في عصر يتسارع فيه
تقدم التكنولوجيا بوتيرة غير مسبوقة، بات الذكاء الاصطناعي يثير مخاوف الأدباء
والكتاب حول العالم، من "تشات جي بي تي" إلى منصات متخصصة في تأليف
الروايات.
وفي مقال نشرته صحيفة
الإندبندنت، أكد الكاتب والصحفي جوناثان مارغوليس أن السنوات الأخيرة شهدت "تحولاً
مرعباً في النظرة للذكاء الاصطناعي"، حيث بات كثير من الروائيين يشعرون بأن التكنولوجيا
قد تستبدلهم بالكامل.
وأشار مارغوليس إلى
دراسة أجرتها
جامعة كامبريدج، أظهرت أن أكثر من نصف الروائيين المشاركين شعروا بأن
أعمالهم مهددة بالفناء، وخص بالذكر كتاب الرومانس والجريمة والتشويق، الذين يعتبرون
الأكثر عرضة لتأثيرات الذكاء الاصطناعي.
وأوضح الكاتب أن الخطر
لا يقتصر على التطبيقات العامة مثل "تشات جي بي تي" و"كلود"، بل
يشمل أيضاً منصات متخصصة في تأليف الروايات تلقائياً، بدءاً من العصف الذهني مروراً
بتحرير النصوص وتصميم الأغلفة، وصولاً إلى النشر. وأضاف مارغوليس أن ما تخيله جورج
أورويل قبل 78 عاماً في روايته "1984" أصبح اليوم واقعاً يمكن لأي شخص تشغيله
بضغطة زر.
ولفت مارغوليس إلى
ظاهرة أكثر انحطاطاً على حد قوله، تتمثل في موجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي
لتأليف "كتب" قصيرة خلال ثوانٍ وبيعها بصيغة PDF، حتى لو لم يكن المؤلف يعرف
أي شيء عن موضوعها. وأوضح أن آلاف الأشخاص يُغَرّون بالدخول في هذه السوق الاحتيالية
بسبب الأرباح السريعة التي تحققها، رغم أنهم لا يجيدون الكتابة أصلاً.
وشدد مارغوليس على
أن هذه التكنولوجيا عاجزة بطبيعتها عن إنتاج أفكار أصلية، وأن كل ما تفعله هو إعادة
تجميع بيانات موجودة مسبقاً في قالب يبدو منطقياً، لكنها تظل نصوصاً بلا أصالة أو عمق.
ومع ذلك، أشار إلى
"مشكلة ضخمة" تتعلق بإقبال الجمهور على هذا النوع من النصوص المشتقة، وأن
جزءاً كبيراً من الكتاب في الرواية والتلفزيون والمدونات ينتجون أعمالاً يمكن للذكاء
الاصطناعي تقليدها بسهولة. وأضاف مارغوليس أن كلمة "المحتوى"، التي يكرهها،
تعكس هذه الظاهرة: إنتاج نصوص رديئة تهدف فقط لملء الفراغ.
وضرب مارغوليس مثالاً
بمدون سفر شهير يكتب نصوصاً مملة إلى حد أن كل الأماكن التي يزورها تبدو غير جذابة،
موضحاً أن هذا المستوى من الرداءة هو بالضبط ما يمكن للذكاء الاصطناعي تقديمه مجاناً،
وهو السبب الذي يجعل شركات التكنولوجيا تعتبره بديلاً مناسباً حين تحتاج إلى نصوص
"لا تُقرأ أصلاً". واستعاد تجربة شخصية حين طُلب منه كتابة إعلان مدفوع
"بشكل ممل أكثر".
كما نقل مارغوليس عن
أستاذ جامعي ملاحظته أن جميع مقالات طلابه أصبحت "متوسطة"، ليست ممتازة ولا
سيئة، بل نسخة واحدة بلا روح، نتيجة اعتماد شبه جماعي على تشات جي بي تي، ما دفعه للمطالبة
بإجراء امتحانات شفهية لاستعادة عنصر التفكير الفردي.
واختتم مارغوليس مقاله
بالإشارة إلى احتمال أن تدفع الأزمة الحالية الكتاب نحو "عودة التقليد الشفهي"،
أي رواية القصص شفهياً دون نص مكتوب، وكأن الكتابة ستعود إلى نقطة البداية في تاريخ
السرد
الأدبي.