نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" الأمريكية، تقريرا، لمراسلها ديكلان والش والمصورة الصحافية، نانا هيتمان، بعد أن قضيا ثمانية أيام في شوارع العاصمة
الإيرانية طهران، جاء فيه أنّ: "معرض فن سريالي كان من المفترض افتتاحه في حزيران/ يونيو في مصنع مهجور خارج طهران تأخر بسبب الحرب الإسرائيلية ضد إيران والتي استمرت 12 يوما".
وبحسب التقرير الذي ترجمته "عربي21" فإنّه: "تمّ تأجيل المعرض، وظل الفنانون، غير قادرين على العودة إلى ديارهم، عالقين في المعرض"، مردفا: "كل ليلة، كانوا يسحبون الكراسي إلى الفناء لمشاهدة "الألعاب النارية"، كما وصفها صاحب المعرض، هومان دايهيمي، بفظاظة صواريخ تنطلق في السماء، وتوهج مظلم للانفجارات مصحوبا بأوركسترا مرعبة من الانفجارات والارتطام. سيطر الواقع على أجواء المعرض الفني".
قال دايهيمي: "لقد كان الأمر سرياليا"، فيما اعتاد دايهيمي على غرار عدد من الإيرانيين، على الخضوع للتقلبات الجيوسياسية. قبل عقد من الزمان، كان مكان معرضه، جمعية دايهيمي للفنون، مصنع أثاث مترامي الأطراف يضم 700 موظفا. ثم أجبرته العقوبات الأمريكية على الإفلاس، فملأ ورش العمل فيه بالأعمال الفنية ومكاتب الشركات الناشئة في مجال
التكنولوجيا.
ومع ذلك، أضاف
التقرير: "بدا هذا الوميض الأخير من العداء مع الولايات المتحدة وإسرائيل، في وقت يتداعى فيه نفوذ إيران الإقليمي، وكأنه يُنذر بمسار جديد متقلب. وقال دايهيمي: نعلم أن التغيير قادم، لكننا لا نعرف ما هو أو كيف. وهذا ما يزيد الأمر سوءا. إنه أمر لا يُمكن التنبؤ به".
وتابع: "بعد ما يقرب من نصف قرن من الثورة الإيرانية، اعتاد الناس على التنقل بين إملاءات حكومتهم، وضغوط القوى الأجنبية، وهوياتهم ورغباتهم. وتأمر اللافتات في المطاعم الفاخرة النساء بارتداء الحجاب، إلا أن روادها الشباب يتجاهلونها تماما. الإنترنت خاضعة للرقابة، لذا يستخدم الناس شبكات VPN لتصفح إنستغرام وتيك توك. والعقوبات الأمريكية تسهم في ازدهار السوق السوداء".
وأضاف: "صورت جداريات عملاقة أبطالا رسميين، رجال دين، وجنرالات قتلى وعلماء نوويين، "تسقط أمريكا" كان شعارا مكتوبا على علم أمريكي يسقط قنابل كرتونية"، مبرزا: "لكن على بعد بضعة شوارع فقط، كانت هناك أيضا لمحات من الجمال أو التاريخ على جدران مغطاة بصور أزهار أو محاربين فارسيين قدماء".
وبينما كان شعار "الموت لأمريكا!" يردد في صلاة الجمعة، أبدى بعض الإيرانيين عدم موافقتهم، وخلال الرحلة، سادت المدينة حالة من الكآبة، واهتزّ هدوءها بفعل حرب لم يتوقعها أو يرغب بها الكثيرون. قال السكان إنهم شعروا بالتوتر والقلق مما قد يحدث لاحقا.
"وكر التجسس"
لا تزال اللافتة المعلقة على الباب الأمامي تحمل عبارة "سفارة الولايات المتحدة الأمريكية"، مزينة بشعار نسر محلق. لكن ردهة المبنى تهيمن عليها صور جماجم وعظام متقاطعة وتمثال الحرية المرعب. كان المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، يحدّق من ملصق في الزاوية، وابتسامة باهتة ترتسم على شفتيه.
كانت أزمة الأسرى عام 1979 عندما اقتحم طلاب إيرانيون السفارة الأمريكية واحتجزوا 52 أمريكيا لمدة 444 يوما، بمثابة الصدمة الأساسية بين حكام إيران والولايات المتحدة. لقد مهّد ذلك الطريق لعقود من العداء المشتعل، حيث قطع الأميركيون العلاقات الدبلوماسية، وسعى الإيرانيون إلى كتابة نسختهم الخاصة من هذا التاريخ في أروقة السفارة المهجورة، والتي تعرف الآن رسميا باسم "متحف وكر التجسس الأميركي".
بعد شراء تذكرتي مقابل 1.40 دولار (السعر السائد للأجانب)، دخلت عبر بوابة روزفلت، كما كانت تعرف سابقا. قادني ممر عبر حديقة مغطاة بالأشجار، حيث كانت قطط الشوارع تستلقي تحت أشجار الصنوبر. كانت أجزاء مروحيات متفحمة مُكدّسة على قاعدة، حطام من مهمة إنقاذ فاشلة عندما اصطدمت طائرتان عسكريتان أمريكيتان خلال عاصفة رملية عام 1980، ما أسفر عن مقتل ثمانية من أفراد الخدمة الأمريكية. كُتب على أحد الجدران: "رمال الصحراء كانت رسل الله".
وفي الطابق العلوي، كان مكتب السفير محفوظا بعناية فائقة، كراسي جلدية، ومكتب أنيق، وعلم أمريكي نظيف. (تُنتج المصانع الإيرانية آلاف الأعلام الأمريكية سنويا، معظمها لتُحرق في المظاهرات). علّقت صورة للرئيس، جيمي كارتر، مبتسما على جدار.
واسترسل: "الآن، تُعرض مجموعة من معدات التجسس الأمريكية القديمة بفخر. كانت هناك غرف مقسمة، وآلات لتشفير الرسائل وفك تشفيرها، وأجهزة إرسال عبر الأقمار الصناعية، ومعدات تنصت، وآلات فرم الوثائق الكبيرة، وأجهزة استُخدمت، وفقا لعلامة المعرض، لتزوير جوازات السفر ولوحات ترخيص السيارات".
واستطرد: "وُضعت تماثيل شمعية بجانب كومة من الورق الممزق، في تصوير للجهد المضني الذي بذله طلاب إيرانيون لسنوات لإعادة تجميع الوثائق الأمريكية الممزقة التي عُثر عليها داخل السفارة، والتي نُشرت لاحقا في عدة كتب".
كان الإيرانيون يُطلقون على الأسرى الأمريكيين لقب "ضيوف آية الله"، وأكدت المعروضات في المتحف أنهم عوملوا معاملة عادلة. في ردهة السفارة، عُرضت مجموعة من اللوحات تُقدم أوصافا لكل أسيرة، بما في ذلك تفاصيل عن حياتهم المهنية بعد الأزمة، بعضها مكتوب بنبرة تُشبه الود.
ومع ذلك، فإن جمهوره محدود. يستقبل المتحف حوالي 5000 شخص سنويا، معظمهم من السياح من روسيا والصين، كما قال أمير. حتى هذا التدفق قد توقف منذ حرب حزيران/ يونيو. خلال جولتنا، لم يكن هناك سوى زائر واحد آخر.
في طريقي للخروج، أهداني مدير المتحف بعض الهدايا: لوحة تذكارية تخلد ذكرى اللواء قاسم سليماني، القائد الإيراني الذي قُتل في غارة أمريكية بطائرة مسيرة في العراق عام 2020. ثم أخذت استراحة في مقهى "بوف"، وهو مقهى صغير أنيق افتُتح مؤخرا في أرض السفارة.
زينت صور تشارلي شابلن ومارلون براندو الجدران. ابتسم صاحب المقهى، رجل هادئ في الستينيات من عمره، ابتسامة دافئة لكنه كان حذرا من الخوض في السياسة. قال عن التوترات بين إيران والولايات المتحدة: "هذا الأمر يعود للسياسيين، وليس للناس العاديين مثلي".
ووفقا
للتقرير: "إذا كان المتحف يُمثل الماضي، فإن معظم الناس منشغلون بالحاضر، لا سيما صراعهم اليومي من أجل البقاء، وكيف ساءت الأمور منذ التدهور المفاجئ للعلاقات مع الولايات المتحدة".
في وسط مدينة طهران، احتشد الطلاب في مكان تجمع فني يُدعى "مقهى غودو"، المُسمّى تيمنا بمسرحية صمويل بيكيت. علق صاحب المقهى، همايون غني زاده، وهو مخرج سينمائي ومسرحي معروف، قائلا: "إنها كوميديا تراجيدية وجودية. يُمكن للإيرانيين أن يتعاطفوا مع ذلك".