تستضيف العاصمة
القطرية الدوحة، اليوم
الاثنين،
قمة عربية–إسلامية طارئة بدعوة من قطر، عقب الغارة
الإسرائيلية التي
استهدفت أحد أحيائها مساء السبت، وأسفرت عن مقتل خمسة من قادة حركة حماس وضابط
أمني قطري.
ويُنتظر أن تبحث القمة، التي سبقها اجتماع
لوزراء الخارجية، صياغة موقف موحّد إزاء الاعتداء الذي اعتُبر خرقًا مباشرًا
لسيادة دولة عربية طالما لعبت دور الوسيط في النزاعات.
الحدث يكتسب أهمية خاصة لكونه يتجاوز حدود
الصراع في غزة، ليضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع دولة عربية ذات حضور سياسي
ودبلوماسي فاعل. ومن هنا، يتوقع أن لا تقتصر مداولات القمة على لغة الشجب
المعتادة، بل أن تطرح خيارات أكثر صرامة، مثل اللجوء الجماعي إلى المؤسسات
الدولية، أو التنسيق في مجلس الأمن، وربما اتخاذ خطوات دبلوماسية مثل استدعاء
سفراء وتجميد اتفاقات.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل تكون هذه
القمة مختلفة عن عشرات القمم السابقة التي انعقدت على وقع اعتداءات إسرائيلية
دامية؟
تاريخ طويل من القمم والبيانات
منذ هزيمة 1967، اعتادت العواصم العربية
والإسلامية أن تستضيف اجتماعات استثنائية كلما وقع
عدوان جديد. ففي قمة الخرطوم
عقب حرب حزيران/ يونيو، أعلن القادة العرب ما عُرف بـ”اللاءات الثلاث” (لا سلام،
لا اعتراف، لا مفاوضات). ورغم قوة الموقف لفظيًا، ظل حبيس الشعارات، بعدما بددت
الانقسامات العربية أي إمكانية لتحويله إلى سياسة عملية.
تكرر المشهد في العقود التالية، مع كل حرب
على غزة أو مجزرة في القدس. وفي كثير من المرات خرجت القمم ببيانات مُحكمة اللغة،
لكنها بقيت في دائرة الإدانة والدعوة. حتى عندما حاولت قمة القاهرة في آذار/ مارس
2025 تجاوز هذا النمط، بإقرار خطة ضخمة لإعادة إعمار غزة بقيمة 53 مليار دولار،
سرعان ما اصطدمت بالتباطؤ في التنفيذ وبشبكة معقدة من التحفظات والانقسامات.
اختبار التنفيذ لا البيان
الدوحة اليوم تحمل ورقة قوية تجعلها مختلفة
عن كثير من السوابق: فهي ليست مجرد داعم للقضية الفلسطينية، بل ضحية مباشرة
لاعتداء إسرائيلي، ما يمنحها شرعية أوسع للمطالبة بإجراءات ملموسة. غير أن العقبات
لا تزال قائمة: دول ارتبطت باتفاقات تطبيع مع إسرائيل، أخرى تخشى تداعيات اقتصادية
وأمنية لأي تصعيد، فضلًا عن الضغوط الدولية التي قد تحدّ من سقف البيان الختامي.
التجربة التاريخية تُظهر أن ما يضعف القمم
ليس ضعف الكلمات، بل غياب الأفعال. لذلك، فإن نجاح قمة الدوحة لن يُقاس بحدة
خطابها، بل بقدرتها على فرض أجندة قابلة للتنفيذ ومتابعة زمنية محددة. وإن تحقق
ذلك، قد تشكل القمة نقطة انعطاف تُعيد إلى الاجتماعات العربية–الإسلامية بعضًا من
هيبتها المفقودة، وتفتح الباب أمام مسار جديد في إدارة الصراع مع إسرائيل.
رهانات الشارع العربي والفلسطيني
في الشارع العربي والفلسطيني، تبدو التوقعات
حذرة. فالكثيرون اعتادوا بيانات قوية لا يتبعها تغيير ملموس على الأرض، لكنهم في
الوقت نفسه يرون في قمة الدوحة اختبارًا جديدًا لجدية القيادات. الفلسطينيون،
الذين يدفعون الثمن الأكبر من الدم والحصار، يأملون أن تنتقل الكلمات هذه المرة
إلى قرارات تحميهم عمليًا، وتضع إسرائيل تحت ضغط سياسي وقانوني فعلي. أما الرأي
العام العربي، فينتظر من القمة أن تستعيد شيئًا من المصداقية المفقودة للمنظومة
العربية–الإسلامية، وأن تثبت أن الاعتداء على قطر لن يمر كما مرّت اعتداءات سابقة.
ويبقى السؤال الأبرز: هل تكسر الدوحة اليوم
حلقة البيانات المعتادة، أم تُعيد إنتاجها بلغة أشد دون أثر يُذكر؟