منذ اتفاقية
سايكس- بيكو عام 1916 وحتى اليوم، ظل البريطاني هو العامل المشترك بين مرحلتي
التقسيم
وإعادة الهيكلة، لكن المشروع الراهن أصبح أعمق وأكثر خطورة؛ فلم يعد الهدف مجرد تقسيم
جغرافي كما كان في القرن الماضي، بل باتت إعادة التشكيل تسعى إلى تغيير سياسي واقتصادي
وهوياتي شامل، حيث أصبح الكيان الصهيوني المحرّك المركزي لتغيير ملامح
الشرق الأوسط
وإعادة رسم خرائطه.
نحن أمام مشهد
يُمهّد لإعلان "
إسرائيل الكبرى" لا ككيان جغرافي فحسب، بل كمنظومة وظيفية
تتحكم في مسارات الطاقة والممرات الحيوية من جهة، وتدير إشعال الحروب وصناعة الفوضى
من جهة أخرى. لقد مزّقت سايكس- بيكو أوصال المنطقة وجعلتها قابلة للاشتعال،
نحن أمام مشروع متكامل لإعادة هندسة المنطقة سياسيا واقتصاديا وثقافيا، حيث يُعاد تشكيل المحيط بما يخدم المركز بينما يفرض الأخير رؤيته ومنطقه وقواعده على الجميع
أما اليوم
فإن صانعي الخرائط الجدد يدّعون إطفاء الحرائق بينما يصبّون الزيت على النار لتُعاد
صياغة المشهد الإقليمي، حيث لم تعد إعادة التشكيل مقتصرة على الخرائط الجغرافية بل
امتدت إلى الخرائط الذهنية، عبر إعادة برمجة وعي الشعوب وتوجيه أولوياتها بما يخدم
المركز.
من "توماس
العرب" إلى "باراك العرب"
نحن أمام مشروع
متكامل لإعادة هندسة المنطقة سياسيا واقتصاديا وثقافيا، حيث يُعاد تشكيل المحيط بما
يخدم المركز بينما يفرض الأخير رؤيته ومنطقه وقواعده على الجميع. ولا يمكن أن نغفل
عن الذين منحوا ثقتهم سابقا لـ"توماس العرب" باسم الثورات العربية، ليُعاد
إنتاج التاريخ ذاته في نفس المناطق ونفس الدول، لكن هذه المرة عبر "باراك العرب"
تحت شعارات الاستقرار الأمني والتنمية الاقتصادية.
المعركة إذن
لم تعد فقط على الأرض، بل أصبحت معركة هوية وعقول وأرض في آن واحد، أدواتها متشابكة
ومتعددة، وكلما ارتفع منسوب الوعي وتعاظمت المقاومة اشتد الصراع أكثر حتى يبلغ ذروته.
سنن التمكين
ومعركة الوعي
المشروع الإسلامي لا يكتمل إلا ببناء المسلم القوي: القوي في عقيدته، الواعي بواقعه، المتمسك بأدوات العلم والمعرفة والاقتصاد والإعلام والسياسة
وهذا ما أكده
د. علي الصلابي في كتابه السنن الإلهية في التمكين والنصر حين تحدث عن سنة الأخذ بالأسباب،
مبيّنا أن قوله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ"
(الأنفال: 60) يشمل الإعداد الشامل المعنوي والمادي والعلمي والفقهي، والإعداد التربوي
والسلوكي، والمالي والإعلامي والسياسي والأمني والعسكري.
فالأمس ليس
كاليوم؛ صحيح أن المسلمين اليوم في أضعف حالاتهم كحكّام، لكن ليس كشعوب، إذ أصبح وعي
الشعوب أكثر يقظة وجعل تمرير هذه المشاريع أكثر صعوبة وأعلى تكلفة على صانعيها. ومن
هنا، فإن المشروع الإسلامي لا يكتمل إلا ببناء المسلم القوي: القوي في عقيدته، الواعي
بواقعه، المتمسك بأدوات العلم والمعرفة والاقتصاد والإعلام والسياسة.
إن الأخذ بالأسباب
مع الدعاء ليس نقيضا للتوكل، بل هو من تمام الإيمان والثقة في وعد الله: "إِن
تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمد: 7). بهذه المعادلة
فقط يمكن أن نواجه صفقة
بلير- كوشنر ومشاريع التفكيك، وننتصر في معركة الهوية والعقول
قبل الأرض.