في تحليل موسع نشره الصحفي تسفي برئيل في صحيفة "
هآرتس"
الإسرائيلية، تناول الكاتب التداعيات العميقة لاغتيال هيثم علي
طبطبائي، الذي تعتبره إسرائيل القائد العسكري الأبرز في حزب الله.
ويرى برئيل أن العملية، التي وصفها بـ"الجراحية"، أعادت الاحتلال إلى حالة مألوفة من القلق والترقب، وسط مخاوف من رد محتمل من جانب حزب الله، لكنها في الوقت نفسه جاءت في سياق انهيار توازن سابق نشأ بعد اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، والذي يواصل الاحتلاب خرقه عبر عمليات وتحركات داخل الأراضي
اللبنانية.
بحسب هآرتس، خلقت الشهور الماضية ما يشبه "روتينا متفقا عليه" بين الطرفين: إسرائيل تعمل بحرية شبه كاملة في الأجواء اللبنانية بدعم أمريكي.
حزب الله يكتفي بالإدانات والتهديدات المحدودة، ويوجه لومه للحكومة اللبنانية التي يتهمها بالعجز عن لجم "اعتداءات العدو الصهيوني".
لكن اغتيال الرجل الثاني في القيادة العسكرية للحزب غير كل الحسابات، خصوصا أن الأمين العام المؤقت نعيم
قاسم بات – من وجهة نظر الحزب – هدفا محتملا أيضا، ما يفرض على القيادة إعادة تقييم استراتيجية المواجهة.
تسريع خطة نزع السلاح
تنقل هآرتس عن مصادر سياسية لبنانية أن العملية لم تكن بالضرورة إعلانا للحرب أو محاولة لنسف وقف إطلاق النار، بل "رسالة واضحة" للسلطة اللبنانية والجيش، تطالبها بالإسراع في تنفيذ الخطة التشغيلية لنزع سلاح حزب الله قبل نهاية العام، وهي الخطة التي عرضها الجيش اللبناني في آب/ أغسطس وأقرتها الحكومة.
يرى برئيل أن تل أبيب تسعى إلى فرض "معادلة جديدة" تضيق هامش المناورة أمام حزب الله، وتضع السلطة أمام مواجهة مباشرة معه.
حتى ما قبل الاغتيال، كان الرئيس اللبناني جوزيف عون يفضل مسارا تدريجيا لنزع السلاح، بما يجنب البلاد مواجهة قد تدفعها نحو حرب أهلية. إلا أن العملية – وفق الصحيفة – قد تدفع الحكومة إلى اتخاذ موقف أكثر حدة ومباشرة تجاه الحزب.
لكن هآرتس تسجل شكوكا كبيرة في أن يؤدي هذا الضغط إلى النتيجة المرجوة، مرجحة أن تل أبيب ربما استغلت "فرصة استخباراتية" أكثر من اعتمادها على خطة استراتيجية محكمة.
يرجح برئيل أن تؤدي العملية إلى نتيجتين متناقضتين: (إما أن تسرع خطة نزع السلاح. أو تمنح حزب الله ورقة مساومة جديدة، باعتباره القوة الوحيدة القادرة – كما يروج – على حماية لبنان من "الخطر الإسرائيلي").
ورغم تراجع القدرات العسكرية للحزب وخسارته دعمه اللوجستي من سوريا، إلا أنه – بحسب هآرتس – لا يزال يمتلك القوة لخوض حرب أو إشعال صراع داخلي عنيف، خصوصا مع اقتراب الانتخابات اللبنانية.
رسالة قاسم… وإذن ضمني بالمفاوضات
يوثق برئيل رسالة نعيم قاسم المفتوحة قبل أسبوعين إلى الرؤساء الثلاثة، والتي أكد فيها رفض مناقشة نزع السلاح استجابة لـ"الابتزاز الإسرائيلي".
اللافت – كما يشير – غياب أي ذكر للمفاوضات مع إسرائيل، ما اعتبر إشارة ضمنية بالسماح للحكومة بالدخول في مفاوضات، كما حدث في ملف ترسيم الحدود البحرية والهدنة.
بعدها بيومين، قال قاسم في خطاب مسجل: "وقف إطلاق النار هو في جنوب لبنان فقط… ولا يوجد أي خطر على المستوطنات الشمالية".
وصف برئيل هذا التصريح بأنه "استثنائي"، وذهب بعض اللبنانيين لاعتباره إعلانا غير مباشر عن نهاية الحرب.
تكشف هآرتس أن الرسالة أثارت غضب رئيس مجلس النواب نبيه بري لأنها نشرت دون استشارته رغم أنه الشريك الأساسي لحزب الله في "الثنائي الشيعي".
ترى الصحيفة أن الرسالة كانت "هجوما شخصيا" على بري، الذي كان قاب قوسين من إصدار رد عنيف، قبل تدخل وساطات داخلية.
غادر المساعد السياسي لبري، علي حسن خليل، إلى طهران ليشتكي لإيران من سياسات حزب الله الأخيرة. وتشير الصحيفة إلى أن الاجتماعات في طهران مع عباس عراقجي وعلي لاريجاني سلطت الضوء على "شرخ عميق" داخل الساحة الشيعية في لبنان، وبداية معركة حول خلافة بري.