وضعت الحرب على
قطاع غزة المحاصر،
الاحتلال الإسرائيلي في عزلة دولية اقتصادية، خاصة بعد أن قامت
بعض الدول بوقف التبادل التجاري أو استيراد منتجات المستوطنات.
ونشر موقع "
المركز
الروسي الإستراتيجي للثقافات" تقريرًا تناول فيه إمكانية تعرض إسرائيل لعزلة اقتصادية
تشمل قيودًا تجارية وعقوبات رمزية من دول أوروبية وشركاء تجاريين آخرين.
وقال الموقع، في تقريره
الذي ترجمته "
عربي21"، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أطلق
تحذيرًا غير مسبوق بشأن مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي، مؤكدًا أن دولته تواجه عزلة اقتصادية
متنامية قد تفرض عليها إعادة هيكلة شاملة لاقتصادها والاعتماد على نموذج يقوم على الاكتفاء
الذاتي.
ونقلت صحيفة
"ذا تايمز أوف إسرائيل" عن نتنياهو قوله، خلال اجتماع عقد في وزارة المالية
بالقدس في 15 أيلول/ سبتمبر: "إسرائيل تعيش في حالة من العزلة"، مشيرًا إلى
أن الحكومة "قد تضطر إلى تبني اقتصاد يعتمد على الاكتفاء الذاتي والتأقلم مع واقع
جديد يقلّص الاعتماد على التجارة الخارجية".
ويضيف الموقع أن نتنياهو
شدّد على أن الأولوية القصوى ستكون ضمان الجاهزية الدفاعية لإسرائيل، محذّرًا من احتمال
فرض قيود على التعاون الدفاعي مع شركاء أجانب: "قد نواجه وضعًا يتم فيه حظر قطاعاتنا
الدفاعية، وعلينا تطوير هذه الصناعات محلياً، ليس على مستوى البحث والتطوير فحسب، بل
أيضًا بامتلاك القدرة على إنتاج ما نحتاجه داخل البلاد".
ألقى رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باللوم على التحولات الديموغرافية في أوروبا، معتبرًا أن
تزايد أعداد المسلمين هناك يدفع عددًا من الساسة الأوروبيين إلى تبني مواقف أكثر تشددًا
تجاه إسرائيل، وصولًا إلى فرض قيود على التعاون التجاري معها.
ووفقًا لبيانات رسمية؛
تتراوح نسبة المسلمين في السويد وفرنسا والنمسا بين 8 و9 في المئة، بينما تتجاوز 6
في المئة في كل من ألمانيا وبريطانيا، وتصل إلى أكثر من 25 في المئة في قبرص. غير أن
الانتقادات الموجهة لإسرائيل لا تقتصر على المسلمين، بل يشارك فيها قطاع واسع من الرأي
العام الأوروبي، بمن فيهم مواطنون من أصول يهودية.
وخلال الأشهر الأخيرة؛
شهد قطاع غزة دمارًا واسع النطاق جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية، حيث تشير تقديرات
إلى تدمير ما يصل إلى 90 بالمئة من المساكن، كما شنت إسرائيل ضربات جوية استهدفت أراضي
دول مثل سوريا ولبنان وإيران وقطر، ما وسّع من دائرة الانتقادات الدولية.
ودفع هذا الوضع
حتى أكثر الساسة الأوروبيين اعتدالًا إلى التحذير من أن إسرائيل تجاوزت مرحلة
"الدفاع عن النفس" وانتقلت إلى سياسات توصف بأنها هجومية وتؤدي إلى
"كارثة إنسانية". وذكرت وكالة بلومبرغ في وقت سابق من هذا العام أن دولاً
أوروبية، من بينها ألمانيا وبريطانيا وهولندا وفرنسا، تدرس فرض عقوبات تجارية على إسرائيل
وقيودًا على صادرات السلاح إليها.
وذكر الموقع أن تركيا
باتت المثال الأبرز الذي يستشهد به السياسيون الأوروبيون في مواقفهم تجاه إسرائيل،
بعد أن اتخذت أنقرة سلسلة من الخطوات الاقتصادية التصعيدية ضد تل أبيب. فبين السابع
من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 والثاني من أيار/ مايو 2024، خفضت تركيا حجم تجارتها مع
إسرائيل بنحو 30 في المئة. وفي التاسع من نيسان/ أبريل 2024، علّقت أنقرة تصدير
1019 سلعة إلى إسرائيل تغطي 54 فئة مختلفة.
ورغم أن الرئيس التركي
رجب طيب أردوغان كان قد أعلن في ربيع 2024 أن بلاده ستوقف التجارة مع إسرائيل بشكل
كامل، إلا أن التبادل التجاري استمر جزئيًّا حتى نهاية الصيف. غير أن الموقف التركي
تصاعد مجدداً في 29 آب/ أغسطس من هذا العام، حيث أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان
عن قطع العلاقات التجارية بالكامل، قائلاً: "لقد أغلقنا موانئنا أمام السفن الإسرائيلية،
ولا نسمح لسفننا بدخول الموانئ الإسرائيلية. وأؤكد أنه لا توجد دولة أخرى أوقفت تجارتها
مع إسرائيل بشكل كامل مثلما فعلنا".
وأورد الموقع أن الضربات
الجوية الإسرائيلية على قطر في التاسع من أيلول/ سبتمبر أدت إلى جولة جديدة من النقاشات
داخل أوروبا حول فرض عقوبات على تل أبيب.
وخلال جلسة للبرلمان
الأوروبي في ستراسبورغ في العاشر من أيلول / سبتمبر، صرّحت رئيسة المفوضية الأوروبية
أورسولا فون دير لاين بإمكانية فرض عقوبات على مسؤولين إسرائيليين "يتبنون مواقف
متطرفة"، بحسب تعبيرها. كما أعلنت، وفق ما نقلته صحيفة "جيروزاليم بوست"عن
"تعليق جزئي" لاتفاقية الشراكة الموقعة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل على
خلفية الأوضاع في قطاع غزة. غير أن تفعيل هذه العقوبات يتطلب موافقة ما لا يقل عن
15 من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، وهو أمر قد يواجه عقبات
سياسية، حيث أشارت الصحيفة إلى أن ضمان حشد هذا التأييد ليس أمرًا مؤكدًا.
وأشار الموقع إلى أنه
على الرغم من تصاعد الانتقادات الدولية للسياسات الإسرائيلية، لا تزال العقوبات الاقتصادية
الواسعة النطاق، مثل فصل البنوك الإسرائيلية عن نظام سويفت أو تجميد الاحتياطيات النقدية
أو فرض حظر شامل على الصادرات والواردات خارج دائرة التطبيق العملي في الوقت الراهن.
وحتى الآن، اقتصرت
الإجراءات على قيود رمزية وتحذيرات سياسية محدودة؛ فقد رفضت بريطانيا مشاركة إسرائيل
في معرض للأسلحة على أراضيها، وفرضت فرنسا قيودًا مماثلة على مشاركة الشركات الإسرائيلية
في معرضها الوطني للصناعات الدفاعية. وفي خطوة احتجاجية في المجال الثقافي، أعلنت إيرلندا
أنها ستقاطع مسابقة "يوروفيجن 2026" إذا سُمح بمشاركة ممثل عن إسرائيل.
من جانبها اتخذت إسبانيا
موقفًا تصعيديًّا غير مسبوق تجاه إسرائيل، حيث أعلنت في 8 أيلول/ سبتمبر حظر جميع صادرات
الأسلحة والذخائر والمواد العسكرية إليها، كما حظرت مرور السفن المحملة بالوقود المخصص
للقوات المسلحة الإسرائيلية عبر موانئها، ومنعت دخول الطائرات المحملة بالمواد العسكرية
إلى المجال الجوي الإسباني. بالإضافة إلى ذلك، فرضت مدريد قيودًا على استيراد المنتجات
القادمة من الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل إسرائيل.
ويبدو أن رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرى في هذه الخطوة مؤشرًا محتملًا على أن دولًا أوروبية
أخرى قد تحذو حذو إسبانيا، ما قد ينعكس سلبًا على الاقتصاد الإسرائيلي.
ويصعب تصور قدرة إسرائيل
على العيش في ظل اقتصاد يعتمد بالكامل على الاكتفاء الذاتي، كما اقترح رئيس الوزراء
بنيامين نتنياهو كونها دولة صغيرة، تبلغ مساحتها نحو 20,770 كيلومترًا مربعًا، ويقدر
عدد سكانها بحوالي 10 ملايين نسمة وتفتقر إلى الموارد الطبيعية الكبيرة، حيث تقتصر
ثروتها على بعض احتياطيات النفط الصخري وموارد الغاز الطبيعي البحرية. وبغياب الاستيراد
والتصدير؛ من غير الممكن للاقتصاد الإسرائيلي الصمود لأكثر من عام واحد تقريبًا.
ويشير السيناريو الأكثر
تشاؤماً لإسرائيل إلى احتمال قيام دول الاتحاد الأوروبي وشركائها التجاريين التقليديين
بفرض قيود أو حظر على التجارة معها، مع استثناء الولايات المتحدة التي تعتبر الدعامة
الأساسية لتل أبيب. وتثق السلطات الإسرائيلية بأن واشنطن لن تفرض أي عقوبات تجارية،
إذ تدعم إسرائيل ليس فقط عبر التجارة - التي تعاني فيها الدولة عجزًا مزمنًا - بل أيضًا
عبر المساعدات العسكرية.
وفي حال تحقق السيناريو
المتمثل في فرض
عقوبات أوروبية أو
قيود تجارية من شركاء آخرين، من المتوقع أن تعوّض
الولايات المتحدة جزئيًّا الخسائر الاقتصادية لإسرائيل، ما يعزز اعتماد تل أبيب على
الدعم الأمريكي لمواجهة الضغوط الدولية المتصاعدة.
وبحسب الموقع؛ فعلى
الرغم من اعتماد إسرائيل الكبير على الدعم الأمريكي، لا يمكن استبعاد السيناريو الأكثر
تشاؤمًا، إذ أن النفوذ المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة ليس مطلقًا ولا دائمًا
أو مستمرًا؛ فقد فرض الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في سنة 2009 حظرًا عمليًّا
على تزويد إسرائيل بالأسلحة، حيث حجب جميع الطلبات الكبيرة لتوريد الأسلحة، بما في
ذلك مشاريع أساسية وبرامج تحديث وربط بيع الأسلحة بتقدم عملية السلام. وكان هذا الإجراء
سرّيًّا إلى حد كبير، حتى عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان يخشى
أن يؤدي هذا الموقف إلى محاكاة دول أخرى لحصار إسرائيل.
واعتبرت العديد من
وسائل الإعلام الأمريكية يوم 31 تموز/ يوليو الماضي نقطة تحول مهمة تُظهر تراجع الدعم
التاريخي ثنائي الحزب لإسرائيل داخل الكونغرس. وجاء ذلك بعد تقديم السيناتور المستقل
بيرني ساندرز، المنتمي إلى صفوف الديمقراطيين، مشروع قرار لمراجعة المساعدات الأمريكية
لإسرائيل، وأظهرت نتائج التصويت تأييد 27 سيناتورًا ديمقراطيًّا للقرار مقابل معارضة
17 آخرين، فيما رفض جميع أعضاء الحزب الجمهوري المشروع، ما حال دون إقراره. ومع ذلك؛
يشير المحللون إلى أن موقف الديمقراطيين لا يعني رفضهم إسرائيل كدولة، بل يعكس معارضتهم
الشديدة لسياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مما يبرز انقسامًا واضحًا بين الدعم
التقليدي لإسرائيل والسياسات الحكومية الحالية.
في ختام التقرير نوه
الموقع بأن استمرار نتنياهو في سياسات العدوان والعنف ضد الفلسطينيين والدول العربية
المجاورة يزيد من احتمالات فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل من قبل الدول الأوروبية
ودول أخرى.