاب مستثمرين مبدعين قادرين على تحويل هذه الإمكانات إلى مشاريع إنتاجية وتنموية حقيقية تخدم الاقتصاد الوطني".

فرصة اقتصادية كبيرة
ولفت القاضي إلى أن "القدرات التمويلية الكبرى، ولا سيما الصينية، تترقب الدخول إلى السوق السورية، وهيجاهزة للاستثمار وترى في سوريا فرصة اقتصادية كبيرة"، مرجّحا أن "تبدأ الشركات الصينية بالدخول الواسع بعد زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى الصين وافتتاح السفارة السورية هناك".

وأضاف أن "الأمر نفسه ينطبق على كوريا الجنوبية، التي لم يكن لها في السابق سفارة في سوريا، مايستدعي اليوم إصلاح العلاقات السياسية والدبلوماسية مع هذه الدول، وتحفيزها على الدخول إلى السوق السورية، إلىجانب استمرار دعم الاستثمارات السورية التي كانت السبّاقة في العودة".

وبيّن القاضي أن "الاستثمارات السورية كانت من أوائل الاستثمارات التي دخلت البلاد، سواء عبر السوريين القادمين من تركيا أو من الدول الأوروبية أو من الولايات المتحدة"، موضحا أنه "خلال الأشهر العشرة الأولى فقط جرى تسجيل نحو 11 ألفا و800 شركة جديدة".

وأشار إلى أن "عدد المصانع الحديثة المنشأة تجاوز 1300 مصنع، منها أكثر من ألف مصنع في محافظة حلب وحدها"، مؤكدا أن "معظم هذه المشاريع هي استثمارات سورية وليست أجنبية، رغموجود مستثمرين أجانب بالفعل في قطاعات مختلفة".

ونوّه إلى "استثمار مرفأ اللاذقية من قِبل شركة فرنسية، واستثمار مرفأ طرطوس من قِبل شركة موانئ دبي، إضافة إلى دخول شركتي كونوكو فيليبس وشيفرون الأمريكيتين في قطاع النفط والغاز، وبدء استثمار المطارات من قِبل شركات عربية وتركية".

وقال القاضي إن "هذه الشركات دخلت السوق السورية فعليا، لكنليس بالزخم المتوقع حتى الآن"، مرجّحا أن "يبدأ هذا الزخم بالتصاعد الكبير مع دخول شهر شباط/ فبراير المقبل، ولاسيما مع توسع الاستثمارات السعودية والتركية والأمريكية".

بسط يد الدولة على النفط والغاز
وأضاف أن "أهم مسألة قادمة تتمثل في بسط يد الدولة السورية على النفط والغاز، باعتبارهما موردين أساسيين يدخلان مباشرة في الموازنة العامة، مايمنح الدولة القدرة على دعم الكهرباء، ومساندة الفقراء، وخلق فرص عمل، وتعزيز الخدمات العامة".

وأوضح أن "هذا المسار يشكّل أساس بدء التعافي الاقتصادي السوري"، مشيرا إلى أن "الأوضاع في الساحل السوري باتت أفضل بكثير، الأمر الذي سيساعد على دخول الاستثمارات العربية، خاصة في المجال السياحي، وبناء المنتجعات والفنادق على الساحل".

وذكر القاضي أنه مع "بسط السيطرة على محافظات دير الزور والرقة والحسكة، ستنطلق مشاريع كبيرة في مجالات الزراعة والتصنيع الزراعي، بمايليق بالشعب السوري"، مشدّدا على أن "هذه المناطق قادرة على لعب دور محوري في الاقتصاد الوطني".

تنمية متوازنة
وفيما يتعلق بالقطاعات الاقتصادية، شدّد القاضي على "الحاجة إلى تنمية متوازنة تشمل جميع القطاعات دون إهمال أي منها"، موضحا أن "معظم القطاعات جرى إهمالها سابقا، بلومحاربة بعضها أحيانا، ما يتطلب اليوم تصحيحا جذريا في السياسات الاقتصادية".

واستطرد قائلا إن "سوريا تحتاج إلى استثمارات في الصناعة، والسياحة، والقطاع الصحي، والقطاع التعليمي، والزراعة، والتصنيع الزراعي، إضافة إلى المطارات والبنية التحتية والطرقات والقطارات والطرق السريعة والمترو الذي يصل إلى الأحياء السورية كافة".

وواصل حديثه قائلا إن "القطاع العقاري يُمثل ديناموا حقيقيا للنمو الاقتصادي، لأنه يخلق وفورات لصناعات وأعمال أخرى، وكلمليون وحدة سكنية تخلق أكثر من مليون فرصة عمل نتيجة الحاجة إلى مواد البناء والنقل والعمالة والصناعات المكملة".

وأشار إلى أن "النشاط العقاري يحرك عشرات الصناعات، منالأخشاب والحديد والإسمنت والزجاج والألمنيوم، إلىالمفروشات والمكيفات والمدافئ، إضافة إلى استهلاك الكهرباء والمياه والخدمات المدفوعة، ماينعكس مباشرة على تنشيط الاقتصاد وخلق فرص العمل".

وأوضح القاضي أن رؤيته التنموية تقوم على "(التاءات الثلاث): التصنيع، والتكنولوجيا، والتعليم، مضافا إليها مبدأ التنمية المتوازنة"، مؤكدا أن "المقصود بالتعليم هنا هو التعليم الفني لتأهيل عمالة ماهرة قادرة على جذب الشركات العالمية".

وأضاف أن "تجربة فيتنام تُشكّل نموذجا مهما، حيثجذبت الشركات العالمية بسبب توفر عمالة ماهرة ومنخفضة التكلفة، مادفع شركات كبرى مثل سامسونغ وآبل وأديداس ونايكي إلى مغادرة الصين والاستثمار في فيتنام".

ودعا إلى "ضرورة تأهيل العامل السوري إلى مستوى يجعل من الصعب على أي شركة عالمية تجاهل مهارته وكفاءته وتكلفته التنافسية، إلىجانب إطلاق ثورة زراعية حقيقية، وتنمية جميع المحافظات دون تمييز، والنهوض بالخدمات في دمشق وحلب، ولاسيما البنية التحتية وإدارة النفايات، لتكون نموذجا لبقية المحافظات".

وذكر المستشار الأول لوزارة الاقتصاد والصناعة السورية، أن "هناك فهما خاطئا راسخا لدى البعض يفترض أن السوريين كانوا دائما موظفين في القطاع العام، فيحين أن الواقع التاريخي مختلف تماما؛ إذ إن ثلثي العمالة السورية كانت تعمل في القطاع الخاص، مقابل ثلث واحد فقط في القطاع العام، وهونهج كان قائما فعلا في سوريا منذ عقود طويلة".

وأضاف القاضي أن "المشكلة لم تكن يوما في حجم القطاع العام، بلفي تحوّله، للأسف، إلى أحد أكبر أبواب الهدر، حيثتجاوزت مستويات الفساد فيه ثلاثة إلى أربعة أضعاف المستويات الطبيعية، وأصبح عبارة عن نزيف دائم للموارد السورية التي كانت تُصرف في غير مكانها الصحيح، وبلا أي مردود اقتصادي حقيقي".

حوافز ائتمانية
وذكر أن "القطاع العام الصناعي تحديدا كان نموذجا واضحا للفشل، حيثإن معظم شركاته كانت شركات خاسرة على مدى أكثر من عشر خطط خمسية متتالية، ما جعل الدولة تتحمل عبئا اقتصاديا مزمنا، وأدى إلى استنزاف الموازنة العامة السورية لعقود، دونتحقيق تنمية صناعية حقيقية".

وقال القاضي إن "القطاع الخاص هو القطاع الذي كان سائدا أصلا في سوريا، وهوالذي يجب اليوم تنظيمه بشكل أفضل، وهيكلته بصورة أكثر كفاءة، وتأمين بيئة نمو حقيقية له، عبرحوافز ائتمانية كبيرة وبنية تحتية قوية، ليكون هو القاطرة الفعلية للتنمية الاقتصادية، وليس القطاع العام".

ولفت إلى أن "التجارب العالمية تثبت أن القطاع العام لا يدخل عادة في النشاط الصناعي، بليتركز دوره في التعليم والصحة والشرطة والخدمات العامة"، مشدّدا على أن "تورّط الحكومات في التصنيع يخلق منافسة غير عادلة مع القطاع الخاص، ويؤدي حتما إلى الهدر والفساد، كماحصل في سوريا خلال خمسين عاما".

وأضاف أن "دخول الدولة في النشاط الصناعي لا يؤدي إلا إلى إفشال القطاع الخاص، وفيالوقت نفسه إنتاج مشاريع خاسرة تستنزف الموازنة"، منوها إلى أن "حماية الصناعة الوطنية لا تكون عبر الأساليب التقليدية التي تُفضي إلى الكسل الصناعي، بلعبر دعم ذكي قائم على تحفيز التصدير والمنافسة".

وأشار القاضي إلى أن "سوريا تمتلك عشرات الآلاف من الورش الصغيرة، التي تحتاج إلى رعاية حقيقية، ودعم مباشر، وتشجيعها على التحول إلى شركات مساهمة، بحيث تستطيع مجموعات الورش شراء خطوط إنتاج متقدمة ذات مستويات تكنولوجية عالية، وتمكينها من الإنتاج والمنافسة في الأسواق".

دعم القطاع الخاص
وذكر أن "دعم القطاع الخاص يقتضي أيضا فرض رسوم جمركية مدروسة تحمي الصناعة الوطنية، وتأمين طاقة كهربائية كافية وبأسعار منافسة، إلىجانب توفير محفزات ائتمانية وقروض بلا فوائد للقطاع الصناعي، بمايسمح له بشراء خطوط إنتاج كبيرة قادرة على المنافسة العالمية".

وبيّن أن "الصناعة الوطنية لا تُحمى بالحواجز وحدها، بلعبر مكافأة الشركات التي تصدّر، ومنح حوافز ضريبية وائتمانية للمصانع الكبرى التي تنجح في دخول الأسواق الخارجية، فيحين أن التصدير يجب أن يكون معيار الدعم الأساسي وليس مجرد الإنتاج المحلي".

وشدّد القاضي على "ضرورة تفعيل هيئة المعايير والمواصفات، وعدم السماح لأي منتج بالخروج من سوريا وحمل عبارة (صُنع في سوريا) إلا بعد تحقيق شروط معيارية صارمة، بمايضمن بناء سمعة قوية لعلامة تجارية وطنية تحمل اسم (صُنع في سوريا) بجودة عالية ومعايير موثوقة".

واستطرد قائلا إن "المطلوب ليس أن تنافس الدولة المصنع السوري، بلأن تنظم السوق وتدعمه"، مُحذّرا من أن "منافسة الحكومة للقطاع الخاص تؤدي إلى إضعافه وإفشاله، وتعيد إنتاج نموذج الخسارة والهدر الذي عانت منه سوريا لعقود طويلة".

وأضاف القاضي أن "التاريخ الاقتصادي مليء بتجارب التحول الكبرى، مثلالمعجزة الكورية، ومعجزة ألمانيا الغربية، ومعجزة نهر الغانج"، مُعربا عن اعتقاده بأن "سوريا مقبلة على معجزة اقتصادية خاصة بها، قدتُعرف مستقبلا باسم (معجزة نهر الفرات)".

موارد بشرية ضخمة
وأوضح أن "سوريا تمتلك موارد بشرية ضخمة داخل البلاد وخارجها"، داعيا الحكومة إلى "الاستفادة من شبكات العلاقات الواسعة التي يمتلكها السوريون في الخارج مع رجال الأعمال والمهنيين والتكنوقراط حول العالم"، معتبرا أن "هذه الشبكات لا تقل أهمية عن رأس المال نفسه".

وأشار إلى أن "جمع شبكات العلاقات الاجتماعية والاقتصادية لكل سوري سيؤدي إلى شبكة عالمية ممتدة من أمريكا اللاتينية إلى أستراليا، ومنشرق آسيا إلى أوروبا ودول الخليج، وتوظيف هذه الشبكات سيحقق ربحا فرديا وجماعيا في آن واحد".

وأضاف أن "سوريا جزء لا يتجزأ من العالم، وعليها أن تجد مكانها الطبيعي على خارطة العولمة الاقتصادية، حتىوإن وصلت متأخرة إلى هذا المسار"، معتبرا أن "هذا التأخير يمكن تحويله إلى فرصة عبر الاستفادة من تجارب الآخرين وعدم إعادة اختراع العجلة".

وقال القاضي إن "الدور الأساسي للحكومة يتمثل في سن القوانين الناظمة للعمل الاقتصادي والاجتماعي والصحي والتعليمي، ومراقبة تطبيقها ومرونتها، بما يضمن عدم وجود مظالم قانونية أو اقتصادية أو اجتماعية، وتحقيق مبدأ المساواة الكاملة بين جميع السوريين.

وأكد أن "الأصول السيادية السورية ليست للبيع بل للاستثمار"، نافيا ما وصفه بالفرية التي تتحدث عن "بيع سوريا"، لافتا إلى أن "الاستثمار يختلف جوهريا عن الاستعمار، وأنهذه الفكرة لا تنطلي على أي شخص يمتلك حدا أدنى من الفهم الاقتصادي".

وأضاف المستشار الأول لوزارة الاقتصاد والصناعة السورية، أن "لا دولة في العالم، لاالإمارات ولا السعودية ولا قطر ولا الصين ولا كوريا ولا فيتنام، تبيع أصولها السيادية، بل تدخل في شراكات استثمارية"، داعيا المواطنين إلى "عدم الانجرار خلف خطاب يخيف الناس باسم حماية الوطن بينما يضر باقتصاده".

وضرب مثالا بمرفأ طرطوس، موضحا أن "استثماره من قِبل شركة موانئ دبي لا يعني التفريط بالسيادة، بلالاستفادة من خبرة عالمية لتحويله إلى مرفأ منافس عالميا، تماما كما هو الحال في ميناء جبل علي".

وختم القاضي بالتأكيد على أن "الانغلاق الاقتصادي بحجة السيادة طرح غير واقعي؛ إذلم تستطع حتى الدول الكبرى إغلاق أبوابها أمام العالم"، مُحذّرا من "خطاب اقتصادي بدائي يسعى لإضعاف الدولة السورية الجديدة"، ومُشدّدا على أن "الانفتاح المنظم هو طريق النهوض الحقيقي والجاد".