ملفات وتقارير

الأمن المصري يحاصر "جيل زد" ويخترق "ديسكورد" ويعتقل عشرات الشباب

بعض المحتجزين ما زالوا رهن الإخفاء القسري دون إعلان رسمي عن أوضاعهم القانونية- جيتي
كشفت منظمة حقوقية مصرية، عن اعتقال الأمن المصري للعشرات ورصد واختراق الأجهزة الأمنية بعض المواقع والمجموعات الشبابية الغاضبة عبر منصات تواصل إلكترونية، بينها تطبيق "ديسكور"، وإحباط أي محاولة لظهور "جيل زد".

وأشارت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، إلى أن المعلومات التي حصلت عليها تظهر أن بعض المحتجزين وأغلبهم من فئة الشباب صغار السن، جرى عرضهم على جهات التحقيق، فيما لا يزال آخرون رهن الإخفاء  القسري دون إعلان رسمي عن أوضاعهم القانونية حتى اللحظة.

وطالبت الشبكة الحقوقية بضرورة الشفافية، واحترام سيادة القانون، وضمان حقوق المحتجزين، خاصة الشباب وصغار السن.



ويقول الحقوقي أحمد العطار، لـ"عربي21": "ليس لدينا معلومات جديدة عن المعتقلين، غير أن هناك بعض التفاصيل المهمة التي يصعب تناولها، حفاظا على المصادر والمعتقلين".

ويؤكد أن "هذا التوجه الأمني باعتقال نشطاء الإنترنت مستمر منذ سنوات"، مبينا أنه "يجري اختراق بعض المجموعات عبر إنشاء جروبات مشابهة للجروبات الأصلية بنفس البوستات والتصميمات تقريبا، ومن خلاها يتم اعتقال مواطنين جددا".

صداع برأس الدكتاتوريات
وتسبب "جيل زد" (Gen Z)، في صداع لبعض الأنظمة الدكتاتورية مع استخدامهم ببراعة منصات التواصل الاجتماعي لتنظيم احتجاجات شعبية تصديا للفساد الحكومي، وللمطالبة بمساءلة المسؤولين، ومعالجة أسباب الفقر، والبطالة، واليأس، بمقابل فئة اجتماعية قليلة تُظهر حياة البذخ بمواقع التواصل الاجتماعي.

والعام الماضي، خرجت احتجاجات (جيل زد) مواليد (1997- 2012) في كينيا، وبنغلاديش، وإندونيسيا، في حراك شبابي وصل دولة نيبال، أيلول/ سبتمبر الماضي، وانتقل في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي للمغرب عبر  "جيل Z 212"، ما قابلته حكومات تلك الدولة ومؤسساتها الأمنية بـرد "وحشي"، وإطلاق الذخيرة الحية، والرصاص المطاطي وفق وصف "منظمة العفو الدولية".


و"جيل Z"، هم أبناء "جيل X" (مواليد 1965– 1980)، وخلفاء "جيل الألفية" (1981- 1996)، وأسلاف جيل ألفا (2012– 2024)، وتتراوح أعمارهم بين (13-26 عاما)، ويبلغ عددهم نحو 1.861.6 مليار نسمة؛ بنسبة 23.64 بالمئة من سكان العالم، البالغين 7.875 مليارات نسمة عام 2021، منهم 428.514.686 نسمة بأفريقيا، وبنحو 40 مليون نسمة في مصر، وفقا لتقدير الأمم المتحدة عام 2022.

"جيل زد" وخصوصية "ديسكورد"
وعلى الأغلب يلجأ الغاضبون من (جيل زد) إلى الحديث عبر تطبيق، "ديسكورد"، كمنصة تواصل رقمي يتيح للمستخدمين إنشاء مجموعات خاصة وعامة للتواصل، ما جعله مرتبطا بأذهان أنظمة ديكتاتورية وسلطاتها الأمنية بالحركات الشبابية الغاضبة الداعية للثورة والتغيير، ما أثار مخاوف نظام القاهرة من حركة شبابية مماثلة.

وتبقى التجربة المغربية حاضرة أمام أعين السلطات المصرية، خاصة وأن "جيل Z"،  المغربي، انطلق من "ديسكورد" إلى الشارع، وأطلق موجة احتجاجات واسعة من الدار البيضاء رفضا لتردي الخدمات الصحية، والتعليمية، وتفاوت العدالة الاجتماعية.

وتداولت أنباء حول حظر السلطات المصرية لتطبيق "ديسكورد"، جرى نفيها لاحقا، وسط تقارير أمنية تشير إلى أن حكومة القاهرة تراقب مستخدمي التطبيق خاصة مع دعوات لاستخدامه في مصر لتنسيق الاحتجاجات ما تعتبره تهديدا للأمن القومي.


ووفق شكاوى مصريون، يواجه مستخدمو "ديسكورد" في مصر صعوبة في الوصول إلى المنصة، رغم أنها تعمل على أنظمة "مايكروسوفت"، و"ويندوز"، و"وماك"، أو "إس واندرويد"، و"لينكس"، و"آيفون"، وفي متصفحات الويب، منذ آيار/ مايو 2018.

هذا ما يقلق النظام؟
وتتوالى الدعوات عبر الإنترنت لانضمام الشباب إلى حركات ثورية سلمية التغيير، وتحت عنوان "ثورة المفاصل"، دعا القائمون على فكرة "الثورة الشعبية السلمية في مصر"، الشباب المصري للانضمام إليها عبر تطبيق "ديسكورد"، بهدف إنهاء الحكم العسكري، وبناء نظام يقوم على احترام إرادة الشعب في اختيار من يحكمه، وسيادة القانون.



وتعرف حركة "GenZ002 Of Egypt"، نفسها عبر الإنترنت بأنها "ليست حزبا سياسيا ولا جماعة دينية، بل حركة جديدة، مرجعيتنا وهدفنا خلق مقدرات وهوية مجتمعية وسياسية جديدة في عقول أهلنا الكبار والأجيال التي تأتي بعدنا، ومبنية على حرية الرأي والتعبير وتداول السلطة السلمي من غير قمع وظلم وافتراء".

وأثارت مجموعات "GenZ002 Of Egypt"، ضجة واسعة عبر الإنترنت حيث تستخدم تطبيق "ديسكورد"، في نقاشات أسبوعية بموضوعات الأمن والاقتصاد والسياسة والتغيير، ما دفع نشطاء عرب للإشادة بهم وبما يقدمونه من نقاشات.

وكتب الصحفي الفلسطيني نظام المهداوي، يقول إنهم يتناقشون عبر منصّاتهم في "ديسكورد"، "بوعي راق حول الأراضي التي تُباع، والديون التي تخنق الدولة، والسجون والمعتقلات، والتآمر على غزة، والتفريط في مياه النيل، ويتكلمون بجرأة لم تكن تُسمع منذ سنين"، مؤكدا أنه "على نظام السيسي، أن يتحسس رأسه".


ومؤخرا ظهرت شخصيات عسكرية معارضة بحسابات تحت اسمي:  "Al Malik"،  و"Ayman ElKashif"، تذيع تسريبات جنسية ومخالفات مالية لشخصيات إعلامية وسياسية وعسكرية وجهات موالية للنظام، عبر الإنترنت وتدعو الشباب للتواصل معها عبر ذات التطبيق، وعبر: "تليغرام"، و"تيك توك"، و"فيسبوك"، و"إكس"، ما أثار حفيظة السلطات المصرية، بشدة.

وبعد اعتقالات شباب وصغار سن مصريين من مجموعات "ديسكورد"، يثار التساؤل، عن دلالات هذا التحرك الأمني؟، وكيف يكشف عن حجم مخاوف النظام المصري من "جيل زد" ومجموعات الانترنت؟، وأيضا؛ مدى نجاح الأمن المصري في تكبيل "جيل زد"، ووأد ثورتهم السلمية المحتملة، قبل أن تبدأ؟.

"جيل زد".. ودرس "25 يناير"
وفي تعليقه، يقول نائب رئيس حزب "تكنوقراط مصر"، محمد حمدي، إن "النظام المصري لا يحاصر (جيل زد)، فقط؛ بل يحاصر كل المصريين ظنا منه أن القبضة الأمنية الحل والضمانة لبقائه، ولكنه يبدو أنه تجاهل دروس التاريخ، ولم يتعلم من درس (25 يناير 2011)، الذي يراه كابوسه الأوحد".

ويضيف لـ"عربي21": "إن صح خبر اختراق تطبيق (ديسكورد) أو أيا من وسائل التواصل الاجتماعي فهذا يدل على مدى هشاشة هذا النظام؛ حيث يبدو كنظام لا يحتمل أو يتقبل صوت شباب في مقتبل العمر، وبدلا من الاحتواء والاستماع إلى مطالب هذا الجيل كانت القبضة الأمنية كالعادة هي الحل".

ويلفت إلى أنه "حتى الآن، وحسب علمي، لم يتم التأكد من اعتقال أي مشارك على (ديسكورد)، من شباب (جيل زد)"، مستدركا: "وكم عهدنا من كذب هذا النظام، وتلفيق أذرعه الأمنية قضايا لشباب ليس لهم أدنى علاقة بأي نشاط".


ويشير إلى احتمال "استغلال النظام عدم تفعيل بعض الشباب معامل الحماية، أو أنه مارس اعتقالات عشوائية، ووجد بعض الشباب قد حمل التطبيق على هواتفهم المحمولة فوجه لهم التهم لنشر الخوف والفزع بأوساط الشاب".

ويؤكد أنه "مهما كانت الطرق التي يتبعها النظام فإنه يوما بعد يوم يكتسب شريحة جديدة من المصريين ضمن خصومه؛ والقاعدة تقول إن من يعادى الجميع مصيره الخسارة والسقوط؛ والنظام يعادى أعلى شريحة شعبية بمصر وهم الشباب".

وختم يقول: "حتى لو اخترق وسيلة تجمعهم اليوم، سيجدون غيرها لأنهم آمنوا بفكرة الوحدة بينهم، وجمعهم هدف واحد، وهو إسقاط النظام وحماية مستقبل البلد".

جيل بلا مرض الخوف
من جانبه، يرى الناشط والصحفي المصري أدهم حسانين، أنه "جيل من الشباب يتوقون إلى الحرية، وحرية العمل السياسي، وحرية الوطن، ولم تتلوث أفكارهم وأرواحهم بأمراض الجيل الشاب الذي عاصر الانقلاب العسكري منتصف 2013، وخاصة أفكار الخوف، من الإقدام على الحراك، والنزول للشارع، والمطاردة الأمنية".

وفي حديثه لـ"عربي21"، يؤكد أن "هؤلاء الشباب لم يروا عقبات وأحداث 2013، لصغر سنهم حينها، وهذا في حد ذاته يمثل بيئة خصبة للتحرك ويصنع لديهم حماسا كبيرا للتغيير، خاصة وأنه جيل يرى الواقع المؤلم لشعبه والأليم لبلاده".

ويعتقد حسانين، أن "عدم وجود الخوف لديهم، مع ما عندهم من حماس يمثل مكسبا لـ(جيل زد)، على (ديسكورد)، ويعطينا أملا بخروج هذا الجيل للشارع"، مشيرا إلى توقع للأكاديمي الدكتور سامي العريان، عبر (بودكاست) بأن (الموجة الأولى من الربيع العربي لم تكتمل وأن هناك موجة أخرى ستكون أكثر واقعية من الأولى)، التي كان فيها جزء من الحلم الأفلاطوني غير المكتمل".

اعتقال فتيات "جيل زد"
ويعاني المصريون منذ الانقلاب العسكري الذي ضرب البلاد 3 تموز/ يوليو 2013، من فقدان الأمل في تغيير النظام العسكري الذي يحكم البلاد منذ العام 1952، خاصة مع نسخته الجديدة على يد رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، الذي يفرض قيودا على الحريات، واتخذ قرارات وأصدر قوانين أغلقت المجال العام، وقاد حملة أمنية أسفرت عن اعتقال مئات الآلاف من المصريين.

وفي آخر، الأنباء عن الانتهاكات الأمنية بحق المصريين، يؤكد الحقوقي عبدالرحمن البدراوي، الأحد، أنه "يجري اعتقال فتاة مصرية كل عدة أيام"، مبينا أنه "خلال العام 2025 تضاعف تقريبا عدد النساء المعتقلات حتى قارب 1000 معتقلة"، مشيرا إلى أن "أوضاع حبسهم أسوء من المعتقلين الرجال، حيث يتم توزيعهم على زنازين الجنائيات".

ويلمح إلى أن أسباب اعتقال البنات تأتي "بدعوى كتابة بوست عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو وضع لايك على صفحة شخصية مصرية معارضة"، محذرا من أن نتائج "زيادة الاجرام والفُجر، والخصومة"، انفجار البركان في كل من انتهك حرمة منزل، ومن تعدى على امرأة، ومن اعتقل بنتا"، موضحا أن "المتتبع لأخبار السجون والمعتقلين الفترة الأخيرة يدرك أنهم شريحة مختلفة عن معتقلي 2013 و 2014".