صحافة إسرائيلية

يديعوت: أشرف مروان قصة أكبر عملية خداع مصري لـ"إسرائيل" قبل حرب 1973

تحقيق عبري يكشف استدرج أشرف مروان رئيس الموساد كـ"الأبله" – إعلام مصري
نشرت وسائل إعلام عبرية، مؤخرا معلومات تؤكد وجود تضارب لدى الجانب الإسرائيلى حول الرواية الحقيقية لأهم قضية تجسس فى القرن العشرين وهي قضية أشرف مروان صهر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وسكرتير الرئيس الأسبق محمد أنور السادات لشؤون المعلومات.

وباتت قصة حياة مروان مادة خصبة للإعلام الإسرائيلى خلال الخمسين عاما الماضية مع ترديد روايات متضاربة حول الرجل، فيما ترفض إسرائيل الاعتراف بأن أشرف مروان كان يعمل لصالح المخابرات المصرية وأنه ساعد فى عملية الخداع الاستراتيجى التى سبقت حرب 1973.

وكشفت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية، عن أنها أجرت تحقيقًا شاملًا استنادًا إلى آلاف الوثائق السرية التي لم تُكشف بعد، موضحة أن أشرف مروان كان رأس حربة خطة الخداع المصرية لإسرائيل قبل الحرب وخلالها، ونجاحه فاق كل التوقعات، حيث ضربت هذه العملية الغطرسة الكبيرة من جانب أجهزة المخابرات الإسرائيلية، وأصبح واحدا من أخطر العملاء ضد إسرائيل.

التحقيق كان نتيجة عمل مشترك بين الصحفيين رونين برغمان الذي كان أول من فجر قضية مروان قبل سنوات، وصحفي استقصائي وكاتب إسرائيلي ومحلل سياسي وعسكري ويوفال روبوفيتز، ونشرت يديعوت أحرنوت التحقيق كاملًا والذي كشف عن رواية غير مسبوقة في دولة الاحتلال، ترفضها أجهزة الاستخبارات والأمن، حيث حاولت على مدار سنوات إثبات وجهة نظرها في كون أشرف مروان كان عميلا لصالحها أو على الأقل عميل مزدوج، لكن تحقيق يديعوت أحرنوت أكد أن مروان كان أحد الإنجازات الضخمة في خطة الخداع المصرية.

أشرف مروان
داخل الموساد، كان يُلقّب أشرف مروان بـ"الملاك"، فقد اعتُبر عميلا من الأحلام حدثًا لا يُنسى، كما وصفه مسؤول سابق رفيع المستوى في الموساد شارك في عملياته بعد حرب يوم الغفران جاسوسٌ بدا وكأنه هبط في الموساد من السماء، كانت كميات المواد السرية المكتوبة التي جلبها الملاك هائلة، تم التحقق من أكوام الوثائق والمعلومات التي نقلها إلى إسرائيل ومقارنتها بمصادر أخرى واجتازت معظم مواد مروان جميع الاختبارات، وقالوا عنه: "أفضل عميل للموساد على الإطلاق"، حتى أن رئيس الموساد، ديفيد برنيا، وصفه بأنه عميلٌ بارع.



وأضاف برنيا: "كانت لدينا مصادر استخبارات بشرية ممتازة وكان أهمها وأرفعها شأنًا هو الملاك، ونفى برنيا رفضًا قاطعًا الادعاءات التي رُوّج لها على مر السنين بأن مروان كان في الواقع عميلًا مزدوجًا ووفقًا له، فقد بحث الجيش الإسرائيلي والموساد هذه المسألة مرارًا وتكرارًا، وتوصلوا جميعًا إلى نفس النتيجة بأن الملاك كان عميلًا استراتيجيًا.

وصرح برنيا: لقد تحققتُ من الأمر مجددًا، بعد قراءة جميع التقارير ذات الصلة، أستطيع أن أقول بكل ثقة، على حد علمي، إن أشرف مروان كان عميلًا بالغ الأهمية والخطورة، ومن يدّعي خلاف ذلك، في رأيي، فهو على الأرجح يبحث عن الشهرة أو ببساطة لا يفهم الصورة الاستخباراتية والاستخبارات البشرية.

يقول الصحفيان إن مروان لا يزال يعتبر عميلًا أسطوريًا في الموساد في بداية سبتمبر 1973، لم يكن مروان قد تجاوز التاسعة والعشرين من عمره، إلا أن تأثيره على الاستخبارات الإسرائيلية، وخاصةً على تسفي زامير، رئيس الموساد آنذاك، كان في ذروته.

مروان والطائرة الليبية
وجاء في التحقيق أيضا: "إذا كان لدى أحد أدنى شك في مصداقية مروان فقد اختفى في آب/أغسطس 1973، حدث هذا بعد أن قدّم الملاك تقريرًا مثيرًا إلى مسؤوله في الموساد عن معمر القذافي، حاكم ليبيا بأنه يُخطّط لهجوم ضخم على إسرائيل، وسعي القذافي للانتقام، ففي 21 شباط/فبراير 1973، عبرت طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الليبية عن طريق الخطأ الحدود الإسرائيلية في سيناء وبسبب الخوف من أن يكون طيارًا انتحاريًا يُريد الاصطدام بمفاعل ديمونا، أسقطها سلاح الجو الإسرائيلي، وقُتل 108 من أصل 113 راكبًا، وجنّد القذافي الغاضب فرقة من الفلسطينيين، الذين تلقوا من مصر صواريخ ستريلا - صاروخ مضاد للطائرات يُطلق من الكتف على ارتفاع منخفض - وتدريبًا على كيفية تشغيلها ثم غادرت الفرقة إلى روما، بهدف إسقاط طائرة تابعة لشركة العال كانت تقلع من هناك إلى إسرائيل وعلى متنها مئات الركاب.

منذ تلك اللحظة أغرق مروان على حد وصف التحقيق الموساد بأخبار حرب وشيكة، أحيانًا بموعد محدد ثم أفاد بتأجيل الحرب بالفعل، ثم بتحديد موعد جديد لها؛ وأحيانًا بأن السادات مصمم على خوض الحرب، وأحيانًا أخرى بأنه يخدع نفسه بالاعتقاد بذلك.

الأسد والسادات
في 26 و27 آب/أغسطس 1973، قبل أيام قليلة من وصوله إلى روما، شارك مروان في اجتماع حاسم بين السادات والرئيس السوري حافظ الأسد في دمشق، وقال مروان إن الاستعدادات للحرب لن تكتمل إلا بنهاية عام 1973، وأن السادات، الذي لا يريد سوى البقاء في منصبه ولا أحد في الجيش يصدقه، في تقديره لن يشن هجومًا على الإطلاق، أما إسرائيل، التي اتضح أنها كانت مستعدة للحرب آنذاك بفضل الملاك، فقد تنفست الصعداء، وأمامها ما يقرب من 6 أشهر للاستعداد، وحتى حينها، يُقدّر الملاك أن السادات لن يفعل شيئًا.

وواصل التحقيق: "هذه كذبةٌ فظيعة، ساهمت في تشرين الأول/أكتوبر 1973 مساهمةً حاسمةً في الفشل الذي أودى بحياة نحو 2400 جندي إسرائيلي، وأحدث شرخًا عميقًا غيّر وجه إسرائيل إلى الأبد، حيث كان الملاك يعلم جيدًا أن السادات والأسد لم يكونا ينويان الانتظار حتى نهاية العام لبدء الحرب، بل كان قد حُدد موعدٌ مُسبقًا في ذلك الاجتماع في دمشق 6 تشرين الأول/أكتوبر/1973.

حرب على الأبواب
شارك مروان بصفته مساعدًا مقربًا للسادات، في اجتماعات مع القيادة المصرية وشخصيات بارزة أخرى في العالم العربي، حيث تم تقريب جميع الأطراف استعدادًا لهجوم مفاجئ مشترك ولم يُخبر الموساد بذلك، واعتمادًا على معلومات أشرف مروان وفي اجتماع خاص لهيئة الأركان العامة تناول الخطر الوشيك لحرب محتملة، قدّم رئيس الموساد تقييم الجهاز المطمئن بأن الحرب غير متوقعة قريبًا ولن تندلع فعليًا في العام المقبل.


في هذه الفترة حصل الموساد على معلومات أن حربًا على الأبواب، ستبدأ بالخداع كما لو كانت مناورة، ثم تتحول فجأة إلى هجوم حقيقي ولكن عندما أعلن أشرف مروان أن الحرب لن تندلع قريبًا، تعامل جهاز الاستخبارات العسكرية والموساد مع المعلومات المتناقضة بازدراء ولم يُبلغاها لرئيس الوزراء ووزير الدفاع.

الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي يصف في سياق التحقيق ما حدث قائلًا: القرار اللاواعي الذي اتخذته القيادات السياسية والأمنية العليا كان قاطعًا: "طالما لم تصل أي رسالة تحذيرية من أشرف مروان، فقد أُجِّل التعامل مع المعلومات الوفيرة والمقلقة الواردة من مصادر أخرى في جهاز الاستخبارات والرد عليها لولا الاعتماد المتزايد على مروان، لما شككنا في أننا كنا سنحشد قوات الاحتياط في وقت أبكر.

ليلة الهجوم
قبل 12 ساعة من الهجوم المصري السوري المنسق أخطر مروان إسرائيل بالهجوم وكانت إسرائيل في حاجة إلى 48 ساعة على الأقل لحشد قواتها في القناة وإرسال وحدات احتياطية إليها، خاصةً مع وجود جبهة أخرى في الشمال، علاوة على ذلك، لم يكن التحذير الذي أطلقه مروان في ذلك الاجتماع حاسمًا كما هو مُصوَّر في العديد من الكتب والأفلام والمقالات التي كُتبت عنه في الواقع، استمر مروان في استفزاز الإسرائيليين في ذلك الاجتماع أيضًا، مُقترحًا طريقةً قد تمنع الهجوم: تسريب خبر هجوم المصريين إلى وسائل الإعلام العالمية.

وأضاف التحقيق: "وقع زامير في الفخ فتحضيرًا للاجتماع الذي بدأ صباح يوم الغفران الساعة 8:05 صباحًا - أي قبل 6 ساعات فقط من الهجوم - كتب إلى غولدا أنه يجدر بها تجربة فكرة الملاك ووقعت كلماته في آذان صاغية، قال الوزير إسرائيل جليلي، المقرب من مائير، في اجتماع حكومي طارئ في يوم الغفران: يقول مصدر إنه يمكن إحباط الحرب بتسريب المعلومات.

واندلع نقاش حاد في هذا الاجتماع: هل يجب شن ضربة وقائية؟ ما هو حجم الاحتياطيات التي سيتم تعبئتها؟ وربما تمنع فكرة مروان الحاجة إلى كل هذا؟ قالت مائير عن اقتراح ديان بتعبئة الاحتياطيات: ما زلت أفكر في الأمر. أما بالنسبة للضربة الوقائية، فقلبى يخفق بشدة، لكننا سنرى. ماذا سيحدث إذا اتبعنا نصيحة مروان حقًاـ وبناء على هذه النصيحة، خصصت مائير جزءا كبيرا من وقتها في ذلك الصباح للقاءات مع السفراء، من أجل نقل الرسالة المعنية بالهجوم الإسرائيلي.

في الساعة 1:55 ظهرًا، قاطع صوت صفارات الإنذار النقاش لقد بدأت الحرب: لم تكن نصيحة الملاك لتمنع شيئًا، لكنها حققت هدفها: مزيد من الوقت الثمين الذي أضاعته إسرائيل قبل الهجوم. صُدمت غولدا مائير، وبدأت إسرائيل في تحقيقات ما بعد الحرب وكان لأشرف مروان نصيب كبير منها راجع الصحفيان آلاف الوثائق، غالبيتها العظمى من معلومات استخباراتية خام ومُعالجة من العامين السابقين للحرب، ومن محاضر ومذكرات الاجتماعات والتقوا بضباط استخبارات ومحققين واطلعوا على المحادثات والتحقيقات الداخلية التي أُجريت بشأن القضية.

مروان جزءًا من عملية احتيال ساعدت المصريين على مفاجأة إسرائيل
وأشار التحقيق إلى أن الغرور الإسرائيلي كان مانعًا أمام تصديق قيادات الموساد وعناصره لحقيقة أن أشرف مروان خدعهم، موضحًا: من المستحيل أن يكون هؤلاء المصريون قد دبروا مثل هذه الخدعة المعقدة وتمكنوا من التفوق على إمبراطوريتنا الاستخباراتية.

بعد سرد كيف تواصل مروان مع الموساد وماذا قدم في الاجتماع الأول والاجتماعات التالية في عامه الأول يذكر التحقيق أمور مختلفة عن أشرف مروان فضمن التحقيقات التي أجريت يقول عميل الموساد المكلف بالتواصل معه: "كان لديه ثقة مبالغ فيها بنفسه يصعب تفسيرها، في أحد الأيام، سألته عن التقارير التي أحضرها، وهي تقارير سرية للغاية أخرجها من مصر. فسألته: كيف أخرجت هذه من مصر؟ فقال بأعلى صوته: هل تعتقد أنهم يفتشون منزلي؟ إنهم لا يفتشون منزلي. من يجرؤ على تفتيش منزلي؟.

تكرار التضليل
كانت المرة الأولى التي أبلغ فيها مروان الاستخبارات الإسرائيلية باستعداد مصر للحرب في 21 حزيران/يونيو 1972 وأبلغهم أن السادات سيرغب في بدء الحرب بحلول آذار/مارس 1973 ثم عاد وأخيرهم أن الهجوم سيحدث في 31 تشرين الأول/أكتوبر 1972 ثم في سبتمبر من نفس العام.

كان سبب القلق في إسرائيل أن مصادر إضافية أكدت هذه المرة أيضًا نبأ الحرب في شهر أيار/مايو، قال مروان أن برأيه، يُمكن تحديد التاريخ على أنه حوالي منتصف أيار/مايو 1973 وبصفته شخصًا مُقرّبًا من مكتب السادات ورسائله، كان من المُتوقع أن يكون قادرًا على تقديم تواريخ أكثر دقة، وليس مجرد تقديرات، ولكن هذا تحديدًا كان نقطة ضعف تقاريره، والتي يتجاهلها حتى اليوم من يُؤيدون وجهة نظره بأنه مصدر موثوق.

وقال أحد كبار المسؤولين السابقين الذي حقق في هذه القضية في السنوات الأخيرة: كانت تقاريره بشأن وحدات الجيش المصري وهياكلها دقيقة، أما فيما يتعلق بالتحذيرات، فلم يُحضر أي وثائق، بل اكتفى بتقديرات مبنية على معرفته المزعومة بالأفراد المعنيين.

وأصرّ مروان وذهب في أحد اجتماعاته مع رئيس الموساد إلى حدّ القول إنّ حشد القوات في نقاط التجمع في أنحاء مصر قد اكتمل بالفعل، وإنّها في طريقها إلى الجبهة، وأشعل كل هذا صراعًا في منتصف نيسان/أبريل في إسرائيل بين جهازي المخابرات والأمن بشأن التحذير من الحرب عارضت المخابرات العسكرية، برئاسة اللواء زعيرا، في مناقشات في هيئة الأركان العامة والحكومة إعلان حالة التأهب القصوى في جيش الدفاع الإسرائيلي، مع ذلك، خلصت المخابرات العسكرية إلى وجود محاولة في مصر وسوريا لخلق جوّ يُشبه عشية نشاط عسكري قبل رئيس الأركان تقييم المخابرات العسكرية، لكنه أدرك الخطر وأمر بالاستعداد وفقًا لذلك.

إرهاق أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية
بدأ مروان يُرهق أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وأفاد بأن موعد استئناف الحرب قد أُجّل من الأسبوع الثاني من مايو إلى نهاية مايو أو بداية يونيو، نظرًا للحاجة إلى استكمال بعض الاستعدادات، حلّ شهر أيار/مايو، وكانت الحرب التي أعلنها الملاك لا تزال تلوح في الأفق، وأصدرت المخابرات العسكرية الإسرائيلية ملخصًا يفيد بأن احتمال الحرب ضئيل ولكن بعد تقارير الملاك وإصرار زامير على عقد المزيد من الاجتماعات لمناقشتها، أصدر موشيه ديان، نيابةً عن الحكومة، تعليماتٍ لهيئة الأركان العامة بالاستعداد للحرب، كما أعرب رئيس الأركان دافيد إليعازر عن تخوفه من سيناريو الحرب، رغم اتفاقه مع تقييم المخابرات العسكرية بأن احتمال نشوبها ضئيل.

في 17 أيار/مايو وافق وزير الدفاع ديان على خطط رئيس الأركان لاستعدادات إسرائيل وكان الاسم الرمزي للإنذار أزرق أبيض، ومع إعلانه، بدأت فترة تأهب حربي عصيبة على الجبهتين المصرية والسورية، استمرت حتى آب/أغسطس لأكثر من شهرين، لزم جنود جيش الدفاع الإسرائيلي مواقعهم وقواعدهم، متأهبين في أي لحظة للحرب الوشيكة تم استدعاء قوات الاحتياط، وتشكيل سرايا، وشراء معدات باهظة الثمن وتجهيز طائرات مسلحة للإقلاع في سلاح الجو وكلّف هذا الأمر حوالي 60 مليون جنيه إسترليني، وهو مبلغ ضخم في تلك الأيام.

أُنهك مروان الجيش الإسرائيلي، وهُزّ الاقتصاد، واكتسبت مصر معلومات كثيرة عن سلوك إسرائيل، في 29 تموز/يوليو أبلغ مروان إسرائيل متأكد من عدم اندلاع حرب بنهاية العام، ويشك في نشوب أي حرب خلال فترة رئاسة السادات هو ما أدى إلى إلغاء حالة الاستعداد في إسرائيل، بعد ذلك اجتمع السادات وحافظ الأسد، وأخبر مروان إسرائيل أن الأسد وافق على الموعد الذي حدده السادات لبدء الحرب ضد إسرائيل وذكر أنه نهاية عام 1973.

وأفاد الصحفيان: لا خلاف اليوم على أن الرئيس المصري السادات والرئيس السوري الأسد اتفقا على اندلاع الحرب في 6 تشرين الأول/أكتوبر في هذا الاجتماع، وفي اجتماعات داخلية لا تُحصى أخرى حول هذا الموضوع، كان مروان حاضرًا شخصيًا، لكن لم يُحذّر أو يُبلغ مُشغّليه بالموعد الجديد والحقيقي.

في التاسعة والنصف مساءً في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر 1973، رنّ هاتف فرع الموساد في لندن. كان مروان على الخط يطلب التحدث قال عميل الموساد المكلف بمتابعته كان محاطًا بالناس، وقال لي: اسمع يا أليكس لا أستطيع الكلام، هناك أنواع مختلفة من الناس حولي يسمعونني. لكنني أردت أن أنقل أن هناك مواد كيميائية، هناك الكثير منها، وأريد مقابلة المدير العام غدًا في لندن.

طار رئيس الموساد إلى لندن للقاء أشرف مروان وبينما كان على متن طائرة متجهة إلى لندن، اقتحم العميد شلومو غازيت غرفة رئيس الأركان دادو أخبر غازيت رئيس الأركان أنه لا يفهم سبب عدم إصداره أمرًا بتعبئة عامة لقوات الاحتياط.



وقال غازيت: تمتم دادو بشيء عن عدم رغبته في المساس بقداسة العيد، لكنه لم يُخبرني الحقيقة: كانوا جميعًا ينتظرون مروان، وتأثروا بالمعلومات الأخيرة التي قدّمها، وبالطبع بالمعلومات التي لم يُقدّمها كانت لديّ ميزة كبيرة: كنتُ معزولًا عن القصة برمتها. لم أكن أعلم بوجود العميل اللامع، وبالطبع لم أنتظر تقرير رئيس الموساد من لندن. لذلك، استطعتُ النظر في البيانات كما هي، والتوصل إلى استنتاج واضح، لم يكن ليخطر ببال أي شخص لم يكن تحت تأثير التنويم المغناطيسي الذي فرضه مروان على الجميع: أن هناك خطرًا واضحًا ومباشرًا للحرب.

يزعم غازيت أنه لولا مروان، لكانت التعبئة قد بدأت في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر أو على أبعد تقدير صباح اليوم التالي وأضاف غازيت: كانت هذه التعبئة ستمنع الحرب، أو ستدفعنا إليها بقوات الاحتياط مُجهزة تجهيزًا كاملًا كان انتظار وصول خبر من مروان يعني أن تعبئة الاحتياط لم تبدأ إلا في ساعات صباح يوم الغفران، السادس من تشرين الأول/أكتوبر بعد ورود التقرير الهاتفي من رئيس الموساد من لندن.

يقول التحقيق: مارس المصريون، من خلال مروان، أكبر تضليل في التاريخ. نعلم جيدًا، في الوقت الفعلي، أن هناك مئات الآلاف من الجنود المصريين على ضفاف القناة، وجنودًا سوريين على طول الحدود، وجميعهم قادرون على شنّ الهجوم في غضون ساعات قليلة، ومع ذلك لا نستدعي جنود الاحتياط. ولماذا؟ لأننا مقتنعون بأن لدينا جهاز تنصت على دماغ السادات سيُبلغنا بذلك.

وصل رئيس الموساد والتقى مروان سأله عن موعد اندلاع الحرب، أجاب الملاك إما في الرابعة عصرًا أو قبل غروب الشمس مباشرة وانتهى الاجتماع حوالي الساعة الثانية صباحًا، أي أن الساعة كانت قد بلغت الثالثة صباحًا في إسرائيل، أي قبل إحدى عشرة ساعة فقط من بدء الهجوم وقرر رئيس الموساد أن ينقل المعلومات التي تلقاها إلى إسرائيل، لكنه لم يكن مقتنعًا بعدُ بأن الحرب على وشك الاندلاع.
نجحت مهمة الملاك في إرباك إسرائيل وكسب ساعات طويلة لمفاجأة المصريين وفي الوقت نفسه، حافظ على مكانته كأفضل عميل في مهام كان يعلم أنها لا تزال تنتظره لاحقًا.

يقول شلومو غازيت، رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية بعد الحرب، في محادثة سُمح بنشرها بعد وفاته: كان مروان مُغروسًا في أعماق المخابرات الإسرائيلية، وجنّد رئيس الموساد زامير ببراعة، وتلاعب به كما يشاء، وكان في الواقع المحرك الرئيسي في خطة الاحتيال المصرية. أشعر بالانزعاج لمجرد التفكير في كيف جلس مروان والسادات في مكتب الرئيس وسخرا من زامير.