ملفات وتقارير

تصاريح بثمن الأرض.. ما الذي يخطط له الاحتلال شمال غرب القدس؟

مخاوف من تداعيات ديمغرافية وجغرافية عميقة تطال حياة آلاف الفلسطينيين- جيتي
في خطوة تصعيدية توصف بـ"الخطيرة" تجاه الفلسطينيين، شمال غرب القدس المحتلة، والتخوّف من الضّم الفعلي والتدريجي لما تبقّى من أطراف المدينة المقدسة، بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم السبت، في تنفيذ جُملة إجراءات تقضي بتحويل حيّ الخلايلة، وبلدتي النبي صموئيل وبيت إكسا، إلى ما تسميه بـ"مناطق تماس"، إذ يُمنع الدخول إليها أو الخروج منها إلا بتصاريح خاصة. 

الإجراء الجديد، الذي أعلنت عنه إدارة الارتباط العسكري التّابعة للاحتلال الإسرائيلي، في 14 أيلول/ سبتمبر الجاري، بدأ تطبيقه فعليا، وسط غضب رسمي وشعبي مُتسارع، ومخاوف من تداعيات ديمغرافية وجغرافية عميقة، تطال حياة آلاف الفلسطينيين، وتحوّل بلداتهم لـ"جزر محاصرة" داخل "خارطة القدس الكبرى" التي يسعى الاحتلال لإعادة تشكيلها، على أسس استيطانية خالصة.

حواجز وتصاريح ممغنطة
 صباح اليوم السبت، توجّه عدد من سكان بيت إكسا والنبي صموئيل والخلايلة، إلى مكاتب الارتباط الإسرائيلي لتسلّم البطاقات "الممغنطة" التي تُخولهم الدخول إلى مناطقهم. حيث بات من لا يحمل تصريحا، يُمنع الوصول إلى بيته أو أرضه، في سابقة خطيرة، تضع مصير آلاف العائلات تحت قبضة الاحتلال الاسرائيلي.

وأوضح رئيس بلدية بيت إكسا، مراد الكسواني، عبر تصريحات إعلامية، مُتفرٍّقة، أنّ: "القرار الإسرائيلي قد أتى دون مشاورة السكان أو حتى منحهم فرصة للاعتراض"، مبرزا في الوقت نفسه: "بيت إكسا مصنّفة ضمن حدود القدس، لكن الاحتلال فرض عليها نظام مناطق التماس بذريعة قربها من المستوطنات المحيطة مثل 'راموت' و'جفعات زئيف' و'النبي يعقوب'."

ويرى الكسواني، أنّه انطلاقا من الإجراءات الجديدة، فإنّ آلاف السكان سيُحرمون بشكل مُباشر من حرية الحركة، وستفرض عليهم قيودا صارمة في الدخول والخروج، وذلك على الرغم من أن القرية تضم نحو 5000 نسمة، بينهم أكثر من 2000 يحملون هوية الضفة الغربية المحتلة، وما يناهز 1000 يسكنون خارجها، خصوصا في رام الله، ولا يعرفون حتى الآن إن كانوا سيتمكنون من العودة.

وتعتبر بلدية القدس، تابعة للسلطة الفلسطينية، إداريا، في كافة أمورها، بما يشمل التراخيص المباني والأراضي، والخدمات المحلية؛ ما يجعل القرار يُعتبر غير مفهوم المعالم، إلى حدود اللحظة.
وفيما تواصلت البلدية، مع الجهات الرسمية الفلسطينية، تسعى في الوقت الحالي، إلى تكليف محامين من أجل متابعة الملف قانونيا.



تغيير ديمغرافي مقصود
عدد من السكان المقدسيين، أوردوا في حديثهم لـ"عربي21" أنّ: "الإجراء يفتح الباب أمام هندسة ديمغرافية قسرية، وسيعزل لا محال، السكان عن امتدادهم الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة".

وأكّد المتحدّثين أنفسهم، أنّه: "إذا ما أصرّ الاحتلال الإسرائيلي على التنفيذ الفعلي للقرار الجائر، فإنّ آلاف العائلات ستُحرم من أبسط حقوقها، بما في ذلك لمّ الشمل، والزواج، وأيضا السكن داخل قراها الأصلية".



ردود فعل وتحذيرات
في ردها على القرار، قالت حركة حماس، إنّ: "ما يجري يمثل تطبيقا عمليا لنهج الاحتلال في عزل القدس وتقطيع أوصالها"، معتبرة أيضا أنّ: إصدار التصاريح يُعبّر عن نية مبيّتة لفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على القدس ومحيطها، وتكريس نظام فصل عنصري بامتياز.

ووفق مسؤول مكتب شؤون القدس في الحركة، هارون ناصر الدين، في بيان له، اليوم السبت، فإنّ: "القرار يكشف بوضوح أن الاحتلال يتعامل مع هذه المناطق باعتبارها أراضي إسرائيلية، ما يشكل إعلان ضمّ فعليا وخطوة خطيرة نحو تكريس سياسة الفصل العنصري وتهجير المقدسيين من بلداتهم".

ولفت ناصر الدين إلى أنّ: "هذا الإجراء يأتي في سياق متصاعد من الانتهاكات اليومية في القدس المحتلة، من اقتحامات متكررة للمسجد الأقصى المبارك، إلى سياسة هدم المنازل، واعتقال الشبان، وفرض القيود على حركة المقدسيين، بهدف إفراغ المدينة من أهلها الأصليين وفرض واقع استيطاني جديد".

تجدر الإشارة إلى أنّ هذا القرار قد أتى في خضمّ تصعيد مُمنهج شهدته القدس منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وذلك وفقا لتقرير، لمحافظة القدس، التي كشفت أنّ: "أكثر من 117 ألف مستوطن قد اقتحموا المسجد الأقصى خلال تلك الفترة، إضافة إلى 719 عملية هدم وتجريف طالت منازل وممتلكات الفلسطينيين في المدينة".

إلى ذلك، أكّد التقرير نفسه، الذي اطّلعت "عربي21" على نسخة منه، أنّ: "الاحتلال استغل انشغال العالم بالحرب على غزة من أجل العمل على تكثيف مشاريعه الاستيطانية، وتنفيذ سياسات تهويد واضحة المعالم، ترمي لتغيير الطابع السكاني والديني والسياسي للمدينة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي، واتفاقية جنيف الرابعة".



وعبر بيان لها، طالبت محافظة القدس، مجلس الأمن والأمم المتحدة والمجتمع الدولي والمحكمة الجنائية الدولية بتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية تجاه هذه الجرائم، والانتقال من مرحلة الإدانة اللفظية إلى مرحلة فرض العقوبات والمساءلة القانونية بحقّ سلطات الاحتلال.

كذلك، طالبت، المجتمع الدولي، بـ"التحرك الجاد والفاعل"، ووقف الصمت عن جرائم الاحتلال الإسرائىلي، عبر الاعتراف الفوري بدولة فلسطين، وعضويتها الكاملة في الأمم المتحدة، كخطوة تعدّ أساسية نحو تصحيح المسار التاريخي، وضمان حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.