في الوقت الذي تزيد فيه تسريبات قادة
الاحتلال عن توسيع دائرة اتفاقيات
التطبيع
مع المزيد من الدول العربية والإسلامية، توجهت الأنظار بصورة مفاجئة الى أندونيسيا،
باعتبار التطبيع معها فرصةٌ لا تتكرر إلا مرةً واحدةً في كل جيل، مما يستدعي عدم تفويت
هذه الفرصة، على اعتبار أنه مناسبة لإعادة النظر في طريقة تعامل العالم مع الاحتلال،
وكيف يختار أن يكون جزءًا منه.
وذكرت الكاتبة في "صحيفة معاريف" العبرية، والرئيسة التنفيذية لمؤسسة عائلة رودرمان، شيرا
رودرمان، أنه "بعد عامين من الحرب والقلق، تواجه دولة الاحتلال واحدةً من أهم
نقاط التحول في تاريخها، فقد عاد المختطفون أحياءً، ويتوقع الجمهور الإسرائيلي عودةً
تدريجية إلى الحياة الطبيعية، لكن هذه ليست هي الحياة الطبيعية نفسها، فقد تغير شيءٌ
ما في الوعي القومي إلى الأبد، في الثقة، وفي علاقاتنا، وفي شعورنا بالوحدة في العالم".
وأضافت في مقال ترجمته "عربي21" أنه "انطلاقًا من هذا الشعور،
حان الوقت لإعادة النظر في طريقة تعامل الإسرائيليين مع العالم، وكيف يختارون أن يكونون
جزءًا منه، فقد رآهم العالم في أصعب لحظاتهم، سواء يوم هجوم الطوفان، أو خلال عامي
الحرب، أما الآن، فإنها لحظة لإعادة البناء، ليس فقط المستوطنات المدمرة، بل العلاقات
الخارجية، والصورة، والأمل".
وأشارت أنه "في هذه الأثناء، تلوح في الأفق فرصة سانحة تتمثل في تطبيع
العلاقات مع إندونيسيا، مع أن هذا التطبيع لم يعد هدفًا فنيًا على الأجندة الدبلوماسية،
بل خطوة استراتيجية وثقافية وإنسانية عميقة، إندونيسيا هي أكبر دولة إسلامية في العالم،
متنوعة وديمقراطية ومعتدلة إلى حد كبير، وهي مكان يتعايش فيه الإسلام والثقافة المدنية
والتقدم، والارتباط بها قد يرمز إلى بداية عهد جديد في العلاقات بين إسرائيل والعالم
الإسلامي، عهد الحوار بدلًا من الخوف، والجسور بدلًا من الجدران".
وزعمت أن "هذا التطبيع ليس مسألة مصالح فحسب، بل دعوة لاختيار طريق يؤمن
بعلاقاتنا المشتركة، ومستقبل أفضل للجانبين، حتى عندما لا نتفق على كل شيء، كما في
العلاقات بين يهود أمريكا ودولة الاحتلال، حيث تعلمنا أن الالتزام يتطلب الحوار، وهذا
هو الحال هنا، علينا أن ننصت، ونتفهم المخاوف والحساسيات، وألا نتصرف بتعالٍ أو غطرسة،
فالتحديات قائمة، وتتحمل إندونيسيا مسؤولية تجاه العالم الإسلامي، وسيصعب عليها أن
تُنظر إليها على أنها تتخلى عن تضامنها مع الفلسطينيين".
وأشارت أنه "بين الإسرائيليين أنفسهم، ستكون هناك أصوات متسائلة، وربما
متشائمة، السؤال الأهم هو: هل لدينا الشجاعة الكافية لصياغة رؤية جديدة، لأن السلام
قرار، ويبدأ دائمًا بخطوة صغيرة لابد من الجرأة على اتخاذها أولًا، وفي هذه الحالة
يجب على دولة الاحتلال أن تعيد تعريف جوهر قوتها، ليس فقط القوة العسكرية، بل قوة التعافي
من آثار الحرب".
وشرحت معالم التطبيع المحتمل بين دولة الاحتلال وأندونيسيا المتمثلة في
"مبادرات مدنية وأكاديمية واقتصادية، في مجالات السياحة والطب والزراعة، وبناء
جسور التواصل بين الجامعات والفنانين وغيرها، وكل ذلك يتطلب القناعة بأن التطبيع مع
إندونيسيا ليس مصلحة إسرائيلية فحسب، بل مقدمة لكتابة فصل جديد في تاريخ دولة الاحتلال".
في الوقت الذي تواجه فيه دولة الاحتلال عزلة عالمية متزايدة، تتوجه أنظارها
الى استئناف مسار التطبيع مع إندونيسيا، الدولة الإسلامية الأكبر، التي رغم دعمها المعلن
للفلسطينيين، ورغم الحواجز الدستورية والثقافية مع الاحتلال، لكن النهج البراغماتي
لرئيسها الحالي، قد يُمهّد الطريق لعملية التطبيع مع الاحتلال في اليوم التالي لانتهاء
العدوان في غزة.