صحافة دولية

ترامب يقر بأن أمريكا لم تعد قائد العالم.. والتحالفات المناهضة تتشكل

خطاب ترامب الاستثنائي استغرق 58 دقيقة حول التهديدات التي تشكلها الحدود المفتوحة - جيتي
في خطاب تاريخي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن بلاده لم تعد القائد العالمي الذي يحتذى به، مثيراً موجة جدل بين الدول حول العالم.

ونشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا أعده المحرر الدبلوماسي باتريك وينتور قال فيه إن العالم لم يعد ينظر لأمريكا كقائد له. وقال إن خطاب الرئيس دونالد ترامب أمام الجمعية العامة سخر من قيم المنظمة الأممية مما يدعو لتحالفات قوية مضادة له.

وأضاف أن الجاذبية التي يحملها دونالد ترامب والاقتصاد الأمريكي تجعل من سياسات الدول الـ 192 الأخرى التي تشكل الأمم المتحدة، مختزلة وبسرعة في نقاش طويل حول كيفية التعامل مع هذه الرئاسة التي تزداد قتامة وغرابة، وتحديها.

فقبل خطاب ترامب الاستثنائي الذي استغرق 58 دقيقة حول التهديدات المزعومة التي تشكلها الحدود المفتوحة والشريعة الإسلامية وإخفاقات الأمم المتحدة و"خدعة المناخ"، كان مؤيدو قيم الأمم المتحدة يدركون بالفعل أنهم يواجهون تحد كبير.

والآن يدركون إلى أي مدى تبدو القوة العظمى في العالم عازمة على تدمير كل ما يؤمنون به.
ومباشرة وبعد أن تعافى مندوبو الأمم المتحدة من الصدمة وربما الإحراج، من أداء ترامب، خاطب الجمعية العامة زعيما دولتين إسلاميتين كبيرتين، الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ولاقى سوبيانتو استحسانا كبيرا عندما أكد: "القوة لا يمكن أن تكون على حق/الحق لا بد أن يكون على حق، لا يمكن لدولة واحدة أن تتنمر على البشرية جمعاء. قد نكون ضعفاء كأفراد، لكن الشعور بالقمع والظلم سيوحدنا في قوة جبارة ستتغلب على هذا الظلم".

وأصر أردوغان على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خارج عن السيطرة تماما، وأن من التزم الصمت في وجه وحشيته متواطئون.

وقبيل خطاب ترامب مباشرة، وجه الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، دون أن يذكر الولايات المتحدة، تحذيرا قويا ومتماسكا بشأن التهديد الذي تشكله الأنظمة الاستبدادية الجديدة.

وقال: "اليوم تواجه المثل التي ألهمت مؤسسي الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو تهديدا لم يسبق له مثيل في تاريخها. وتقف التعددية عند مفترق طرق جديد. سلطة هذه المنظمة مقيدة. نشهد كوكبة من النظام الدولي تتسم بالتنازلات المُتكررة لفرض النفوذ.

أصبحت الهجمات على السيادة والعقوبات التعسفية والتدخلات الأحادية الجانب هي القاعدة"، وأضاف أن "هناك تواز واضح بين أزمة التعددية وإضعاف الديمقراطية، حيث تتعزز السلطوية عندما نفشل في مواجهة الأفعال التعسفية عندما يتعثر المجتمع الدولي في الدفاع عن السلام والسيادة.

وتحاول القوى المناهضة للديمقراطية إخضاع المؤسسات وخنق الحريات. إنهم يقدسون التمويل. إنهم يشيدون بالجهل ويتصرفون كميليشيات مادية ورقمية ويقيدون الصحافة"، قال لولا.

وأصر آخرون، مثل رئيس كوريا الجنوبية، لي جاي ميونغ، على أن أزمة المناخ ليست خدعة، بل تمثل تهديدا للإنسانية جمعاء. ومع ذلك، صعد خطاب ترامب من حدة وإلحاح السؤال الحتمي حول الكيفية التي سيعمل العالم بها في غياب قيادة أمريكية موثوقة.

هذا ليس سؤال موجه إلى دول الجنوب العالمي فحسب، بل أيضا إلى أوروبا في مواجهتها لروسيا، وآسيا في صراعها مع القوة الصينية، والخليج في صراعه مع الهيمنة العسكرية الإسرائيلية.

وواحدة من الاستجابات هو تحالف المستبدين الذي ظهر في بكين مطلع الشهر بقيادة شي جين بينغ وفلاديمير بوتين. ولكن هناك رد آخر يتمثل في التحالف المناهض لترامب الذي لا يزال قيد التشكل بقيادة قادة ديمقراطيين.

ويعمل هذا التحالف بمعزل عن الأمم المتحدة، لأن الواقع هو أن مؤسسات الأمم المتحدة، المعطلة بحق النقض (الفيتو) من قبل الكتل المتنافسة، والمتخلية ماليا عن أمريكا، يتم تجاوزها.

وقال وينتور إن ادعاء الرئيس الأمريكي بأنه أنهى سبع "حروب لا نهاية لها"، جميعها دون أي مساعدة من الأمم المتحدة، أمر سخيف، ولكن من الصحيح أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم يعد قادرا على إنهاء النزاعات. وكما أوضح لولا: "إن طغيان حق النقض يخرب جوهر وجود الأمم المتحدة".

وفي خطابه، سعى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى تعزيز أهمية الأمم المتحدة، لكنه أقر بأن ركائز السلام والازدهار تتداعى وأن التعددية تعاني.

وقال: "إن التعددية القطبية دون مؤسسات متعددة الأطراف فعّالة تُثير الفوضى - كما تعلمت أوروبا الدرس الصعب الذي أدى إلى الحرب العالمية الأولى". وفي نهاية خطابه، لم يجد أمامه سوى العزاء بإصراره على "ألا نستسلم ابدا".

وأضاف وينتور إلى أن الجهود المبذولة لتطوير تحالف قوي مناهض لترامب يجمع دول الجنوب وأوروبا قد أضعفتها مسألة المعايير المزدوجة، الاعتقاد بأن غضب أوروبا من غزو روسيا لأوكرانيا لا يقابله غضب مماثل من تدمير إسرائيل لغزة.

وحذر بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الإسباني، في خطاب ألقاه أمام 500 طالب من جامعة كولومبيا يوم الاثنين، زملاءه الأوروبيين مرارا وتكرارا وطالبهم بإدراك مدى الضرر الذي ألحقته تهمة المعايير المزدوجة بصورتهم. وبالتأكيد أصبح سانشيز، الزعيم الأوروبي الأكثر استعدادا للوقوف في طريق ترامب.

ففي جامعة كولومبيا، قوبل بتصفيق حار دفاعا عن الفضائل الإيجابية للهجرة، وقال: "المجتمعات المفتوحة هي أفضل ترياق للتعصب"، وهي تصريحات اكتسبت أهميةًخاصة نظرا لمحاولات ترامب إسكات احتجاجات حرم جامعة كولومبيا.

وأضاف: "عندما يسكت صوت المجتمع، ينتهي به الأمر إلى الموت. المجتمعات المفتوحة تزدهر بالكلمات. حرية التعبير وحرية المعتقد والحق في المشاركة في الحياة العامة وتمكن المواطنين. إن فقدان حرية الاختلاف يفتح الباب أمام الاستبداد".

ويعتبر رئيس الوزراء الإسباني سانشيز أحد أبرز السياسيين الذين يحاولون بناء تحالفات لمواجهة ترامب، حيث عقد يوم الأربعاء مع لولا دا سيلفا ورئيس تشيلي غابرييل بوريك تحالفا بعنوان "الدفاع عن الديمقراطية" يركز على قضايا مثل تعزيز التعددية وسيادة القانون والتعاون ضد التطرف والخوارزميات التي تضعف التماسك الاجتماعي.

لكن هذه التحالفات العالمية لا تزال في بداياتها وتفتقر إلى التنسيق. والخطر الأكبر هو أن كل دولة قومية، مدفوعة بالسياسة الداخلية وتقييمات قوتها الاقتصادية، ستتخذ قراراتها الخاصة بشأن كيفية مواجهة القوة الأمريكية أو الرضوخ لها. وباتخاذ هذا القرار، ستدرك كل دولة قوة دبلوماسية ترامب الابتزازية. فمن خلال دمج التجارة والأمن والهجرة في مفاوضات واحدة، يزيد ترامب من نفوذه إلى أقصى حد، ومهما بلغت درجة استنكار الناس له، فإن الدولة الشجاعة هي التي ستقاوم.