بورتريه

طبيبتان فلسطينية وسورية في مواجهة اللوبي الصهيوني (بورتريه)

وجدت الطبيبة السورية الكندية نهلة السراج نفسها في قلب حملة تشهير وتحريض لأنها رفضت الصمت على ما يحدث في غزة- عربي21
تواجه طبيبتان قرار الفصل من ممارسة مهنة الطب، أحدهما بريطانية من أصول فلسطينية، والأخرى كندية من أصول سورية، والتهمة واحدة "معاداة السامية"، التهمة المعلبة والجاهزة لمواجهة وإخافة أي انتقاد أو حديث عن حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة دون توقف.

الطبيبة الفلسطينية البريطانية رحمة العدوان تصارع المجلس الطبي والمحاكم في لندن، وتواصل الحديث عن غزة، والطبيبة السورية الكندية نهلة السراج، تواصل أيضا كشف جرائم الحرب التي تنفذ في قطاع غزة بدعم وغطاء أمريكي كامل المواصفات والمقاييس.

وكلاهما تتمتعان بسمعة مهنية طيبة ولا توجد عليهما أية ملاحظات أو شكاوى من المرضى تتعلق بسوء المعاملة أو التمييز، وهما شابتان ينتظرهما مستقبل مهني يبدو واعدا.

رحمة العدوان
تتواصل في بريطانيا تداعيات قضية الطبيبة رحمة العدوان بعد قرار إيقافها عن العمل لمدة 15 شهرا، وذلك على خلفية اتهامات بـ"معاداة السامية" على الرغم من أن سجلها الطبي خال من أي شكاوى أو أخطاء مهنية.

وكانت السلطات البريطانية اعتقلت الطبيبة المتدربة في جراحة العظام والصدمات قبل أن تفرج عنها بعد ساعات.

المجلس الطبي العام البريطاني نقض قراره السابق وقرر مواصلة التحقيق في منشورات وتعليقات الدكتورة رحمة عبر منصات التواصل الاجتماعي، عقب شكاوى تقدمت بها "الجمعية الطبية اليهودية" في بريطانيا.

الهيئة الطبية قررت نقض القرار الأول الصادر بحق رحمة، وهو أمر نادر الحدوث في القضايا المهنية المشابهة داخل بريطانيا. وكان القرار الأول الذي صدر بحقها قد تضمن فرض قيود على ممارستها الطبية وتعليق عملها مؤقتا داخل هيئة الخدمات الصحية البريطانية  (NHS)، بدعوى أن منشوراتها العامة على وسائل التواصل الاجتماعي "لا تتماشى مع المعايير المهنية للطبيب".

وجاء هذا القرار بعد ضغوط إعلامية وشكاوى من جهات خارجية تتعلق بمواقفها المؤيدة لفلسطين وانتقاداتها للجرائم المرتكبة بقطاع غزة، ما أثار موجة استنكار واسعة بين الأطباء والناشطين الذين اعتبروا أن ما تتعرض له العدوان يمثل مساسا بحرية التعبير في الأوساط الطبية البريطانية. لكن الهيئة عادت لتقرر نقض هذا القرار وإعادة فتح الملف بالكامل والتحقيق من جديد.

الطبيبة رحمة، أصبحت هدفا للوبي الصهيوني في بريطانيا، الذي لم يخيف الطبيبة الشابة، وعلى عكس ذلك فقد رفعت من سقف انتقاداتها فنشرت بيانا قالت فيه "اسحبوا رخصتي وخذوا رزقي، اسجنوني أو اقتلوني، نحن لا نخشاكم، لقد قتلتم مئات الآلاف من الفلسطينيين، ولن نتخلى عن غزة أبدا، فلسطين حرة وعاشت المقاومة".

ونشرت الطبيبة صورة لثوب فلسطيني تقليدي، وكتبت معلقة "أنا ساميّة، الفلسطينيون هم الساميون".

وحظيت العدوان بتفاعل واسع على المنصات، حيث قال البعض أن السؤال ليس ما إذا كانت الطبيبة تكره اليهود، بل ما إذا كانت تعامل المرضى اليهود بشكل مختلف، وسجل الطبيبة لا يوجد فيه أي شكوى من مرضى يهود، وبالتالي فهي تتعرض للتمييز بسبب آرائها.

ما قامت به الطبيبة بحسب المتعاطفين معها كان "قانونيا وواجبا أخلاقيا"، مشيرين إلى أنها تهتم بستة ملايين فلسطيني يعيشون تحت الاحتلال. بينما ذكر مدونون آخرون أن "الصهيونية تسيطر على بريطانيا بالكامل".

وتعرضت العدوان لهجمة شرسة من قبل منظمات صهيونية وإعلام اليمين المتطرف الذين طالبوا بطردها من عملها. وشنت ضدها حملات الممنهجة بلغت حد التشهير بها ونشر بياناتها الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي.

كانت منظمة "حملة ضد معاداة السامية" في طليعة هذه الحملة ضد الطبيبة الناقدة الشرسة للاحتلال، بالتوازي مع صحيفة "ديلي ميل" ووسائل إعلام يمينية متطرفة أخرى. وطالبت بطرد الدكتورة من عملها، متهمين العدوان بالترويج لمنشورات تتعلق بحماس، والتحريض ضد الدولة اليهودية.

لكن رد الدكتورة رحمة كان حازما، إذ أكدت أنها لم تكن سوى ضحية لحملة تشويه ممنهجة. وقالت في حسابها النشط على "أكس": "هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها صحيفة ديلي ميل، ويا لها من مفاجأة 100% غير دقيقة و150% تشهيرية".

وأضافت أنها ستكشف قريبا الأدلة التي تدحض هذه الادعاءات الكاذبة. وقالت: "يبدو أن جماعات الضغط المؤيدة للإبادة الجماعية وأبواقها قد شنت هجوما شرسا وممنهجا. فبعضهم لم يتوان عن نشر تفاصيل شخصية عني، مما دفعني إلى الاتصال بالشرطة للإبلاغ عن هذا التصعيد. لكن الحقيقة التي لا شك فيها هي أن الصهاينة يشعرون بعدم الأمان".

وأضافت "لقد كانوا في حالة رعب من ردي لدرجة أنهم شنوا هجوما خبيثا على شخصي وعلى أسرتي وأصدقائي، مما كشف بوضوح فساد الصهيونية وتواطؤها. إن هذا التشهير لن يؤدي إلا إلى تعميق الخسائر التي يجب أن أستحقها. نحن لا نخشاهم، بل نخشى الله وحده. أما أنتم، يا أنصار الإبادة الجماعية، فكل ما تفعلونه لن يوقفنا عن النضال من أجل حرية فلسطين".

نهلة السراج
وجدت الطبيبة السورية الكندية نهلة السراج نفسها في قلب حملة تشهير وتحريض لأنها رفضت الصمت على ما يحدث في غزة.

ومنذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 تتلقى رسائل تهديد وتحريض ضدها وهجمات رقمية منظمة، لكن في منتصف عام 2024 خرجت الحملة من العالم الافتراضي إلى المؤسسات الطبية، حيث تلقت إشعارا بقرار فصلها من عملها دون أي خطأ مهني لها، ودون أية أشارة  إلى أي مخالفة مهنية محددة،  بل تحت ذريعة أن منشوراتها "أثارت اهتمام عاما" بعد حملة تشهير إلكترونية واسعة نظمها داعمون للاحتلال.

طريقة إبلاغها بالفصل جاءت "باردة وصادمة" بحسب نهلة، إذ تلقت دعوة لاجتماع عبر تقنية الفيديو دون إيضاح الأسباب، وما إن بدأت المكالمة حتى اتضح لها أن القرار جاهز.

ولم يتوقف الأمر على قرار الفصل وإنما وصل إلى تسريب معلوماتها الشخصية، من مكان تدريبها إلى عنوان سكنها، مما يعرض حيتها للخطر والتهديد المباشر ووصلت إلى الإبلاغ عنها لدى جهات عملها والهيئات الطبية الرسمية في كندا. تقول السراج: "أنا الآن قلقة من المستقبل. أصبح من السهل على أي شخص غاضب أن يعثر عليَّ. معلومات عملي وبرنامجي التدريبي وحتى عنوان إقامتي ظهرت علنا".

الطبيبة السراج، من عائلة كندية سورية مهاجرة من الجيل الأول، ورغم أنها نشأت في كندا، إلا التحقت بكلية الطب في أستراليا. وكانت تدرس أيضا دراسات تخصصية في الطب النفسي في جامعة "ويسترن" الكندية، وهي جامعة يسيطر عليها اليهود وغالبية طلابها من اليهود.

وهي ناشطة تنشر على منصات التواصل الاجتماعي عن الصحة النفسية، بما في ذلك "تيك توك" حيث لديها ما يقرب من 350 ألف متابع، وعلى "إنستغرام" حيث لديها 150 ألف متابع آخر.

كما حظيت بتغطية إعلامية واسعة، واختيرت كامرأة الشهر المسلمة من قِبل مجلة "المسلمات الأمريكيات" التي وصفتها بـ"مدافعة عن الصحة النفسية"، وكانت موضوع مقال في مجلة "هاندز أون هيلث" التي أجرت مقابلة معها حول "تحديات كونك أقلية بارزة في مجال الطب".

نهلة لم تستسلم ولم تختبئ من العنصريين والمحرضين وإنما تدرس خياراتها القانونية، لكنها ترى أن قضيتها أعمق من قرار فصل فهي جزء من معركة أوسع على حرية الكلمة، وعلى حق الإنسان في قول الحقيقة دون أن يدفع ثمنا يفوق قدرته.  مشيرة إلى أنها "استُنزفت خلال الشهور الماضية بفعل الضغوط المستمرة".

تقول نهلة إن ما واجهته "لم يكن خلافا مهنيا عابرا" بل سلسلة ممنهجة من الهجمات التي بدأت منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع . ودعت العاملين في القطاع الطبي ممن يخشون التعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين أن يتحدثوا بصوت عال، مضيفة أن ذلك سيسهل من مواجهة الهجمات.

وبدلا من الدفاع عن حقها في رفع صوتها ضد الظلم، رضخت السلطات الطبية في أونتاريو للضغوط الإلكترونية.

قصة نهلة تختصر الثمن الذي يدفعه كل من يقول: "غزة تستحق الحياة".

والطبيبتان نهلة ورحمة ليستا سوى رأس جبل الجليد للحرب التي يشنها اللوبي الصهيوني في كل مكان على أي صوت يعلو ويكشف جرائم الحرب في غزة. لكنهما ستنتصران لأنهما تمثلا وجها إنسانيا حقيقا وليس زائفا أو مصطنعا.