صحافة إسرائيلية

إعلام عبري: خطاب نتنياهو المليء بالأكاذيب يكشف أن الحرب لن تتوقف

حكومة غزة تتهم نتنياهو بالترويج لـ8 أكاذيب كبرى بمقر الأمم المتحدة- إذاعة جيش الاحتلال
وصفت تقارير ومقالات عبرية، فضلا عن متظاهرين إسرائيليين، خطاب رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي ألقاه في مقر الأمم المتحدة، بأنه "خليط من الأكاذيب والتناقضات والتهديدات والابتزاز"، ومحاولة "بائسة" لتبرير جرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة، 

الصحفي نير حسون وفي مقال له نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية ، أكد أن خطاب نتنياهو أمام الأمم المتحدة مليء بالأكاذيب والتضليل ومحاولات خداع الرأي العام بطريقة صبيانية، وفيما يلي نصه:


وكان خطاب بنيامين نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة مليئاً بالحيل البلاغية والشعارات والعروض المسرحية، من رفع لافتات، وأسئلة طفولية على شكل "مسابقة"، إلى الإعلان الاستعراضي بشأن إرسال الخطاب إلى هواتف سكان غزة، واستخدام اللغة العبرية، ظاهرياً، لمخاطبة الأسرى، وغير ذلك، لكنه أيضاً كان حافلاً بالأكاذيب البيضاء وأنصاف الحقائق، بل بالأكاذيب الصريحة. وفق تقارير.

و"كرَّر نتنياهو مرة أُخرى الرقم المتعلق بنسبة القتلى المدنيين في مقابل المسلحين الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي في غزة "أقل من 1:2"، ومع ذلك، لم يقدم أي دليل على هذا الرقم، وهو ما يتناقض مع كل المعلومات المتوفرة بشأن هوية القتلى في غزة، لقد أكدت سلسلة من التحقيقات والدراسات والتقارير الصحفية أن هذا الرقم غير دقيق، وأن النسبة الحقيقية هي على الأقل، خمسة مدنيين مقابل كل مسلح، وربما أكثر بأضعاف".

وكالعادة، لم يقدم نتنياهو أي دليل يدعم الرقم الذي طرحه. وفي الواقع، من غير المرجح أن يكون قادراً على تقديم مثل هذا الدليل، لأن حرب "السيوف الحديدية" هي أول حرب لا تقدم فيها إسرائيل رقماً رسمياً بشأن عدد القتلى المدنيين في الجانب الفلسطيني.

طوال الحرب، كشفت عشرات التحقيقات الصحافية حقيقة واضحة، ومفادها بأن الجيش الإسرائيلي، وبشكل خاص سلاح الجو، يقتل عشرات المدنيين يومياً، غالباً من دون تفسير، أو بمبررات ضعيفة. على سبيل المثال، نشرت وكالة "رويترز"، مؤخراً، تحقيقاً يُظهر كيفية مقتل 22 صحافياً وموظفاً طبياً في مستشفى ناصر في  آب/أغسطس، فقط من أجل تدمير كاميرا يُشتبه في أنها تابعة لـ"حماس".

الحقيقة الثانية تتعلق بكيفية حساب الجيش لعدد القتلى من "الإرهابيين"، إذ يتم تضخيم الأرقام من خلال اعتبار كلّ مَن يعبر "خطاً افتراضياً" على الأرض (إرهابياً)، وكذلك اعتبار كل مَن يعمل في الإدارة المدنية التابعة لـ"حماس جزءاً من جناحها العسكري"، في كل الأحوال، من الواضح أن نسبة القتلى المدنيين بعيدة جداً عن الأرقام التي طرحها نتنياهو.


بشأن الإتهام بالإبادة الجماعية
حاول نتنياهو، من خلال خطابه، الرد على الاتهامات بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، فقال ساخراً: "هل هناك دولة ترتكب إبادة جماعية تتوسل المدنيين من أجل الخروج من مناطق الخطر؟ هل طلب النازيون من اليهود المغادرة بلطف؟ هل تريدون أن أعدّد لكم قادة الإبادة الجماعية في التاريخ؟ هل فعل أحدهم ذلك؟ طبعاً لا".

لكن الحقيقة أن الجواب هو "نعم"، في علم الإبادة الجماعية، هناك إجماع على أنه لا يوجد تناقُض بين تنفيذ الإبادة الجماعية وبين تهجير السكان المدنيين؛ ففي مذبحة سريبرينيتسا في البوسنة، سُمح للنساء والأطفال بالمغادرة؛ ووفقاً للدكتور شموئيل ليدرمان، الخبير في مسألة الإبادات الجماعية، فإن الأمر تكرر في دارفور وبورما وأماكن أُخرى، حيث تم السماح لعدد كبير من السكان بالمغادرة.

مسألة المجاعة
واصل نتنياهو إنكار وجود مجاعة في غزة، واصفاً هذه التهمة بـ"النكتة"، وقال إن إسرائيل سمحت بإدخال "مليونَي طن من المساعدات – طن واحد لكل شخص، أي 3000 سعرة حرارية يومياً لكل إنسان، أيُّ سياسة تجويع هذه؟!"، لكن هذا التصريح يُعتبر تضليلاً صريحاً.

في 2 آذار/مارس، ترأس نتنياهو اجتماعاً حكومياً قُرِّر خلاله وقف إدخال الغذاء والمساعدات إلى غزة، وأُعلن ذلك أمام الكاميرات، واحتفل به وزراؤه، وزير المال بتسلئيل سموتريتش وصف القرار بأنه "خطوة مهمة نحو الجحيم"، بينما دعا وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى "قصف مخازن المساعدات"، ووزير الطاقة إيلي كوهين أمر بقطع الكهرباء عن آخر محطة تحلية مياه عاملة.

استمرت سياسة التجويع 78 يوماً، وخلالها انهارت منظومة توزيع الغذاء التابعة للأمم المتحدة، وعندما تم استئناف إدخال المساعدات، كانت الكميات قليلة جداً، وفي نهاية تموز/يوليو، بدأت حالات الوفاة الجماعية جرّاء المجاعة. حتى الآن، توفي نحو 450 شخصاً بسبب سوء التغذية، هم في معظمهم، من الأطفال، كنتيجة مباشرة للسياسات الإسرائيلية.


التضليل في الأرقام
قد تكون الأرقام التي طرحها نتنياهو بشأن كميات الغذاء صحيحة من الناحية الكمية، لكنها لا تعبّر عن الصورة الكاملة، فهذه الأطنان تشمل الخيام والمولدات والأدوية والكرفانات والمراحيض، وغيرها من الضروريات، يعيش سكان غزة، في معظمهم، في خيام بلا كهرباء، أو مياه، ويعتمدون بالكامل على المساعدات الخارجية – من الفرش إلى الأدوية. وعندما يتم تقليص كمية المساعدات بهذا الشكل، فإن "نصف طن للفرد سنوياً" لا يبدو رقماً كبيراً.

حتى إن الحجة بشأن "السعرات الحرارية" لا تصمد: فمجرد إدخال كمية معينة لا يعني أنها توزَّع بشكل عادل، أو تصل إلى مَن يحتاجها، مثلما هي الحال في أي مكان في العالم، هناك تفاوُت طبقي واقتصادي – فقراء، أيتام، أمهات عازبات، مسنون، مرضى مصابون بأمراض مزمنة، وغيرهم ممن لا يستطيعون الحصول على الغذاء، هم مَن يموتون جوعاً، المجاعة لا تعني أن الجميع يتضور جوعاً حتى الموت، بل إن نسبة من السكان تعاني جرّاء نقص حاد في التغذية يؤدي إلى أمراض ووفيات جماعية – وهو بالضبط ما حدث في غزة.

ادّعى نتنياهو أن حماس سيطرت على المساعدات الغذائية التي دخلت إلى غزة، لكن لا يوجد دليل على ذلك. من المؤكد أن حماس تحصل على الغذاء لعناصرها، لكن القول إنها تسيطر على سوق الغذاء لا أساس له،  ومن أجل القيام بذلك، تحتاج حماس إلى مخازن ضخمة وشبكة توزيع هائلة، وهذا لم يثبت حتى الآن.

نشرت صحيفة نيويورك تايمز تحقيقاً استند إلى مصادر في داخل الجيش الإسرائيلي، أكدت فيه أن حماس لم تستولِ على كميات كبيرة من الغذاء. والنتيجة نفسها توصلت إليها وكالة التنمية الأميركية (USAID).

وفي موضع آخر من الخطاب، قال نتنياهو إن الأمم المتحدة أقرّت بأن "حماس والفصائل الأخرى نهبت 85 بالمئة من الشاحنات"، لكن في الواقع، قالت الأمم المتحدة إن سياسة التجويع دفعت بسكان غزة إلى اليأس، لقد خاطر عشرات الآلاف من السكان بحياتهم يومياً من أجل الحصول على الطعام، وبعضهم فعل ذلك عبر مراكز توزيع فاشلة أنشأها "صندوق غزة الإنساني" الذي كان لنتنياهو دور في تأسيسه، وبعضهم نهب الشاحنات، وفي الأغلبية الساحقة من الحالات، كان اللصوص أشخاصاً جائعين يبحثون عن طعام لعائلاتهم، ولا يوجد دليل واحد على أن حماس سرقت كميات كبيرة من مساعدات الأمم المتحدة.


في ختام الخطاب، أطلق نتنياهو كذبة أُخرى حين وصف إسرائيل تحت قيادته بأنها "منارة للتقدم والابتكار والإبداع من أجل الإنسانية جمعاء"، من دون حاجة إلى التفسير، هذه الجملة تعكس الانفصال عن الواقع، ومع ذلك، ومن بين كل هذه الأكاذيب، تبرز حقيقة مروّعة: "ما دام  نتنياهو في الحكم فإن الحرب لن تتوقف".

يمكن استنتاج ذلك من خلال زلّته في الخطاب حين وصف مدينة غزة بأنها "المعقل الأخير لحماس"، ثم سارع إلى التصحيح بالقول "أحد المعقلَين الأخيرين"، هذا التصحيح لم يكن عشوائياً، وهو موجود حتى في النسخة الرسمية للخطاب، لا يوجد خطأ هنا، فما دام  الأمر في يد نتنياهو، فإن القتال سيستمر، سواء في المخيمات في وسط القطاع، أو في مخيم اللاجئين الكبير في المواصي، لا يهم، المهم هو الاستمرار في الحرب.