في مشهد غير مألوف، بالنسبة للمشهد الثقافي في
إيران، أظهرت مقاطع مصورة حشوداً كبيرة من الرجال والنساء، وهم يشاركون في حفل موسيقي للمغنيين زانيار وسيرفان خسروي، أقيم في قصر نيافاران بطهران.
وفيما تفاعل الحاضرون بالرقص والغناء في الهواء الطلق، في مشهد شبيه بحفلات البوب في الدول الغربية، أثيرت جُملة من التساؤلات حول ما إذا كانت سياسات الجمهورية الإسلامية تشهد تحولا تدريجيا.
احتفال... أم استراتيجية حكومية؟
تزامن الحفل مع الذكرى الثالثة لوفاة مهسا أميني وعودة الجامعات إلى نشاطها، ما دفع بعض المراقبين إلى اعتبار توقيته "خطة مدروسة" من السلطات، لتهميش ذكرى انطلاق حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، ولإشغال الشباب عن المشاركة في أي تحركات احتجاجية.
في المقابل، يرى آخرون أنّ: "الحكومة تحاول امتصاص الغضب الشعبي عبر تخفيف الضغط الاجتماعي"، خصوصا بعد الحرب الأخيرة وتفعيل "آلية الزناد" المرتبطة بالاتفاق النووي.
إلى ذلك، أثارت المشاهد المنتشرة، حفيظة الأوساط الدينية المتشددة، التي اعتبرت الحفل انتهاكا للأحكام الإسلامية ولسياسات الجمهورية الثقافية. وتركزت الانتقادات حول ظهور نساء دون حجاب ورقص مختلط، وهو ما وصفه البعض بأنه محاولة لتحويل
طهران إلى "دبي أو بيروت"، مطالبين بمحاسبة المسؤولين عن الترخيص لمثل هذه الفعاليات.
تحولات ثقافية عميقة
يرى عدد من علماء الاجتماع أنّ: "هذا التفاعل الشعبي، خصوصا مع أغنية "أحب الحياة"، يعكس تحوّلا عميقا في أولويات الشباب الإيراني، الذين يطالبون بمساحات تعكس نمط حياتهم وتطلعاتهم". ويرى البعض أنّ: "هذه الحفلات تجاوزت كونها مجرد فعاليات ترفيهية، لتصبح مؤشرا على تغيّرات اجتماعية لا يمكن تجاهلها".
تزامناً مع حفلات نيافاران، انتشرت مظاهر احتفالية مشابهة في مراكز تسوّق ومناطق سياحية مثل جزيرة كيش ورامسر، تخللتها رقصات مختلطة وحتى تقديم مشروبات كحولية في بعض المقاهي الفاخرة. وسرعان ما ردّت السلطات بإغلاق عدد منها واعتقال أصحابها، فيما أكدت النيابة العامة استمرار حملات التفتيش.
وفي طهران وحدها، أُغلق أكثر من 20 منشأة ترفيهية خلال الشهرين الماضيين بدعوى مخالفة الحجاب، بينما شهدت مدينة رشت شمال البلاد إغلاق 42 منشأة مشابهة، رغم أنها تعدّ من أكثر المدن انفتاحا بعد العاصمة.
الظاهرة تمتد إلى المدن الدينية
لم تسلم المدن الدينية مثل قم ومشهد من هذه التحولات، حيث سارعت السلطات إلى إغلاق مقاهٍ شهدت عروض موسيقى ورقص مختلط، وسط ردود فعل غاضبة من نواب محافظين طالبوا بإجراءات أكثر صرامة. كما أُغلق محل في سوق طهران الكبير بعد تنظيمه عرض أزياء، في مؤشر على أنّ: "السلطات لن تتهاون مع هذه المظاهر".
تجدر الإشارة إلى أنّه على الرغم من الإجراءات المتشددة، تؤكد المؤشرات أنّ قطاعات واسعة من المجتمع، وعلى رأسها الشباب، لن تتراجع عن مطالبها في الحصول على فضاءات أكثر انفتاحا.
وتبدو الحكومة، وفقا لعدد من التقارير الإعلامية المحلية، حتى الآن، غير مستعدة لتقديم تنازلات جوهرية، في ظل ظروف اقتصادية خانقة ومخاوف متزايدة من اندلاع أزمة داخلية جديدة.