ملفات وتقارير

إيطاليا تتجه إلى حظر البرقع والنقاب في الأماكن العامة

اتحاد الجاليات والمنظمات الإسلامية في إيطاليا يحذر من سن قوانين تعزز التفرقة والتمييز وتخلق بيئة مناوئة للمسلمين - جيتي
قدّم حزب "إخوة إيطاليا" (FDI)، الذي تتزعمه رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، مشروع قانون جديد إلى البرلمان يقضي بحظر ارتداء البرقع والنقاب والحجاب في الأماكن العامة، وفرض رقابة مالية مشددة على المساجد ومصادر تمويلها، والحد مما سماه "أسلمة إيطاليا"، بحسب موقع بوليتيكو .


وأوضحت النائبة سارة كيلاني من حزب الجبهة الديمقراطية الإيطالية، وهي واحدة من المؤيدين لهذا الاقتراح إلى جانب المتحدث باسم الحزب جالياتسو بيجنامي، أن هذا الإجراء "سيعمل على مواجهة إنشاء جيوب ومجتمعات مضادة حيث يتم تطبيق الشريعة الإسلامية بدلاً من النظام القانوني الإيطالي، وحيث تزدهر الأصولية الإسلامية".

وقال ووكيل وزارة العدل أندريا ديلماسترو، وهو أحد المبادرين لمشروع القانون المخطط له، في منشور على فيسبوك: "الحرية الدينية مقدسة، ولكن يجب ممارستها في العلن، مع الاحترام الكامل لدستورنا ومبادئ الدولة الإيطالية".


وأشار ديلماسترو إلى أن إيطاليا استلهمت من فرنسا العلمانية المتشددة، أول دولة أوروبية تفرض حظرا كاملا على النقاب في عام 2011، ومنذ ذلك الحين، فرضت بلجيكا والدنمرك وسويسرا والعديد من الدول الأخرى في أوروبا وحول العالم حظرا كاملا أو جزئيا على ملابس النساء المرتبطة بالإسلام، وأضاف" لدينا قناعة راسخة بأن أي تمويل أجنبي لا ينبغي له أبدا أن يقوض سيادتنا أو حضارتنا".

مقترح القانون
وفقا لصحيفة إيه بي سي الإسبانية، يقترح النص التشريعي، المكوّن من خمس مواد، في نقطته الخامسة على أنه "يُحظر استخدام الملابس التي تغطي الوجه، أو الأقنعة، أو أي وسيلة أخرى تعيق تحديد الهوية الشخصية في الأماكن العامة، والمراكز التعليمية بجميع مستوياتها، والجامعات، والمكاتب، والمنشآت التجارية"، ويُعاقَب المخالفون بغرامات تتراوح بين 300 و3000 يورو.

علاوةً على ذلك، يُنظّم مشروع القانون تمويل وبناء دور العبادة، بذريعة ضمان الشفافية في مصادر الأموال ومنع وصولها من منظمات أو دول ذات أغراض مخالفة للقانون الإيطالي، مشددا على ضرورة الإبلاغ صراحةً عن التبرعات الخارجية إلى وزارة الداخلية.


وقد أثار المشروع موجة من القلق لدى منظمات حقوق الإنسان والجهات المدافعة عن الحريات الدينية والفردية، حيث حذرت من أن مثل هذه التشريعات تُغذي خطاب الكراهية وتعزز الانقسام المجتمعي، ورغم عدم تحديد موعد لعرض مشروع القانون على البرلمان، إلا أن هيمنة الأحزاب اليمينية على المشهد التشريعي تشير إلى إمكانية تمريره، ما ينذر بمرحلة جديدة من التوترات بشأن حقوق الأقليات في إيطاليا

ويأتي المقترح بعد مبادرة مماثلة تقدّم بها في كانون الثاني/يناير الماضي حزب الرابطة اليميني المتطرف، أحد شركاء ميلوني في الائتلاف الحاكم، يقضي بحظر الملابس التي تغطي الوجه، مثل النقاب والبرقع، في الأماكن العامة. إلا أن مشروع الرابطة كان أضيق نطاقًا من مشروع حزب "إخوة إيطاليا"، ولا يزال قيد المراجعة في اللجنة البرلمانية المختصة، ولا يُعرف بعد ما إذا كان سيتم دمج المشروعين في صيغة موحّدة قبل عرضهما للتصويت في البرلمان.

وفي 20 آذار/مارس 2025، أقرت منطقة فريولي فينيتسيا جوليا الإيطالية قانونًا يمنع ارتداء النقاب والبرقع في الأماكن العامة والمدارس، بدعم من أحزاب اليمين. ونظرًا لأن الأمر من صلاحيات الدولة، فقد تم رفعه إلى البرلمان لمناقشته على المستوى الوطني.

ونشر موقع "إل جورنالي" تقريرا سلّط فيه الضوء على القانون، قائلا إن المجلس الإقليمي لمنطقة فريولي فينيتسيا جوليا أعطى الضوء الأخضر لمشروع قانون يحظر ارتداء الحجاب الكامل (النقاب والبرقع) في الأماكن العامة أو الأماكن المفتوحة للجمهور. وبما أن الموضوع من اختصاص الدولة على المستوى الوطني، فإن النص، الذي قُدم من قبل الأغلبية المنتمية إلى يمين الوسط، سينضم إلى المقترحات المماثلة التي تم تقديمها بالفعل في البرلمان.

وعلى الرغم من أن إيطاليا لا تملك حتى الآن قانونًا يحظر صراحةً الحجاب الإسلامي، إلا أن القانون رقم 152 لعام 1975 يقيد بالفعل استخدام الملابس أو الإكسسوارات التي تحجب هوية الشخص في الأماكن العامة، إلا لأسباب مبررة أو في الفعاليات الرياضية. عمليًا، شكّل هذا القانون أساسًا قانونيًا لتقييد استخدام النقاب في ظروف معينة، وإن لم يُنظّم بشكل دقيق حتى الآن.

ميلوني تحذر من "أسلمة أوروبا"
وتعرف جورجيا ميلوني بمواقفها المتشددة إزاء الهجرة والرموز الدينية الإسلامية في الأماكن العامة، وتتبنى خطابًا يصفه خصومها بأنه “معادٍ للتعددية الثقافية”، وفي شباط/فبراير  2018، وقبل أن تتولى قيادة حزب "إخوة إيطاليا" اليميني المتطرف، الذي حقق مكاسب في انتخابات عام 2022، والذي ساعدها في تشكيل الحكومة، أطلقت ميلوني تحذيرًا لأوروبا، قائلة: هناك عملية أسلمة مستمرة في أوروبا، وهي بعيدة كل البعد عن قيم حضارتنا".


في الفيديو، تقول ميلوني: "أعتقد أن هناك مشكلة في التوافق بين الثقافة الإسلامية، أو تفسير معين لها، وحقوق وقيم حضارتنا، لا يغيب عن ذهني أن معظم المراكز الثقافية الإسلامية في إيطاليا ممولة من المملكة العربية السعودية. فالسعودية دولة تطبق الشريعة الإسلامية في الداخل". وأضافت: "هذا لا يعني التعميم، ولكن هناك تعارضًا مع ثقافتنا"، وتواجه ميلوني انتقادات بكراهية الأجانب والتعبير عن آراء منتقدة للإسلام، لكنها خففت تصريحاتها منذ توليها المنصب. وتُوصف بأنها "يمينية متشددة"، لكنها تنفي ذلك وتقول إنها "محافظة"، بحسب شبكة سي أن أن.  

واحد من بين كل 3 مهاجرين مسلم الهوية
ومع تزايد أعداد المهاجرين المسلمين القادمين إلى إيطاليا، في العقود الثلاثة الأخيرة، أصبح الإسلام يمثل الديانة الثانية في البلاد، حيث وصل عدد المنتسبين إليه بما يقرب الثلاثة ملايين مسلم، ووفقًا للمركز الإيطالي للإحصاء ويشكلون حوالي 4.9 بالمئة من السكان، ما جعلهم في مرمى الحكومة الحالية التي يقودها حزب "إخوة إيطاليا" اليميني المحافظ ، بحسب وكالة فرانس24، التي تقول إن إيطاليا المسيحية ترى أن من حقها حرية ممارسة دينها، ورغم أن إيطاليا تعدّ الدولة الأوروبية الرابعة من حيث عدد المسلمين بها إلا أن عدد المساجد ودور العبادة بها ضئيل للغاية


يُذكر أن إيطاليا منذ تخلت عن سياسة "الحدود المفتوحة" عام 1981، ارتفع عدد المهاجرين إليها من 321 ألفًا بما نسبته حوالي 0.5 بالمئة من السكان، إلى 625 ألفًا عام 1990 بما يعادل 1.1 بالمئة من تعداد الدولة، وصولًا إلى 5 ملايين أجنبي عام 2016 يشكّلون 8.4 بالمئة من مجموع السكان، وهناك واحد من بين كل 3 مهاجرين إلى إيطاليا مسلم الهوية، وهو ما نسبته 2.6 بالمئة من السكان، ويرجَّح أن تتضاعف تلك النسبة بحلول 2030، بحسب بيانات وزارة الشؤون الخارجية الإيطالية

وخلال فترة 2005-2017 دشّنَ ساسةُ إيطاليا ونخبتها الحاكمة استراتيجية جديدة للتعامل مع المسلمين، تميل جزئيًّا إلى التعامل معهم على أُسُس من التحفُّظ والترقُّب، ما يعني فرض الرقابة الكاملة على كافة أنشطتهم الدينية وتحركاتهم السياسية حتى الحاصلين على الجنسية الإيطالية، تعززت تلك الاستراتيجية أكثر فأكثر مع موجة الهجرة عام 2015، حينها تمَّ التعامل مع الجالية المسلمة كإحدى أولويات الأمن ومكافحة الإرهاب، وتحوّل المسلمون من شركاء في الوطن إلى مواطنين درجة ثانية، وربما أعداء داخليين كما هي سياسات الأحزاب اليمينة المتطرفة التي زاد نفوذها أكثر خلال السنوات السبع الماضية.

الباحث في قسم الدراسات الأوروبية في مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا"، ليونارد فيتر، يرى أن السياسة الأمنية التي تتّبعها السلطات الإيطالية تحول دون تبنّي سياسات تعاونية وتشاركية حول الإسلام، تجعل من المسلمين حلفاء يمكن تدشين اتفاقيات وتشاركات معهم بهدف النفع العام.

وتتلخّص رؤية فيتر في أن هناك توجُّهًا رسميًّا من الدولة لتدجين الإسلام وأدلجته بما يفرغه من أصوليته التي يرى فيها الإيطاليون تهديدًا لأمنهم القومي، البداية كانت في يناير/ كانون الثاني 2017 حين تمَّ الإعلان عن تدشين "مجلس جديد للعلاقات مع الإسلام في إيطاليا"، عن طريق وزير الداخلية الأسبق أنجلينو ألفانو، وهو عبارة عن هيئة استشارية مهمّتها الأساسية "تحسين اندماج المسلمين في البلاد"، وكان ألفانو يعوّل على هذا المجلس في تشكيل ما سماه بـ"إسلام إيطالي يتماشى بشكل أكبر مع التقاليد المسيحية والإنسانية للبلاد"، ووضع خارطة زمنية لتدريب الأئمة والوعَّاظ ورجال الدين على أُسُس الدين المدجَّن، فضلًا عن تشديد الرقابة على عملية بناء المسجد بما يجعلها تحت السيطرة الكاملة من أجهزة الدولة

ويعتقد الباحث في الدراسات الأوروبية أن الهدف الرئيسي من وراء تلك المشاريع الممنهَجة تشكيل خارطة للمسلمين تجعل عبادتهم وأسلوب حياتهم بالطريقة التي تريدها إيطاليا، وتحقق أهدافها وتحول دون استخدام الإسلام يومًا ما لتحقيق أهداف سياسية مستقبلية، وقد شارك في هذا الهدف كافة مؤسسات الدولة لا سيما التعليمية والتربوية والاجتماعية، فضلًا عن الأجهزة المحلية والتنفيذية.

الاعتراف بالإسلام رسميًّا
وبعد ماراثون طويل من السجال بين الجالية والدولة، وقّع وزير الداخلية الإيطالي الأسبق، فرانكو مينيتي، في شباط/فبراير2017 اتفاقية شاملة لمحددات العلاقة بين السلطة والمسلمين، تمهيدًا للاعتراف رسميًّا بالدين الإسلامي في البلاد، وقد وُقِّعت الاتفاقية بمشاركة 9 مؤسسات إسلامية ومسجدَي روما وباليرمو كونهما الأكبر في إيطاليا.

حزب تأسس على  أنقاض فاشية موسوليني
تأسس حزب إخوان إيطاليا في عام 2012، ولدى الحزب جذور سياسية في الحركة الاجتماعية الإيطالية (MSI)، التي نشأت على أنقاض فاشية موسوليني، وشعار الحزب مماثل لشعار أحزاب اليمين المتشدد في فترة ما بعد الحرب، وهي اللهب ثلاثي الألوان، الذي يُنظر إليه غالباً على أنه النار المشتعلة في قبر موسوليني.

يقول جيانلوكا باساريلي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سابينزا في روما لبي بي سي: "لا تريد جورجيا ميلوني إسقاط الرمز لأنها الهوية التي لا تستطيع الهروب منها؛ إنها تمثل شبابها"، وأضاف: "حزبها ليس فاشياً... الفاشية تعني الاستئثار بالسلطة وتدمير النظام. هي لن تفعل ذلك وليس بمقدورها فعل ذلك. لكن هناك أجنحة في الحزب مرتبطة بالحركة الفاشية الجديدة... وجورجيا بطريقة أو بأخرى كانت دائما في الوسط".

ورغم أن حكومة ميلاني اليمينية تُعد من أشد المؤيدين لإسرائيل، فإن ميلوني وصفت الهجوم الإسرائيلي على غزة بأنه "غير متناسب"، لكنها لم تقم بقطع أي علاقات تجارية أو دبلوماسية مع دولة الاحتلال، ولم تعترف بالدولة الفلسطينية، في المقابل يعد الحراك الشعبي المؤيد لفلسطين في إيطاليا، هو الأكثر نشاطا أوروبيا من بين 42 ألف فعالية شهدتها القارة ضد العدوان الإسرائيلي على غزة  المركز الأوروبي الفلسطيني للإعلام (إيبال)، وحتى الأسبوع الماضي فقد شهدت إيطاليا مظاهرات واسعة خرج فيها مئات الآلاف إلى الشوارع احتجاجاً على حرب الإبادة، وسط انتقادات حادة لميلوني من قبل المتظاهرين ودعوات لتغيير سياساتها تجاه تل أبيب.


ميلوني في مرمى الاتهام
وقبل يومين، أدلت ميلوني بتصريحاتها خلال مقابلة مع شركة التلفزيون الحكومية "راي"، في أول تعليق علني لها كشفت فيه أنها متهمة بـ "التواطؤ في الإبادة الجماعية" في شكوى قدمهانحو 50 إيطاليا، بما في ذلك أساتذة قانون ومحامون والعديد من الشخصيات العامة، إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن دعم روما لإسرائيل في هجومها على غزة.


محاولة تدجين المسلمين في أوروبا، جاءت مع تصاعد الضغط الشعبي في إيطاليا وعدد من الدول الأوروبية ضد الحكومات بسبب اتهامها بمواصلة دعمها دولة الاحتلال، ووجد نتنياهو في مخاوف اليمين المتشدد منفذا للتحريض، حيث هاجم اللاجئين المسلمين في الدول الأوروبية، محملاً إياهم مسؤولية ما وصفه بـ"انقلاب الحكومات الأوروبية" على إسرائيل.


وقال نتنياهو، في مؤتمر صحفي إن :"اللاجئين المسلمين في البلدان الأوروبية يقفون وراء تغيير مواقف الحكومات الأوروبية الداعمة لإسرائيل، وإن إيقاف صادرات الأسلحة جاء نتيجة مباشرة للضغوط التي يمارسها هؤلاء اللاجئون على تلك الحكومات".


ووافقه في ذلك، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينيت، والذي أبدى انزعاجه من المواقف الأوروبية سواء الشعبية أو السياسية تجاه إسرائيل، مرجعا ذلك لتزايد أعداد المسلمين في القارة الأوروبية، وحذر بينت، المعروف عنه مواقفه اليمينية المتشددة كباقي القيادات السياسية الإسرائيلية، من "تزايد أعداد المسلمين في أوروبا"، معتبرا أن التزايد الملحوظ "غير قابل للتصديق" وله "تبعات عالمية ودراماتيكية على إسرائيل".

وعلى ما يبدوا فأن قوة الإسلام العددية أصبحت تؤرق الحكومات الإيطالية، وهو ما دفعها لسن قوانين في محاولة لتقنين دور المسلمين وتحجيم أنشطتهم بحسب المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة.