قال ستيف
ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، إن فريقه يعمل على التوصل إلى اتفاق بين
الجزائر والمغرب، متوقعا إتمام "اتفاق سلام" بين البلدين خلال 60 يوما.
وجاء ذلك خلال مقابلة أُجريت مع ويتكوف ومستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر، ضمن برنامج "60 دقيقة" على قناة "سي بي إس" الأمريكية مساء الأحد.
وأوضح ويتكوف في المقابلة أن "البحث عن السلام انتشر كالعدوى، والناس يريدون القيام بذلك والتوصل إلى السلام في مناطق مختلفة"، دون الإشارة إلى تفاصيل إضافية بشأن طبيعة الاتفاق أو الإطار الزمني الدقيق للمفاوضات.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من الرباط أو الجزائر بشأن هذه التصريحات.
يُذكر أن الحدود البرية بين البلدين مغلقة منذ عام 1994 بسبب توتر العلاقات، خصوصا في ظل الخلاف المستمر حول إقليم الصحراء الغربية، والذي تُعدّه الجزائر مسألة "تصفية استعمار"، في حين يتمسك
المغرب بسيادته على الإقليم.
ويقترح المغرب منذ عام 2007 منح الإقليم حكما ذاتيا موسعا تحت سيادته، في حين تدعو جبهة "البوليساريو" المدعومة من الجزائر إلى تنظيم استفتاء لتقرير المصير، وهو الخيار الذي ترفضه الرباط وتعتبره غير واقعي.
الجذور التاريخية للنزاع (1975–1991)
وتعود بدايات النزاع حول الصحراء الغربية إلى عام 1975، حين كانت المنطقة لا تزال تحت الاستعمار الإسباني، ومع انسحاب مدريد، سارع المغرب إلى إعلان سيادته على الإقليم من خلال "المسيرة الخضراء" واتفاقية مدريد، في المقابل، دعمت الجزائر حركة صحراوية تطالب بالاستقلال، وهي جبهة البوليساريو، التي تأسست عام 1973.
وبعد انسحاب إسبانيا من الصحراء الغربية عام 1976، أعلنت جبهة البوليساريو في 27 شباط/فبراير من العام نفسه قيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، وشكلت حكومة في المنفى تتخذ من الجزائر مقرا لها.
وفي أعقاب اتفاق مدريد، دخل المغرب وموريتانيا في صراع مسلح مع جبهة البوليساريو، التي رفضت تقسيم الإقليم ورفعت شعار الاستقلال الكامل، واستمر القتال حتى قررت موريتانيا الانسحاب من الجزء الجنوبي من الصحراء (وادي الذهب) في عام 1979، وأبرمت اتفاقا منفردا مع البوليساريو.
وبعد ذلك، بسط المغرب سيطرته على تلك المنطقة، ليصبح الطرف المسيطر فعليًا على معظم أراضي الإقليم، بما في ذلك المراكز الحضرية الكبرى والموارد الرئيسية.
استمرت الحرب بين المغرب وجبهة البوليساريو حتى توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة عام 1991، تزامنا مع إنشاء بعثة المينورسو لمراقبة الاتفاق والتحضير لاستفتاء تقرير المصير، وحظيت البوليساريو بدعم سياسي وعسكري من الجزائر، بينما تلقى المغرب دعمًا من عدة قوى إقليمية ودولية.
كما أدى النزاع إلى نزوح عشرات الآلاف من الصحراويين إلى مخيمات اللاجئين في منطقة تندوف جنوب غرب الجزائر، حيث وفرت لهم السلطات الجزائرية المأوى والدعم، بالتعاون مع منظمات دولية إنسانية.
دور الجزائر
منذ اندلاع النزاع، تبنّت الجزائر موقفا ثابتا يؤيد حق تقرير المصير في الصحراء الغربية، معتبرة أن القضية تمثل حالة من تصفية الاستعمار لم تكتمل بعد.
وفي هذا السياق، احتضنت الجزائر قيادة جبهة البوليساريو ومخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف، ووفرت لهما الدعم السياسي واللوجستي، مع التأكيد على ضرورة تنظيم استفتاء يتيح لسكان الإقليم اختيار مستقبلهم.
في المقابل، ترى المملكة المغربية أن جبهة البوليساريو حركة انفصالية تدعمها الجزائر، وتعتبر أن النزاع يتجاوز الطابع المحلي، ويعكس صراعا جيوسياسيا أوسع حول النفوذ في منطقة شمال إفريقيا.
هذا التباين الجذري في المواقف ساهم في توتر العلاقات بين الجزائر والمغرب لعقود، وجعل من ملف الصحراء الغربية أحد أكثر الملفات حساسية بين البلدين، لا سيما بعد إغلاق الحدود البرية بينهما منذ عام 1994، بعد اتهام المغرب للجزائر بتدبير تفجير مراكش عام 1994.
وقف إطلاق النار وجهود السلام (1991–2006)
بعد سنوات من المواجهات العسكرية، تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو برعاية الأمم المتحدة عام 1991.
وعلى إثر ذلك، أنشئت بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، بهدف مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار والتحضير لتنظيم استفتاء لتقرير المصير، كان من المقرر إجراؤه في عام 1992، غير أن خلافات جوهرية، خاصة حول لوائح الناخبين ومعايير الأهلية للتصويت، عطلت تنفيذ الاستفتاء وأدخلت العملية السياسية في مأزق طويل الأمد.
في محاولة لكسر الجمود، قدمت الأمم المتحدة عدة مقترحات للحل عبر مبعوثها الشخصي جيمس بيكر، حيث تضمنت الخطة الأولى، التي طُرحت عام 2001، مقترحا بحكم ذاتي موسع تحت السيادة المغربية دون تنظيم استفتاء نهائي، وهو ما رفضته جبهة البوليساريو.
وفي عام 2003، قدم بيكر خطة ثانية تنص على فترة انتقالية من الحكم الذاتي، تتبعها استفتاء يشمل خيارات متعددة، منها الاستقلال، وقد وافقت عليها البوليساريو بينما رفضها المغرب، معتبرًا أن تنظيم استفتاء يتضمن خيار الانفصال لم يعد ممكنًا بعد تعثر العملية لأكثر من عقد.
وفي عام 2004، أعلن المغرب رسميا تخليه عن خيار الاستفتاء، داعيًا إلى البحث عن حل سياسي "واقعي ودائم ومتوافق عليه"، ما شكّل نقطة تحول رئيسية في تعاطي الرباط مع الملف.
المقترح المغربي للحكم الذاتي (2007)
قدّمت المملكة المغربية في نيسان/أبريل 2007 إلى مجلس الأمن مبادرة تقترح منح الصحراء الغربية حكما ذاتيا موسعا تحت السيادة المغربية، وتنص على إنشاء مؤسسات محلية تنفيذية وتشريعية وقضائية منتخبة، مع احتفاظ الدولة المغربية بالاختصاصات السيادية، مثل الدفاع والعلاقات الخارجية والعملة.
كما يتضمن المقترح عرض المشروع على سكان الإقليم للتصديق عبر استفتاء محلي، لا يشمل خيار الاستقلال.
مثّل هذا المقترح تحولا نوعيا في تعامل الرباط مع القضية، حيث انتقلت من مقاربة الإدماج الكامل إلى طرح خيار الحكم الذاتي كحل سياسي "واقعي" و"دائم"، يضمن التسيير الذاتي للسكان ضمن السيادة الوطنية.
وفي اليوم السابق لتقديم المبادرة المغربية، قدّمت جبهة البوليساريو إلى الأمم المتحدة مقترحًا مضادًا يطالب بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، يشمل خيارات الاستقلال، الحكم الذاتي، أو الاندماج، مؤكدة تمسكها بالمقاربات الأممية السابقة.
ردود الفعل الدولية
حظيت مبادرة الحكم الذاتي المغربية بترحيب دولي متزايد منذ تقديمها في عام 2007، ووصفتها قرارات مجلس الأمن، ابتداء من القرار 1754، بأنها "جدية وذات مصداقية".
وعقدت في نيويورك جولات تفاوض غير مباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو، بمشاركة الجزائر وموريتانيا كدولتين مجاورتين، لكن هذه المحادثات لم تُفضِ إلى تقدم ملموس في ظل تمسك كل طرف بموقفه الأساسي.
كما لقيت المبادرة المغربية دعما من عدة قوى دولية، من بينها الولايات المتحدة وفرنسا، اللتين وصفتاها بـ"الحل الواقعي والعادل".
وفي آذار/مارس 2022، أعلنت إسبانيا تغيير موقفها التقليدي من النزاع، معتبرة أن المقترح المغربي هو "الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية" لتسويته.
وفي كانون الأول/ديسمبر 2020، اعترفت الولايات المتحدة، بمرسوم رئاسي، بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، ضمن اتفاق ثلاثي تضمن أيضًا استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل. وعلى المستوى الدبلوماسي، افتتحت أكثر من 25 دولة قنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة، في خطوة رمزية تُعد دعمًا للموقف المغربي.
في المقابل، يحتفظ الاتحاد الأفريقي بعضوية "الجمهورية الصحراوية"، ويواصل التأكيد على مبدأ تقرير المصير، رغم عودة المغرب إلى عضويته في عام 2017 بعد انسحاب استمر أكثر من ثلاثة عقود.
الرفض الجزائري ودعم البوليساريو
رفضت الجزائر مبادرة الحكم الذاتي المغربية منذ طرحها عام 2007، معتبرة أنها تتعارض مع مبدأ تقرير المصير، وتشكل تجاوزًا لحق الشعب الصحراوي في اختيار مستقبله السياسي بحرية. وقد عبّرت الجزائر عن اعتراضها على الدعم الدولي المتزايد للمبادرة، خاصة من الولايات المتحدة وفرنسا، واعتبرت أن أي تسوية تستبعد خيار الاستقلال تمثل تراجعًا عن قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالنزاع.
وفي أغسطس 2021، أعلنت الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، متهمة إياه بما وصفته بـ"أعمال عدائية متكررة"، في سياق توتر متصاعد شمل ملفات عدة، من بينها تطورات قضية الصحراء والعلاقات الإقليمية.
ورغم اتفاق وقف إطلاق النار الموقع عام 1991، أعلنت جبهة البوليساريو في نوفمبر 2020 استئناف العمليات المسلحة ضد القوات المغربية، بعد أحداث معبر الكركرات. وتؤكد الجزائر دعمها السياسي والإنساني للجبهة، بينما تعتبر الرباط أن الجزائر طرف أساسي في النزاع، وتطالب بإشراكها المباشر في أي مفاوضات مستقبلية.
يُعد نزاع الصحراء الغربية أحد أطول النزاعات في القارة الإفريقية، تتقاطع فيه الأبعاد التاريخية والقانونية والجيوسياسية.
وبينما يتمسك المغرب بسيادته على الإقليم ويطرح الحكم الذاتي الموسع كحل عملي، تواصل الجزائر وجبهة البوليساريو المطالبة بتنظيم استفتاء يتيح لسكان الإقليم تقرير مصيرهم، بما في ذلك خيار الاستقلال.
وعلى الرغم من تزايد الدعم الدولي للمبادرة المغربية، لا يزال النزاع مفتوحا على كافة السيناريوهات، في انتظار تسوية سياسية "عادلة، دائمة، ومقبولة من الطرفين" وفق قرارات مجلس الأمن وتحت رعاية الأمم المتحدة.