ملفات وتقارير

"خطوة تكتيكية".. قوى شيعية عراقية تسعى لإنشاء لوبيات بواشنطن

عدنان الزرفي: سعي عراقي لفتح مراكز تأثير داخل الولايات المتحدة - (صفحته الرسمية على إكس)
يدور حديث في العراق حول تسابق معظم القوى السياسية، تمثل مختلف الانتماءات الطائفية والعرقية، إلى تشكيل جماعات ضغط "لوبيات" في الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب.

آخر تلك المحاولات، هو تحرك جهات سياسية شيعية على صلة بالفصائل المسلحة والحكومة العراقية، من أجل تشكيل جماعات ضغط في واشنطن تهدف إلى رفع فصائل عن قائمة الإرهاب الأمريكية، حسبما كشفت وسائل إعلام عراقية.

وقبل أسبوع، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية خلال بيان لها، أنها أدرجت أربع "مليشيات موالية لإيران في العراق على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وشملت كل من: حركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وحركة أنصار الله الأوفياء، وكتائب الإمام علي".

صراع لوبيات

وقال النائب والمكلف السابق برئاسة الحكومة العراقية، عدنان الزرفي، خلال مقابلة تلفزيونية، الثلاثاء، إنه ثمة سعي عراقي لفتح مراكز تأثير داخل الولايات المتحدة، لكن الإدارة الحالية لا تعتمد على مراكز الضغط وتأثيراتها، كونها لديها صفقات مسبقا، ولا يمكن لها أن تتراجع عنها.




وكشف الزرفي، أن "شخصيتين سياسية معروفة بارتباطها مع الحكومة والفصائل يتواجدون حاليا في الولايات المتحدة سعيا لإنشاء لوبيات، لكن الإدارة الأمريكية أبلغت بعدم المراجعة في أي شيء يتعلق بهؤلاء، لأنها غير مستعدة للتعامل معهم".

ولفت إلى أن "الولايات المتحدة حاليا لم تعد مثل السابق، حيث تدار الأمور عبر إقامة علاقات مع الحزبين وليس عن طريق جماعات الضغط فقط، فمن يمتلك علاقة مع أطراف من الحزب الجمهوري يعني أن لديه نفوذا داخل الإدارة والبيت الأبيض، ومجلس الشيوخ والكونغرس".

ويعد الزرفي أحد أبرز الشخصيات التي يتناولها الإعلام المحلي، بأنه سيكون مرشحا محتملا لتولي رئاسة الحكومة المقبلة، كونه شخصية شيعية علمانية بعيدة عن التأثير الإيراني، ويمتلك الجنسية الأمريكية، فضلا عن علاقاته مع أعضاء في الكونغرس والبيت الأبيض.

وفي السياق ذاته، نقل الإعلامي العراقي أمين ناصر، عن المفكر السياسي الشيعي، حسن العلوي، أن الأخير يطالب الجهات السياسية والحاكمية الشيعية بأن تكون وزارة الخارجية العراقية حكرا على المكوّن الشيعي، كونها الواجهة الحقيقية للدولة في الخارج.

وقال العلوي، بحسب تصريح ناصر لمنصة "جريدة" العراقية، إن الأكراد لا ينظرون لأنفسهم كجزء من الهوية الوطنية، بل يتعاملون في علاقاتهم الخارجية وفق انتماء قومي ومناطقي، مذكّرا بمحاولة الانفصال عبر الاستفتاء الذي جرى في كردستان وفشل آنذاك.

ولفت إلى أن اللوبي الكردي في الولايات المتحدة ينفق مئات ملايين الدولارات على وسائل الإعلام ومراكز الدراسات وأعضاء في الكونغرس، في مسعى للتأثير على القرار الأمريكي تجاه العراق ودفعه باتجاه دعم مشروع الدولة الكردية.

وتتهم قوى وشخصيات سياسية شيعية، الأحزاب الكردية بتشكيل "لوبيات" في واشنطن تمارس الضغط على حكومات العراق المتعاقبة منذ ،2003 للحصول على مكاسب، وأنها تقف وراء تصنيف بعض الفصائل على لوائح الإرهاب.

ويرى مراقبون أن القوى الكردية وبفعل ما تمتلكه من "لوبيات" كانت وراء تدخل وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، وأعضاء في الكونغرس، في الأزمة بين بغداد وأربيل، ومطالبة الحكومة العراقية بإطلاق رواتب الإقليم وإعادة تصدير النفط من هناك.

"ضعف شيعي"

وعن مدى نجاح الأطراف الشيعية الحاكمة في تشكيل لوبيات مؤثرة، قال أستاذ الإعلام في العراق، غالب الدعمي، إن "تكوين جماعات ضغط في واشنطن يتعارض تماما مع ما تعلنه الفصائل في خطابها إزاء أمريكا، لأن محور المقاومة مرتبط بإيران وعنده حدود ومساحات للعمل".

وأضاف الدعمي لـ"عربي21" أن "بحث الفصائل عن لوبيات في الولايات المتحدة يفقدها تماما خطابها الذي اعتمدت عليه في مخاطبة جمهورها، واتهاماتها المستمرة للآخرين الذي يسعون باتجاه تحسين علاقاتهم مع واشنطن، ووصفهم بأنهم مطبعون وضد الذين والمذهب وغيرها".

ورأى الخبير العراقي، أن "الولايات المتحدة لن تسمع بتكوين أي لوبيات ترتبط بالفصائل المسلحة الشيعية، لأن أمريكا تسعى دائما إلى إضعافها وإنهاكها وتقليل خطرها على التواجد الأمريكي وإسرائيل".

أما بشأن القوى الكردية، يؤكد الدعمي أنه "بالفعل ثمة لوبي كبير نشأ في أوروبا وحمل رسائل اطمئنان كبيرة ناتجة عن سياسة الحكومة الكردية في إقليم كردستان، وهذه اللوبيات للحزب الديمقراطي الكردستاني، ولا تشمل الاتحاد الوطني الذي يسيطر على محافظة السليمانية".

وتابع: "أيضا، بدأ ينشط لوبي آخر سني ينشأ في دول أوروبا وأمريكا، أكثر من اللوبيات الشيعية التي كانت مسيطرة جدا، والآن تراجع تأثيرها في الولايات المتحدة بعد خضوعها للتأثير الإيراني".

واستبعد الدعمي أن "يجري تكوين لوبيات شيعية في أوروبا خلال المستقبل القريب، وأن هناك قبول للوبيات شيعية مدنية، ولكن ما زالت ضعيفة جدا مقابل هذا الكم الهائل الذي تسيطر عليه الجهات السياسية الأخرى في العراق".



وأشار إلى أن "حجم التأثير المدني في العراق للجهات الشيعية غير موجود مقابل الوجود الإسلامي الذي يواجه رفضا أمريكيا كبيرا، بالتالي ثمة نمو واضح للوبيات كردية وأخرى سنية على حساب اللوبي الشيعي الذي بدأ يتراجع بشكل مخيف جدا".

"خطوة تكتيكية"

في السياق ذاته، قال رئيس مركز "التفكير السياسي" في العراق إحسان الشمري، لـ"عربي21" إنه "مع ارتفاع مستوى التصنيف لهذه الجماعات المسلحة التي تشكل الحكومة الحالية، فإنه يبدو من المتوقع جدا أن تمضي باتجاه تشكيل هذه اللوبيات".

وأوضح الشمري أن "هذه الجهات العراقية تدرك جيدا أن هذه اللوبيات التي تشكل في واشنطن القريبة من مصدر القرار يمكن أن تعمل بطريقة أو بأخرى على منح نوع من المرونة للفصائل من خلال علاقات يمكن أن تقيمها جماعات الضغط أو حتى تفهم إدارة ترامب لهذه الفصائل".

وأردف: "لكن هذا الاعتقاد بالنسبة للجماعات التي صنفتها وزارة الخارجية الأمريكية بأنها تنظيمات إرهابية دولية، لا أتصور من أن هذه اللوبيات ستكون مؤثرة، خصوصا أن رفع هذه التصنيفات مرت بسلسلة من عمليات التأكد والمرتبطة بوثائق فضلا عن وجود أحداث وأدلة".



لذلك من الصعب، بحسب الشمري، أن "تؤثر هذ اللوبيات لأن حصول أي تواصل وتعامل لجماعات الضغط هناك أو مراكز البحوث القريبة من إدارة ترامب مع الفصائل المسلحة، فإنها ستكون تحت طائلة القانون الأمريكي، لذلك فإنها محاولة لن يكتب لها النجاح".

وعلى صعيد إقليم كردستان، أكد الشمري أنه "أثبت على مستوى سنوات ومراحل من المواقف والأحداث أنه شريك للولايات المتحدة الأمريكية، ولم يعارض سياساتها في العراق والمنطقة، ولم يكن مصدر تهديد لواشنطن في ظل حكم الجمهوريين والديمقراطيين".

وبيّن الشمري أن "الإقليم يتعامل سياسيا مع الإدارة الأمريكية لسنوات طويلة تمتد إلى عقود لذلك هو يمتلك خبرة متراكمة، وهذا الشيء غير متوفر لدى الفصائل المسلحة والإطار التنسيقي أو ما يعرف بالقوى السياسية الشيعية".

وشدد على أن "القوى السياسية الشيعية أظهرت عداءً للولايات المتحدة منذ نحو عقد ونصف من الزمن، وهذا يضع مسألة اللوبيات على أنها جزء من التكتيك لغرض التهدئة وليس الهدف منه هو بناء علاقات إستراتيجية مع واشنطن والإدارة الأمريكية".