تستعد سلطات الاحتلال
الإسرائيلي منتصف الشهر الجاري لتنظيم احتفال رسمي لتدشين ما يسمى بـ"طريق
الحجاج" في موقع "
مدينة داود" الاستيطانية المقامة على أراضي
بلدة سلوان
جنوبي المسجد الأقصى المبارك، بمشاركة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، في خطوة
تحمل دلالات سياسية.
ويأتي هذا الحدث قبيل
انعقاد الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يتوقع أن تشهد اعترافات أوروبية
متزايدة بالدولة الفلسطينية، ما يجعل من الاحتفال الإسرائيلي رسالة سياسية موجهة للمجتمع
الدولي.
جذور المشروع وتدشينه
الأول
كان الاحتلال الإسرائيلي
قد أعلن في حزيران/يونيو 2019 عن تدشين المشروع فعليا، بحضور السفير الأمريكي السابق
ديفيد فريدمان والمبعوث الخاص للشرق الأوسط آنذاك جيسون غرينبلات، باعتباره "إنجازًا
تاريخيًا".
ويمتد النفق، الذي
يطلق عليه الإسرائيليون "درب الحجاج"، لمسافة 700 متر تحت منازل وأحياء بلدة
سلوان وصولا إلى ساحة حائط البراق، ليشكل رابطا مباشرا بين "مدينة داود"
الاستيطانية والبلدة القديمة ومحيط المسجد الأقصى.
منذ ذلك الحين، واصلت
سلطات الاحتلال الترويج للمشروع باعتباره "دليلا" أثريًا على ارتباط اليهود بالقدس في
فترة ما يعرف بـ"الهيكل الثاني"، بينما أعلن الفلسطينيون ومنظمات حقوقية
محلية ودولية عن أن ما يحدث خطوة جديدة في مسار تهويد المدينة وفرض رواية توراتية على
حساب هويتها العربية والإسلامية.
مزاعم الاحتلال:
"طريق الحجاج نحو الهيكل"
وفق المزاعم الرسمية
الإسرائيلية، يمثل النفق الذي يعرف بـ"طريق الحجاج" الممر التاريخي الذي
كان يسلكه اليهود القادمون من مختلف مناطق فلسطين القديمة خلال الأعياد الدينية، في
طريقهم من بركة سلوام في سلوان باتجاه جبل الهيكل (المسجد الأقصى حاليًا).
وتزعم سلطات
الاحتلال أن الحفريات كشفت بقايا أرضيات مرصوفة بالحجارة وأدوات أثرية تثبت وجود هذا
الطريق منذ ألفي عام تقريبًا.
ويستخدم الاحتلال هذه
السردية لترسيخ زعمه أن
القدس هي "عاصمة أبدية للشعب اليهودي"، مستندًا إلى
روايات توراتية تفتقر في معظمها إلى الأدلة الأثرية القاطعة، ويقدم المشروع للسائحين
والزوار على أنه مسار حج ديني، تعرض على جوانبه مكتشفات أثرية ولوحات تفسيرية تدعم المزاعم الصهيونية حول تاريخ المدينة.
تهويد ممنهج للقدس
في المقابل، المشروع
ليس سوى أداة استيطانية جديدة تستهدف تغيير الطابع التاريخي لسلوان والبلدة القديمة،
فالحفريات التي بدأت منذ عام 2007 تسببت في تصدعات وانهيارات بمنازل الفلسطينيين في
المنطقة، وتهدد حياة مئات العائلات التي تعيش فوق شبكة الأنفاق التي تحفرها سلطات الاحتلال
بتمويل وإشراف مباشر من جمعية "إلعاد" الاستيطانية.
وأشار سكان
المنطقة إلى أن "طريق الحجاج" يندرج ضمن سلسلة مشاريع تهويدية متكاملة تشمل
إقامة حدائق توراتية ومراكز سياحية تحت الأرض، بهدف جذب السياحة اليهودية والدينية
على حساب التاريخ العربي والإسلامي للمدينة.
جمعية "إلعاد"
ودورها في المشروع
تعتبر جمعية
"إلعاد" الاستيطانية الذراع التنفيذية للمشاريع التهويدية في سلوان، ومنذ
تأسيسها، ركزت أنشطتها على السيطرة على العقارات الفلسطينية، وتمويل الحفريات الأثرية
التي يعاد توظيف نتائجها لخدمة السردية التوراتية.
وتتلقي الجمعية دعما
سخيا من الحكومة الإسرائيلية ومن أثرياء يهود في الولايات المتحدة، ما مكنها من توسيع
نفوذها في القدس.
وفي مشروع "طريق
الحجاج"، لعبت "إلعاد" دورا مركزيا في توفير التمويل والغطاء الأيديولوجي،
إذ تسوق المشروع على أنه "إعادة إحياء للتاريخ اليهودي".
بلدة سلوان.. حامية
القدس وتاريخ يمتد لآلاف السنين
تقع بلدة سلوان الفلسطينية
إلى الجنوب مباشرة من الحرم القدسي الشريف، وتُعد من أعرق مناطق القدس، إذ يعود تاريخها
إلى أكثر من خمسة آلاف عام، وكانت بمثابة النواة الأولى التي انطلقت منها المدينة المقدسة،
عرفت عبر العصور باسم "حامية القدس"، حيث شكلت موقعًا استراتيجيًا يحمي البلدة
القديمة ويمتد كقوس جنوبي ملاصق لأسوارها.
منذ احتلالها عام
1967، تتعرض سلوان لموجة متواصلة من الاستيطان والتهويد، إذ تهدد سلطات الاحتلال بإزالة
أحياء كاملة منها استنادًا إلى مزاعم توراتية تزعم أنها قامت على أطلال ما يسمى
"مدينة الملك داود"، هذه السياسات تضع أكثر من نصف أحيائها تحت خطر الهدم
والتهجير القسري، بينما يواجه سكانها خطر فقدان منازلهم وأراضيهم لصالح المشاريع الاستيطانية.
الموقع والجغرافيا
تقع سلوان بمحاذاة
المسجد الأقصى من الجهة الجنوبية، وتلاصق سور القدس الجنوبي على بعد لا يتجاوز 300
متر، ويحدها من الشمال الأقصى، ومن الغرب السفوح الجنوبية لجبل صهيون، ومن الجنوب جبل
المكبر، ومن الشرق بلدتا أبو ديس والعيزرية وجبل الطور.
وتمتد البلدة على مساحة
تقدر بنحو 5640 دونما، وتقوم على تضاريس منحدرة تتخللها عدة أودية بارزة مثل وادي حلوة
ووادي الربابة ووادي ياصول، وترتفع في المتوسط 650 مترا عن سطح البحر، وتتمتع بمناخ
البحر الأبيض المتوسط الذي يجمع بين صيف حار جاف وشتاء معتدل ممطر، بمعدل أمطار سنوي
يصل إلى 405 ملم تقريبا.
اليوم، يعيش في سلوان
قرابة 60 ألف نسمة، يتوزعون على أحياء عديدة أبرزها: وادي حلوة، وادي الربابة، وادي
ياصول، حي البستان، بئر أيوب، عين اللوزة، بطن الهوى، رأس العامود، الثوري، وصويلح.
عين سلوان كانت وما
زالت قلب الحياة في المنطقة، إذ أقام اليبوسيون تحصينات حولها وحفروا نفقا لنقل مياهها
داخل حصنهم، واستمر هذا النبع يغذي القدس لآلاف السنين، ومنه نشأت بركة سلوان الشهيرة
وفي عهد الملك حزقيا بالقرن السابع قبل الميلاد، حُفر نفق سلوان لمواجهة الحصار الآشوري،
وما زال قائمًا حتى اليوم كأثر بارز.
أما البلدة الحديثة
فقد نشأت شرقي وادي قدرون في القرن السادس عشر الميلادي، وتوسعت بشكل أكبر خلال فترة
الانتداب البريطاني، حيث لعب أهلها دورًا بارزًا في مقاومة الاحتلال. وبعد نكبة
1948 احتُل جزء من حي الثوري، بينما أُلحقت بقية البلدة بالإدارة الأردنية إلى أن سقطت
بيد الاحتلال عام 1967.
حضور أمريكيوتعكس مشاركة وزير
الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في الاحتفال دعما سياسيا واضحا للمشاريع الاستيطانية
في القدس، فرغم الانتقادات، رغم انتقاداتها العلنية أحيانا للاستيطان، تواصل توفير
غطاء سياسي لإسرائيل في المحافل الدولية.
ويأتي هذا الحدث في
لحظة حساسة، إذ من المتوقع أن تعلن دول أوروبية، بينها فرنسا، اعترافها بالدولة الفلسطينية
خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، على رأسها فرنسا وبالتالي، يمثل الاحتفال
الإسرائيلي رسالة مضادة مفادها أن القدس "موحدة تحت السيادة الإسرائيلية"،
وأن الدعم الأمريكي لهذا الموقف مستمر.
تهدد التراث الثقافيأثارت الحفريات في
سلوان انتقادات واسعة من قبل منظمات حقوقية وإنسانية حيث اعتبرت منظمة "هيومن
رايتس ووتش" أن هذه المشاريع "تنتهك القانون الدولي الإنساني لأنها تغيّر
معالم أرض محتلة"، كما أشارت تقارير اليونسكو إلى أن الحفريات تهدد التراث الثقافي
للمدينة، وتُستخدم كأداة سياسية بدلاً من كونها بحثًا علميًا نزيهًا.
ويستند الفلسطينيون
في اعتراضاتهم إلى القانون الدولي الذي يعتبر القدس الشرقية أرضًا محتلة منذ عام
1967، ويمنع سلطات الاحتلال من إجراء تغييرات جذرية في بنيتها أو تهجير سكانها أو طمس
هويتها.