أثارت قضية الإفراج عن المواطنة الإسرائيلية- الروسية، اليزابيث
تسوركوف، التي كانت مختطفة من "كتائب حزب الله" في
العراق، العديد من التساؤلات بخصوص طبيعة التسوية التي جرت لإطلاق سراحها في هذا التوقيت، بعد أكثر من عامين على اختطافها.
وقال رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الثلاثاء، إنه "تتويجا لجهود كبيرة بذلتها أجهزتنا الأمنية وعلى مدى شهور طويلة، نعلن عن تحرير المواطنة الروسية اليزابيث تسوركوف"، مؤكدا "لن نتهاون في إنفاذ القانون وإعلاء سلطة الدولة، وعدم السماح لأي أحد بالإساءة الى سمعة العراق والعراقيين".
وعلق وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، على إطلاق سراح إليزابيث تسوركوف، بأنه جاء بعد أقل من أسبوع من توقيع الرئيس دونالد ترامب، الأمر التنفيذي لـ"تعزيز الجهود ضد دبلوماسية الرهائن".
وقبل ذلك، كتب ترامب على حسابه على منصة "تروث" قائلا: "يسرني أن أبلغكم أن إليزابيث تسوركوف، طالبة في جامعة برينستون، وشقيقتها مواطنة أمريكية قد أُطلق سراحها للتو من قبل كتائب حزب الله.. وأنها بأمان الآن في السفارة الأمريكية في العراق بعد تعرضها للتعذيب لعدة أشهر".
"عملية مقايضة"
وبخصوص طبيعة التسوية التي جرت، قال أستاذ الإعلام في العراق، عقيل عباس، لـ"عربي21" إن "مفاوضات الأخذ والرد في هذه القضية أخذت مدة طويلة، لذلك لا أعتقد أن توقيت الإفراج عن إليزابيث تسوركوف مرتبط بحدث خارجي".
ورأى عباس أن "الإفراج عنها ليس له أثر سياسي، خصوصا ما يجري الحديث عنه بأنه سينشئ تقاربا أكثر بين بغداد وواشنطن، خصوصا أن الموضوع كله محرج للعراق، فبعد نحو ثلاث سنوات من اختطافها يعلن عن إطلاق سراحها من دون القبض على الخاطفين".
وتابع: "الخاطفين وهم (كتائب حزب الله) أعلنوا أنهم أطلقوا سراحها من أجل العراق وحتى لا يدخل في مشكلة، لذلك أتصور أن ما حصل هو مقايضة بين أسرى حزب الله اللبناني لدى إسرائيل بهذه المرأة، لأن محور المقاومة يفهم نفسه على أنه عابر للحدود، وأعتقد أن جوهر الموضوع هنا".
ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مصدر في فصيل "كتائب حزب الله" الموالي لإيران، مساء الثلاثاء إن الإفراج عن الباحثة الإسرائيلية-الروسية إليزابيث تسوركوف المخطوفة منذ العام 2023، جرى بشرط "تجنيب العراق أي صراعات".
وفيما لم يتبنّ الفصيل خطف تسوركوف، قال المصدر (لم تسمه) أن "العملية التي جرت هي إطلاق سراح وليست تحرير، ولم تجرِ أي عملية عسكرية لتحريرها إنما أفرج عنها وفقا لشروط وأبرزها تمهيد لانسحاب القوات الأميركية دون قتال وتجنيب العراق أي صراعات وقتال".
وفي هذا الصدد، نشرت وكالة "تسنيم" الإيرانية شبه الرسمية تقريرا، الخميس، نقلت فيه معلومات عن مصادر وصفتها بـ"المطلعة" في العراق بأن "جاسوسة إسرائيلية جرى تبادلها مع اثنين من أسرى المقاومة".
وذكرت الوكالة أن "إليزابيث تسوركوف، الجاسوسة الإسرائيلية التي أُطلق سراحها قبل يومين، تم تبادلها مع اثنين من أسرى المقاومة، في وقت كان الأميركيون قد زعموا في البداية أنهم هم من قاموا بتحريرها".
ونقلت عن المصدر ذاته (لم تسمه) أن "أحد هؤلاء الأسرى هو عماد أمهز، وهو مواطن لبناني اختطفه كوماندوز من جيش الكيان الإسرائيلي شمال لبنان العام الماضي".
وبحسب الوكالة الإيرانية، فإن "قوات الكوماندوز التابعة للاحتلال الإسرائيلي قد هاجمت منزل أمهز في بلدة بيتَرون شمال لبنان واختطفته، بزعم أنه من القياديين البارزين في حزب الله".
ضغط حكومي
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في العراق، عصام الفيلي لـ"عربي21"، إن "الحكومة العراقية راعت الضغط الدولي بشأن المختطفة، وفي الوقت نفسه فإنها ضغطت من خلال اجتماعات قوى الإطار التنسيقي، وإيصال أكثر من رسالة إلى هذه الفصائل، وبالتالي كان للحكومة اليد الطولى في القضية".
أما عن الإفراج عنها مقابل خروج القوات الأمريكية من العراق، رأى الفيلي أن "هذا لا يمكن أن يكون لأن الفصائل لم تجلس مع واشنطن، ولو حصل لأعلنت ذلك إدارة ترامب رسميا. لكن الفصائل ترى أن كل تأخير في هذا الاتجاه سيمهد الطريق للعودة إلى ضربات أمريكية استباقية".
وحول الحديث عن أن الإفراج عن تسوركوف جاء مقابل إبعاد أي هجمات محتملة عن العراق، أكد الفيلي أن "هذا الأمر وارد، وقد يكون بداية، ولابد أن تعقبه خطوات أخرى، وأهمها هو خضوع سلاح هذه الفصائل إلى سلطة الدولة الرسمية، وألا يكون هناك سلاحا موازيا في البلد، وأعتقد أن ترامب لا يطيق وجود سلاحا وكيانات موازية للدولة العراقية".
ولفت إلى أن "الإدارة الأمريكية تدرك أنه لا يمكن لكل الحكومات العراقية مواجهة الفصائل لأن البلد سيدخل في حرب أهلية، خاصة أن أعدادها يصل إلى نحو 240 ألف عنصر، بمعنى أن الحكومة ستدخل في صراع داخلي، وهذا سيقوض سلطة رئيس الوزراء".
وبحسب الفيلي، فإن "واشنطن ترى أن الحكومة العراقية تمثل حالة متقدمة في سبيل الذهاب إلى الاستقرار، لذلك أعتقد أن معالجة الفصائل أما يكون بقرار دولي أو إجراء من الولايات المتحدة".
وبشأن تسليمها إلى سفارة واشنطن تحديدا وليس موسكو على اعتبار أنها تمتلك الجنسية الروسية، قال الفيلي إن "الذي كان يطالب بالإفراج عنها دائما هي شقيقتها التي تحمل الجنسية الأمريكية، وهذا ما ولد تحشيدا للرأي العام الأمريكي في هذا الإطار".
وتابع: "شقيقة المفرج عنها كانت قد هاجمت الحكومة العراقية في السابق وقالت إن الشرعية تكمن في إعادة المختطفة إلى أهلها وذويها، وهذا ما جعل الحكومة العراقية تستجيب إلى الضغوط الأمريكية، وبالتالي سلمتها إلى سفارتهم كونها هي المعنية في هذه القضية".
وقبل الإفراج عن المختطفة بأيام، كشف المحلل السياسي العراقي، نزار حيدر، خلال مقابلة تلفزيونية، أن زيارة السوداني إلى سلطنة عُمان، الأسبوع الماضي، هدفه التوسط مع إسرائيل، وأن الأخير سيقدم اليزابيث تسوركوف من أجل ذلك، وبالتالي سيتكلل نجاح هذه القضية بلقاء تاريخي بين رئيس الوزراء العراقي والرئيس الأمريكي في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.