ملفات وتقارير

هل ينجح التحالف الـ"روسي-الصيني-الهندي" في تقويض هيمنة أمريكا وتشكيل نظام عالمي جديد؟

منظمة شنغهاي للتعاون ترسم خارطة سياسية وأمنية واقتصادية جديدة - جيتي

في خضم فوضى عارمة تعصف بالعالم، تحاول كل من الصين وروسيا تقديم نفسيهما كصناع سلام، مستغلين التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، والحرب في أوكرانيا، وما يجري في غزة من جرائم إبادة، لدرجة أن مدير معهد الصين في جامعة لندن ستيف تسانغ، أكد أن حال لسان الرئيس الصيني شي جين بينغ ولسبب وجيه، يقول:" شكرًا لك أيها الرئيس ترامب، أنت تقوم بعمل رائع في جعل الصين عظيمةً مجددًا".


مجلة نيوزويك الأمريكية، وجدت أن دعوة كبار الزعماء المشاركين في قمة منظمة شنغهاي لتشكيل نظام عالمي جديد، تستند لحجج مفادها، أن الجنوب العالمي يمثل أغلبية واضحة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والجزء الأكبر من سكان العالم، وبالتالي ترى بكين وموسكو أنه من غير الديمقراطي بشكل أساسي، السماح لغرب نخبوي صغير بقيادة الولايات المتحدة في الهيمنة بوضع القواعد والأعراف الدولية.


وبما أن الصين تُعد زعيمة دول الجنوب العالمي، فإنها قادرة على تحويل ذلك ليعكس مصالح وأولويات الدول الأعضاء بمنظمة شنغهاي، التي تدعم معظمها شي جين بينغ جراء إساءة ترامب إلى سمعة الولايات المتحدة والنظام الدولي الليبرالي ودفع حلفاءها وشركاءها بعيدا عنها، كما جرى مع الهند بسبب الرسوم الجمركية وما سمي بالابتزاز الاقتصادي.

من على منبر قمة منظمة شنغهاي، وخلال أبرز تجمع جيوسياسي لدول الجنوب العالمي منذ بداية العام، دعا الرئيسان الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين، إلى بناء نظام عالمي جديد يقوم على "التعددية الحقيقية" ويرفض "الهيمنة والانقسام إلى كتل"، تصريحات وُصفت بالحادة، تلك التي أطلقها رئيسا بلدين هما عضوان دائمان في مجلس الأمن الدولي.



العالم بات أكثر فوضى وتعقيد
شي جين بينغ، وخلال الجلسة الافتتاحية للقمة التي حضرها نحو 20 من قادة دول أوراسيا، أكد أن: "الوضع الدولي بات أكثر فوضى وتعقيداً"، ودعا إلى "تعزيز منظور تاريخي دقيق للحرب العالمية الثانية، والتصدي لعقلية الحرب الباردة"، قائلا: "علينا أن نرفض سياسات الترهيب، ونعمل على بناء نظام عالمي أكثر عدالة، لا تهيمن عليه قوة واحدة"، في إشارة إلى الولايات المتحدة.

مبادرة الحوكمة العالمية
 شي جين بينغ، وعقب طرحه تفاصيل "مبادرة الحوكمة العالمية"، شدد على أن "التحديات الأمنية والتنموية التي تواجه الدول الأعضاء أصبحت أكثر تعقيداً، في عالم يشهد اضطرابات وتحولات عميقة"، في إشارة واضحة إلى التوترات الناتجة عن سياسات الرسوم الجمركية التي يتبعها الغرب، خصوصاً إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.


مساعدات واستثمارات لاستقطاب الدول  
في محاولة لتوسيع أدوار منظمة شنغهاي واستقطاب أعضاء جدد بعد انضمام جمهورية لاوس الديمقراطية الشعبية ، أعلن شي عن خطة لتسريع إنشاء بنك تنمية، وأن الصين ستقدم منحاً مالية بقيمة 2 مليار يوان صيني للدول الأعضاء هذا العام، وستوفّر قروضاً إضافية بقيمة 10 مليارات يوان عبر البنوك الأعضاء في اتحاد البنوك التابع للمنظمة خلال السنوات الثلاث المقبلة، كما ستضاعف الصين عدد المنح الدراسية المخصصة للمنظمة اعتباراً من عام 2026، وستطلق برنامجاً مبتكراً للدكتوراه لتدريب المتميزة في البحث الأكاديمي والعلمي والتكنولوجي، فضلا عن عطايا كثر ضمن أكثر من 20 وثيقة لتعزيز التعاون في مجالات الأمن، والاقتصاد، والشؤون الإنسانية، اختتمت بها منظمة شنغهاي قمتها باتجاه تطوير عملها للعقد المقبل 2026–2035

نظام لا يستطيع الغرب إيقافه
وفي خطاب مباشر وحاسم، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن:" منظمة شنغهاي هي التي يمكن أن تتولى الدور القيادي في الجهود الرامية إلى تشكيل نظام عالمي أكثر عدالة يستند إلى سيادة القانون الدولي في الشروط الأساسية لميثاق الأمم المتحدة".


وأضاف " إن التعددية الحقيقية التي تمثلها منظمة شنغهاي يمكنها من بناء نظام جديد للاستقرار والأمن في أوراسيا، على عكس النماذج الأوروبية أو الأطلسية، لكونه سيأخذ بجدية مصالح طيف واسع من الدول، ولن يسمح لأي دولة بضمان أمنها على حساب أمن الدول الأخرى".

دعم الغرب لـ"انقلاب أوكرانيا"
وعن العملية العسكرية في أوكرانيا، قال بوتين أن: "هذه الأزمة لم تكن ناجمة عن الهجوم الروسي على أوكرانيا، بل كانت نتيجة انقلاب في أوكرانيا دعمه وتسبّب به الغرب جراء محاولاته الدائمة لجرّ كييف إلى حلف شمال الأطلسي"، كما أكد بوتين أن روسيا تنسق بشكل وثيق مع الهند، ووصف العلاقة مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي بـ"الصداقة المميزة".

"صورة ثلاثية".. رسالة مودي للغرب
سعى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال زيارته الأولى إلى الصين منذ سبع سنوات إلى إعادة ضبط علاقات بلاده مع جارتها القوية الصين ضمن مفهوم "شريكان في التنمية لا متنافسان"، فضلا عن سعيه لتوطيد العلاقات مع روسيا لمواجهة تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة بقيادة ترامب.

وفي مشهد لاقى تداولاً واسعاً، ظهر بوتين ومودي ممسكين بأيدي بعضهما البعض أثناء سيرهما بمرح نحو شي قبل افتتاح القمة، وقف الرجال الثلاثة جنبًا إلى جنب، يضحكون، محاطين بالمترجمين، في لفتة قيل إنها تُعزز الصورة الجماعية للتضامن بين القوى غير الغربية بحسب وكالة بلوبرغ ، وكتب إريك أولاندر، رئيس تحرير مشروع الصين-الجنوب العالمي، وهي وكالة أبحاث، قائلا:" من الصعب معرفة ما إذا كان المشهد مُدبراً أم مرتجلاً، ولكن إذا كان الرئيس الأمريكي وأتباعه يعتقدون أنهم قادرون على استخدام الرسوم الجمركية للضغط على الصين أو الهند أو روسيا لإجبارها على الخضوع، فإن الصورة تقول عكس ذلك".


آلية مالية خاصة بمنظمة شنغهاي
أما الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، التي أطاحت العقوبات الغربية بطموحات بلاده، فقد دعا إلى ضرورة اتخاذ منظمة شنغهاي خطوات ملموسة من أجل بناء عالم "أكثر سلاماً"، عبر تأسيس "لجنة أزمات" تضم وزراء خارجية الدول الأعضاء في المنظمة، تتمتع بالقدرة على التدخل السريع ضد أي انتهاكات لسيادة أعضائها، فيما قدم عرضا مفاده استعداد إيران للمساهمة في تطوير التعاون الإقليمي لأعضاء منظمة شنغهاي من خلال الاستفادة من موقعها الجيوسياسي.


وهو ما عد محاولة لفك الخناق عن بلاده، فضلا عن منح إيران حصانة من تعرضها لأي هجمات لن تهدد طهران فحسب، بل واستثمارات الدول التي قد تفكر عقد اتفاقيات تعاون اقتصادي مشتركة مع إيران، وفي اقتراح إيراني لمنظمة شانغهاي لربما سوف يضايق الدولار،  اقترحَ بزشكيان، خلال كلمته أمام قمة منظمة شنغهاي، إنشاء آلية مالية خاصة بالمنظمة، لتقليص الاعتماد على الدولار.  



التحالف يدعم إيران
وفي رسالة بشأن تأكيد التضامن، دعت الصين وروسيا، إلى رفض محاولة الدول الأوروبية إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران، معتبرتين الخطوة "معيبة قانونيًا وإجرائيًا، جاء ذلك في رسالة مشتركة وقعها وزراء خارجية الصين وروسيا وإيران، انتقدت فيها ما أقدمت عليه بريطانيا وفرنسا وألمانيا عبر ما يُعرف بـ"آلية سناب باك"، معتبرة أنها تمثل "انتهاكًا لصلاحيات مجلس الأمن وتدميرًا سياسيًا، وأن السبب الرئيسي لفشل تنفيذ الاتفاق هو انسحاب الولايات المتحدة الأحادي الجانب منه، وأن الدول الأوروبية امتثلت للعقوبات الأمريكية الأحادية، موقف أشاد به وزير الخارجية الإيراني الداعم لطهران والرفض للضغوط الأوروبية لإعادة فرض العقوبات



أمريكا تعزز عزلتها
ومع بدء ملامح انهيار النظام العالمي الذي ساعدت أمريكا في بنائه بحسب صحيفة الإندبندنت البريطانية والتي حملت الرئيس ترامب مسؤولية تداعيات ما يجري اليوم من تشظي تحالفات دولية تقليدية، وبزوغ تكتلات جديدة كانت الخلافات حتى فترة قريبة السمة الأبرز لعلاقاتها، أكد معهد "ثينك تشاينا" الصيني أن قمة منظمة شنغهاي تؤشر إلى صعود قوى الحضارات المستقلة والفاعلة والمتعددة الأقطاب، في وقت تبدو الولايات المتحدة غائبة وسلطتها الأخلاقية متضائلة وسياستها الخارجية تحت قبضة قوى جماعات اللوبي والضغط الداخلي، مشيرا إلى أن قادة الدول الحضارية، وخصوصاً الصين والهند وروسيا وتركيا، ومن جميع أنحاء الجنوب العالمي، اجتمعوا لاستعراض الوحدة والسيادة ورؤية متعددة الأقطاب للعلاقات الدولية، في حين أن الولايات المتحدة التي كانت في الماضي بمثابة "المهندس" الأبرز لمؤسسات الدولة القومية العالمية الحديثة، تبدو غائبة وتعزز عزلتها، بانحيازها العميق إلى إسرائيل.

منظمة شنغهاي تتحول إلى "قطب جيوسياسي"
تضم منظمة شنغهاي للتعاون عشر دول أعضاء هي" الصين، روسيا، الهند، باكستان، إيران، كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، أوزبكستان، وبيلاروس. كما تضم 16 دولة بصفة مراقب أو شريك، وتمثل نحو نصف سكان العالم و23.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.


وقد تطورت المنظمة من كيان أمني إقليمي إلى لاعب رئيسي في النظام الدولي، تُقدّم نفسها كقوة موازنة لحلف شمال الأطلسي، وتعمل على تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني بين الدول غير الغربية.

وتُعدّ القمة الأخير، هي الأكثر أهمية لمنظمة شنغهاي منذ إنشائها عام 2001، حيث عقدت في ظل أزمات متعددة تطال أعضاءها بصورة مباشرة، من المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين والهند، إلى الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وصولاً بالملف النووي الإيراني.