كتبت الصحفية الإسرائيلية سمدار
بيري، المراسلة والمعلقة في الشؤون العربية بصحيفة "
يديعوت أحرونوت"، تقريرا يكشف تفاصيل تاريخية مثيرة حول أحداث منتصف ثمانينيات القرن الماضي في القاهرة، والتي ارتبطت بما عرف بـ"الثورة
المصرية" ومحاولة اغتيال دبلوماسيين إسرائيليين، لتظهر لاحقا صلات غير متوقعة بأسرة الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر.
في آب/أغسطس 1985، وبعد ساعات قليلة من اغتيال موظف السفارة الإسرائيلية في القاهرة، ألبرت أتراكشي، سافرت بيري إلى مصر لتغطية الحدث. على متن الطائرة التقت بزميلها أرييه أراد، المرسل من صحيفة دافار للقيام بنفس المهمة. فور الهبوط، توجهت بيري إلى المستشفى العسكري في المعادي للاطمئنان على موظفي السفارة الذين تلقوا العلاج، بينما بقي أراد في المطار بانتظار النعش.
وفي منتصف الليل، وجدت بيري رسالة تحت باب غرفتها مكتوب عليها بالعربية: "منظمة الثورة المصرية تعلم بوجود مواطن إسرائيلي في الغرفة". وبعد التأكد من الأمر مع أراد، قرر الأخير العودة إلى الاحتلال الإسرائيلي، بينما عرض السفير الراحل موشيه ساسون إرسال سيارة لإقامة بيري في منزله.
الكشف عن الهوية
بعد عامين، اتضح أن "زعيم" تنظيم "الثورة المصرية"، المسؤول عن اغتيال أتراكشي والهجمات الأخرى على الدبلوماسيين الإسرائيليين، بما في ذلك تسفي كايدر وآتي تال أور، كان الدكتور خالد عبد الناصر، الابن الأكبر للرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وبحسب بيري، حكم عليه المدعي العام في القاهرة بالإعدام شنقًا، قبل أن تهربه السلطات سرًا إلى يوغوسلافيا لتفادي "فضيحة العار".
نصائح مبارك
استدعت بيري لمقابلة الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك، الذي أطلعها على ملف "الثورة المصرية" وابن عبد الناصر، مشيرًا إلى أن شقيقته منى عبد الناصر تمثل شخصية محورية في فهم الملابسات، كونها كانت معارضة شديدة للاحتلال الإسرائيلي واتفاقيات السلام والتطبيع الاقتصادي.
وبحثت بيري شخصية منى عبد الناصر، فتبين لها أن زواجها من
أشرف مروان كان محل اعتراض شديد من والدها، وكان مروان محل سخرية الصحفي المصري محمد حسنين هيكل، الذي تبنى رواية الموساد حول كونه "عميل مزدوج وخائن".
وفاة مروان ومسؤولية القذافي
بعد ستة أسابيع من اغتيال مروان في لندن في ظروف غامضة. سألت بيري الرئيس مبارك عن القاتل الحقيقي، فأفاد بأن القذافي الرئيس الليبي هو من موّل تنظيم "الثورة المصرية" وأرسل فريق اغتيال إلى لندن، مؤكداً أن مروان كان مبعوثًا مخلصًا للمخابرات المصرية، وأن الادعاءات الإسرائيلية حول دوره كانت مبالغًا فيها.
وقد التقت بيري لاحقًا اللواء الراحل شلومو غازيت، قائد المخابرات الإسرائيلية، الذي أيّد رواية مبارك، مؤكّدًا أن مروان لم يقدّم معلومات قيّمة للموساد، وأن الرواية الإسرائيلية عن "الملاك" مبالغ فيها.
جنازة مروان وموقف الدولة
ذكرت بيري أن جنازة مروان في القاهرة أُقيمت باحترام، حيث لُف نعشه بالعلم المصري وقاد موكب الجنازة نجل الرئيس جمال مبارك، لكنها تساءلت عن سبب عدم تسمية شارع أو إنتاج مسلسل تلفزيوني عنه.
ورد مبارك على تساؤلها قائلاً: "اسألي منى عبد الناصر، هي الوحيدة التي تعرف ما حدث حقًا. أشرف مروان لم يكن يومًا طاهرًا تمامًا حتى في أعيننا".
ووفق سمدار بيري فإن تقريرها يكشف الأبعاد الغامضة للعمليات الإرهابية في القاهرة منتصف الثمانينيات، ويؤكد أن الرواية الرسمية الإسرائيلية لم تعكس الحقيقة الكاملة، وأن منى عبد الناصر تمثل مفتاح فهم هذه الأحداث التاريخية المعقدة.