بعد عامين على العدوان الإسرائيلي على
غزة،
تتضح ملامح مرحلة جديدة في تاريخ الصراع
الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بل وفي الوعي
العالمي تجاه ما يسمى "الكيان الإسرائيلي". لم يعد الاحتلال يملك ما
يسوّقه من أكاذيب حول "حقه في الدفاع عن نفسه"، ولا ما يبرر جرائمه
الممنهجة ضد المدنيين. فالعالم الذي كان يصمت لعقود بدأ اليوم ينطق بالحقيقة، ويتعامل
مع إسرائيل كدولة مارقة خارجة عن القانون الدولي.
عزلة دولية غير مسبوقة
الكيان اليوم يقف في مواجهة عزلة دولية
خانقة. فقد باتت إسرائيل ملاحقة أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية
في غزة، بينما يواجه عدد من قادتها ملفات في محكمة الجنايات الدولية كمجرمي
حرب.
العقوبات والمقاطعات الشعبية والرسمية تتوسع
يوماً بعد يوم، من المقاطعة الأكاديمية والرياضية والثقافية إلى المقاطعة
الاقتصادية الواسعة التي تضرب قطاعات إسرائيلية حساسة.
الكيان اليوم يقف في مواجهة عزلة دولية خانقة. فقد باتت إسرائيل ملاحقة أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية في غزة، بينما يواجه عدد من قادتها ملفات في محكمة الجنايات الدولية كمجرمي حرب.
ولعل أهم ما تحقق على الصعيد الدولي هو
الاعتراف المتزايد بدولة فلسطين من قبل معظم دول العالم، وهو اعتراف لم يعد رمزياً
بل أصبح جزءاً من تحول سياسي وأخلاقي عالمي في فهم طبيعة الصراع: من نزاع بين
"طرفين"، إلى قضية احتلال واستعمار وتمييز عنصري.
منذ عامين فقط، كانت وسائل الإعلام الغربية
تتعامل مع الرواية الإسرائيلية كحقيقة مطلقة. أما اليوم، فباتت السردية الفلسطينية
تتصدر الإعلام العالمي، وتفرض مصطلحاتها على الخطاب الدولي: "الاحتلال"،
"الإبادة"، "الاستعمار الاستيطاني".
جيل جديد من الصحفيين والناشطين
والأكاديميين الغربيين أصبحوا أكثر وعياً، وأكثر جرأة في فضح التضليل الإسرائيلي،
ما جعل صورة إسرائيل تهوي أخلاقياً حتى في المجتمعات التي كانت تعتبرها حليفاً
ثابتاً.
تآكل الداخل الإسرائيلي
أما في الداخل، فالمشهد أكثر قتامة. المجتمع الإسرائيلي يعيش
حالة انقسام حاد غير مسبوقة، ليس فقط بين اليمين واليسار، بل بين التيارات الدينية
والعلمانية، وبين اليهود الشرقيين والغربيين.
الجيش الذي كان يُقدَّم كـ"الجيش الذي
لا يُقهر" يعاني من أزمة ثقة وانهيار في منظومة الردع، بعد إخفاقاته
العسكرية، وتراجع قدرته على تحقيق أي نصر ميداني حقيقي.
لقد خسر الاحتلال جزءاً كبيراً من شرعيته السياسية والدبلوماسية، حتى بين أنصاره التقليديين، وأصبح يُنظر إليه كـ"نظام أبارتهايد استعماري" لا يختلف كثيراً عن نظام جنوب أفريقيا قبل سقوطه بل اشد اجراما و عنصرية..
الاقتصاد الإسرائيلي بدوره دخل في دوامة
انهيار: الشركات الكبرى تنسحب، الاستثمارات الأجنبية تتراجع، ومئات الآلاف من
المستوطنين يغادرون الأراضي المحتلة بحثاً عن الأمان والاستقرار المفقودين.
حتى القطاع السياحي انهار بالكامل، بعدما
أوقفت عشرات شركات الطيران رحلاتها إلى مطار بن غوريون، خشية من المخاطر الأمنية.
مستقبل بلا تطبيع
في ظل هذا الانهيار، لم يعد الحديث عن
"التطبيع" مجدياً. فالدول التي هرولت نحو إسرائيل باتت اليوم تراجع
مواقفها تحت ضغط شعوبها، وتدرك أن العلاقة مع كيان متهم بالإبادة لم تعد مكسباً
سياسياً، بل عبئاً أخلاقياً.
لقد انتهى مفهوم التطبيع بالمعنى التقليدي،
الذي كان يهدف إلى أن تصبح إسرائيل دولة طبيعية في المحيط العربي والإسلامي، من
خلال تكامل ثقافي وتجاري وسياحي، وغيرها من العلاقات التي يعكسها التفاهم والتواصل
بين الشعوب. ومع ذلك، فإن التطبيع الذي جرى حتى الآن، أصبح أقرب إلى اتفاقات أمنية
بين الدول. ويظل الشعب الفلسطيني، خاصة سكان قطاع غزة، يواجهون جرائم وانتهاكات
مستمرة من قبل الاحتلال، مما يجعل من المستحيل رؤية هذا الكيان كجزء طبيعي من
المنطقة. فالشعوب في المنطقة، بعد كل هذا الظلم والعدوان، لا يمكنها أن تتقبل وجود
كيان يمارس القتل والتنكيل بحق أبناء الشعب الفلسطيني.
لقد خسر الاحتلال جزءاً كبيراً من شرعيته
السياسية والدبلوماسية، حتى بين أنصاره التقليديين، وأصبح يُنظر إليه كـ"نظام
أبارتهايد استعماري" لا يختلف كثيراً عن نظام جنوب أفريقيا قبل سقوطه بل اشد
اجراما و عنصرية..
ما حدث خلال العامين الماضيين ليس مجرد تحول
ظرفي، بل تحول تاريخي في الوعي العالمي. القضية الفلسطينية استعادت جوهرها: قضية شعب يُحتل ويُطرد ويُقتل لأنه
يطالب بحريته.
لقد سقطت كل الأقنعة، ولم يعد ممكناً العودة
إلى خطاب "السلام الزائف" أو "حلول التسوية السابقة". فالعالم بات يرى الحقيقة
كما هي: الاحتلال هو أصل المأساة و الجريمة، والطريق الوحيد للسلام العادل هو زوال
الاحتلال وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الثابتة في إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها
القدس وعودة اللاجئين الفلسطينين إلى ديارهم التي هجروا منها قسرا ..