13-
الثقافة والهوية المصرية كميزة تنافسية عالمية
في
ظل التحديات الاقتصادية المعاصرة والحاجة الملحة لبناء نموذج اقتصادي إسلامي أصيل،
تبرز مصر كنموذج فريد يجمع بين العمق التاريخي والمكانة الدينية المتميزة. من جامع
عمرو بن العاص الذي شهد فجر الإسلام في مصر، إلى جامع
الأزهر الذي تخرج منه علماء الأمة
وفقهاؤها، ومن المساجد الأثرية التي تحكي تاريخ الحضارة الإسلامية في مصر، إلى المعاهد
الأزهرية المنتشرة في ربوع الأرض المصرية، إلى جانب معالم التاريخ المصري العريق من
الحضارة الفرعونية والتراث القبطي والثقافة الشعبية الأصيلة؛ تمتلك مصر رصيدا حضاريا
إسلاميا ثريا يمكن أن يكون أساسا قويا لنموذج اقتصادي إسلامي رائد.
كيف
يمكن لمصر بوصفها قلب العالم الإسلامي النابض ومنارة العلم الشرعي، أن تحول هذا الثراء
الثقافي والديني إلى قوة اقتصادية حقيقية؟ وكيف يمكن استثمار مكانتها الدينية والحضارية
المتفردة في بناء اقتصاد إسلامي متطور يحقق التنمية المستدامة ويعزز القيم الإسلامية؟
إن
هذه التساؤلات تمثل أولوية حضارية ملحة في زمن تتسارع فيه وتيرة التنمية الاقتصادية
وتتنافس الأمم على الريادة. فبينما تحقق الصناعات الثقافية والإبداعية في العالم عائدات
ضخمة، تحتاج الأمة الإسلامية إلى نماذج اقتصادية أصيلة تنطلق من قيمها وثوابتها وتحقق
النهضة المنشودة. ومصر، بثقلها الديني والثقافي ومكانتها المتميزة في العالم الإسلامي،
مدعوة لتكون رائدة في هذا المجال.
بينما تحقق الصناعات الثقافية والإبداعية في العالم عائدات ضخمة، تحتاج الأمة الإسلامية إلى نماذج اقتصادية أصيلة تنطلق من قيمها وثوابتها وتحقق النهضة المنشودة. ومصر، بثقلها الديني والثقافي ومكانتها المتميزة في العالم الإسلامي، مدعوة لتكون رائدة في هذا المجال
في
هذا المقال نبحث كيف يمكن استثمار المقومات الحضارية والثقافية المصرية أن تكون محورا
لجذب الاستثمارات وتطوير صناعات ثقافية إسلامية رائدة.
رأس
المال الثقافي المصري المتنوع
تمتلك
مصر رصيدا حضاريا وثقافيا متنوعا يمثل ثروة حقيقية لم تُستثمر بالشكل الأمثل بعد، وهو
رأس مال ثقافي فريد يمكن أن يكون أساسا قويا للتنمية الاقتصادية الإسلامية المستدامة.
هذا التنوع الثقافي الثري يشمل أبعادا متعددة تتكامل لتشكل
هوية مصرية متفردة قادرة
على المنافسة في الأسواق العالمية.
يأتي
التراث الإسلامي في مقدمة المقومات الثقافية المصرية، حيث يمثل الأزهر الشريف أعرق
الجامعات الإسلامية في العالم ومنارة العلم الشرعي لأكثر من ألف عام. هذه المكانة الدينية
الفريدة تجعل من مصر مرجعية إسلامية عالمية تحظى بالاحترام والثقة في جميع أنحاء العالم
الإسلامي.
المساجد
التاريخية العريقة مثل جامع عمرو بن العاص -أول مسجد بني في أفريقيا- وجامع ابن طولون
بطرازه المعماري الفريد، وجامع السلطان حسن الذي يعد تحفة معمارية إسلامية، تشكل جميعها
كنوزا تاريخية ودينية تجذب المسلمين من جميع أنحاء العالم.
الأزهر
الشريف وحده يستقبل سنويا آلاف الطلاب من أكثر من 100 دولة إسلامية، مما يجعله مركزا
عالميا للتعليم الإسلامي والثقافة الإسلامية. هذا التدفق المستمر للطلاب والعلماء والزوار
من العالم الإسلامي يمثل فرصة اقتصادية هائلة لم تُستغل بالشكل الأمثل حتى الآن.
التراث
الفكري الإسلامي في مصر يتضمن إنتاج علماء ومفكرين أثْرَوا الثقافة الإسلامية عبر التاريخ،
من الإمام الشافعي إلى علماء العصر الحديث، مما خلق مخزونا فكريا وثقافيا ضخما يمكن
الاستفادة منه في تطوير صناعات ثقافية إسلامية معاصرة.
تحتل
الحضارة الفرعونية مكانة خاصة في التراث الإنساني، فالأهرامات وأبو الهول والمعابد
الفرعونية تعد من عجائب الدنيا التي تجذب ملايين الزوار سنويا من جميع أنحاء العالم.
هذا التراث الفرعوني يمثل أيقونات عالمية معترف بها دوليا ولها قيمة تسويقية واقتصادية
هائلة.
الآثار
الفرعونية المنتشرة في جميع أنحاء مصر، من الأقصر وأسوان في الجنوب إلى الإسكندرية
في الشمال، تشكل متحفا مفتوحا يحكي قصة حضارة عظيمة امتدت لآلاف السنين. المتحف المصري
الكبير والمتاحف المختلفة تضم كنوزا أثرية لا تقدر بثمن، تجذب الباحثين والسياح من
جميع أنحاء العالم.
ويمثل
التراث القبطي في مصر جزءا مهما من النسيج الثقافي المصري، حيث تضم مصر العديد من الكنائس
والأديرة التاريخية العريقة التي تعود لقرون مضت. هذا التراث يشهد على قيم التعايش
والتسامح التي تميز المجتمع المصري عبر التاريخ.
الفن
القبطي والمخطوطات والتحف الأثرية القبطية تحمل قيمة تاريخية وثقافية كبيرة، وتجذب
اهتمام الباحثين والمهتمين بالتاريخ المسيحي المبكر من جميع أنحاء العالم. كما تشكل
المناطق الأثرية القبطية في مصر القديمة ودير سانت كاترين في سيناء مقاصد سياحية مهمة.
وتمثل
الثقافة المصرية المعاصرة ريادة إقليمية وعالمية، حيث تعتبر مصر رائدة الإنتاج السينمائي
والدرامي في العالم العربي منذ بداية القرن العشرين، والأفلام والمسلسلات المصرية وصلت
إلى جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي، وشكلت جزءا مهما من الوجدان العربي والإسلامي.
هذه الصناعة تمتلك إمكانات هائلة للنمو والتطوير، خاصة مع تزايد الطلب على المحتوى
العربي والإسلامي النظيف الذي يتوافق مع القيم الإسلامية ويخدم أهداف الأمة في النهضة
والتقدم.
ويعتبر
المطبخ المصري جزءا مهما من الهوية الثقافية، ويحظى بشعبية واسعة في العالم العربي
والإسلامي. الأكلات الشعبية المصرية والحلويات التقليدية تمثل فرصة لتطوير صناعات غذائية
تراثية ومطاعم تقدم الطعام المصري الأصيل.
لكن
رغم هذا الثراء الثقافي الهائل، إلا أن الاستثمار في هذه المقومات لا يزال دون المستوى
المأمول. معظم هذا التراث يُدار بطريقة تقليدية تركز على الحفاظ أكثر من التطوير الاقتصادي،
كما أن آليات التسويق العالمي والاستفادة التجارية من هذا التراث تحتاج إلى تطوير كبير.
استراتيجيات
تحويل الهوية إلى ميزة تنافسية
تحويل
الثقافة والهوية المصرية إلى ميزة تنافسية عالمية يتطلب استراتيجيات محددة تأخذ في
اعتبارها المبادئ الإسلامية. هذه الاستراتيجيات يجب أن تكون قائمة على أسس شرعية صحيحة
وفي نفس الوقت تحقق المصالح الاقتصادية
وتمتلك
مصر إمكانات استثنائية في مجال
السياحة خاصة الإسلامية التي تشهد نموا عالميا متسارعا.
ولم يعد السائح يبحث عن مجرد مشاهدة المعالم، بل يريد تجربة تشبع روحه:
-
تطوير مسارات سياحية إسلامية متكاملة تبدأ من جامع عمرو بن العاص وتشمل الأزهر الشريف
والمساجد التاريخية والمتاحف الإسلامية، مع تقديم خدمات إرشادية متخصصة تقدم المعلومات
التاريخية والدينية بطريقة علمية وموثقة؛ يمكن أن يجذب ملايين الزوار سنويا. كما يمكن
تطوير برامج الإقامة الطلابية للوافدين إلى الأزهر، حيث يمكن إنشاء مجمعات سكنية وثقافية
متكاملة تخدم الطلاب الوافدين وتوفر لهم بيئة مناسبة للدراسة والعيش، مما يخلق قطاعا
اقتصاديا متكاملا يشمل الإسكان والطعام والمواصلات والخدمات التعليمية المساندة.
- السياحة الحلال تمثل أحد أسرع القطاعات السياحية نموا في العالم،
حيث تستهدف المسلمين الذين يبحثون عن وجهات سياحية تتوافق مع قيمهم الدينية. مصر يمكنها
أن تكون وجهة رائدة في هذا المجال من خلال تطوير منتجعات ومرافق سياحية حلال تراعي
الضوابط الشرعية في التصميم والخدمات، وخدمات طعام حلال متنوعة، وبرامج ترفيهية تتوافق
مع القيم الإسلامية، وإنشاء مراكز إسلامية تستضيف الفعاليات والمؤتمرات الدينية والثقافية
والاقتصادية للمؤسسات الإسلامية العالمية، مما يجذب آلاف المشاركين سنويا ويحقق عائدات
اقتصادية مهمة.
- السياحة التعليمية الدينية تشكل فرصة مميزة لتطوير برامج تستهدف المسلمين
الراغبين في التعلم والاستزادة من العلوم الشرعية. ومن ذلك برامج الدورات الشرعية قصيرة
المدى للزوار من الخارج، إلى جانب تنظيم رحلات علمية تراثية تجمع بين زيارة المعالم
الإسلامية والتعلم من تاريخ الحضارة الإسلامية في مصر، مع توفير مرشدين متخصصين في
التاريخ الإسلامي.
- الصناعات الثقافية والإبداعية الإسلامية: يمكن لمصر أن تكون مركزا
عالميا لإنتاج المحتوى الإسلامي المتنوع الذي يخدم المسلمين في جميع أنحاء العالم.
وإنتاج أفلام ومسلسلات إسلامية هادفة تقدم القيم الإسلامية بطريقة عصرية وجذابة، بأسلوب
سينمائي راق يتوافق مع الضوابط الشرعية؛ يمكن أن يلبي حاجة ملحة في السوق الإسلامية
العالمية التي تفتقر لهذا النوع من المحتوى الجيد.
- تطوير محتوى رقمي تعليمي يشمل التطبيقات الإسلامية والمواقع التعليمية
والمنصات الرقمية التي تقدم المعرفة الإسلامية بطرق تفاعلية حديثة، يمكن أن يصل إلى
ملايين المسلمين حول العالم، خاصة الأجيال الجديدة التي تفضل التعلم عبر الوسائل الرقمية،
وإنشاء استوديوهات متخصصة في المحتوى الإسلامي تستقطب المواهب من العالم الإسلامي لإنتاج
أعمال تلبي احتياجات الجمهور المسلم العالمي، وتطوير صناعة نشر إسلامية متقدمة تشمل
ترجمة الكتب الإسلامية المهمة إلى لغات مختلفة ونشرها عالميا، وإنتاج موسوعات إسلامية
رقمية تجمع التراث الإسلامي وتقدمه بطريقة منظمة وسهلة الوصول للباحثين والمهتمين في
العالم.
-
الصناعات التراثية والحرفية: إحياء وتطوير الحرف الإسلامية التقليدية يمثل فرصة اقتصادية
مهمة، وفن الخط العربي والزخرفة الإسلامية يمكن تحويلهما إلى منتجات تجارية راقية،
مثل اللوحات الفنية والتصاميم الداخلية التي تحمل آيات قرآنية وأحاديث نبوية بخطوط
جميلة. وكذلك صناعة السجاد والمنسوجات التي تحمل زخارف إسلامية تقليدية، وإنتاج المشغولات
المعدنية والخشبية التي تحمل طابعا إسلاميا أصيلا، مثل المباخر والمصابيح وقطع الديكور
الإسلامي، وتطوير منتجات تجمع بين الأصالة والمعاصرة مثل تصميم ملابس إسلامية عصرية
تراعي آداب اللباس في الإسلام وتجمع بين الأناقة والالتزام بالضوابط الشرعية، وإنتاج
العطور الطبيعية التي تستخدم المواد التقليدية المذكورة في السنة النبوية مثل المسك
والعود والورد، وصناعة المجوهرات الإسلامية التي تحمل رموزا إسلامية مقبولة شرعيا وتتميز
بالذوق الرفيع والجودة العالية.
- الاستثمار في التسويق والتقنيات الحديثة: بناء العلامة التجارية المصرية
الإسلامية يتطلب تطوير هوية بصرية متميزة تجمع بين الأصالة الإسلامية والحداثة، وتعكس
قيم التسامح والوسطية التي تتميز بها مصر، وكذلك إنشاء علامات تجارية مصرية تحمل الطابع
الإسلامي وتنافس في الأسواق العالمية، مثل صنع في مصر- بلد الأزهر، كعلامة جودة للمنتجات
الإسلامية.
- تطوير استراتيجيات تسويقية متخصصة تستهدف الأسواق الإسلامية في آسيا
وأفريقيا والعالم العربي، مع التركيز على القيم المشتركة والهوية الإسلامية الجامعة،
والمشاركة في المعارض والمؤتمرات الإسلامية العالمية، وإنشاء مراكز تجارية متخصصة في
العواصم الإسلامية لعرض وتسويق المنتجات الثقافية والتراثية المصرية، مع استخدام التقنيات
الرقمية الحديثة في عرض التراث الإسلامي المصري باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي،
وإنشاء منصات رقمية تفاعلية تقدم المحتوى الإسلامي بطرق مبتكرة وجذابة للأجيال الجديدة،
وإنشاء منصات تجارة إلكترونية متخصصة في المنتجات الإسلامية والتراثية المصرية تستهدف
المسلمين في جميع أنحاء العالم، وتطوير أنظمة دفع إسلامية تتوافق مع أحكام الشريعة
وتسهل التجارة مع العالم الإسلامي.
هذه
الاستراتيجيات تهدف إلى تحويل الهوية الثقافية المصرية إلى قوة اقتصادية حقيقية، مع
الحفاظ على القيم الإسلامية.
كيف
تستفيد مصر من تجارب معاصرة؟
بينما
تبحث مصر عن بصمتها الخاصة في استثمار تراثها الإسلامي، يمكنها أن تستلهم الإجابة من
نماذج نجحت في تحويل هويتها الثقافية والإسلامية إلى قوة اقتصادية ناعمة آسرة. لسنا بصدد النسخ، بل الاقتباس الذكي والتطوير.
في
ماليزيا أصبحت الحلال علامة عالمية، ولم تكن كلمة حلال تعني فقط الطعام، بل تحولت في
ماليزيا إلى منظومة اقتصادية كاملة. أنشأت هيئة معيارية واحدة موثوقة عالميا، وأصبحت
العاصمة كوالالمبور عاصمة العالم للتمويل الإسلامي. مصر يمكنها أن تفعل أكثر، فبينما
ركزت ماليزيا على التمويل والطعام، يمكن لمصر أن تطلق علامة مصر الثقافية التي تضمن
لأي منتج (من سينما إلى حرف يدوية إلى سياحة) أنه أصيل، عالي الجودة، ومستلهم من روح
الحضارة الإسلامية. يمكن للأزهر أن يكون القلب المعرفي لهذه العلامة، مما يمنحها مصداقية
عالمية.
وتركيا
التي صنعت التاريخ عبر الدراما، واستطاعت أن تغزو العالم ليس بالجيوش، بل بالمسلسلات،
فحولت تاريخ السلاطين العثمانيين إلى سردية درامية مشوقة، جذبت مئات الملايين من الصين
إلى أمريكا اللاتينية. لكنهم لم يقدموا تاريخا فقط، بل قدموا قيما: الشجاعة، العدالة،
التضامن الأسري التي تتوافق مع القيم الإسلامية والعالمية.
مصر
تمتلك مخزونا قصصيا هائلا لا يقل إثارة: عمرو بن العاص، صلاح الدين، علماء مثل ابن
الهيثم وابن سينا، فضلا عن الأنبياء الذين مروا بمصر أو قطنوا فيها، إضافة للتاريخ
الفرعوني الحقيقي. المطلوب هو جرأة إنتاجية واستثمار في سرد هذه القصص بجودة بصرية
عالية ولغة عالمية.
التحديات
وكيفية إدارتها
ورغم
كل هذه الإمكانات الهائلة، إلا أن الطريق نحو تحويل تراثنا الإسلامي إلى قوة ناعمة
يواجه عدة تحديات حقيقية، لكن لكل تحدي حلوله الإبداعية:
- الصور النمطية عن الثقافة الإسلامية، ما زال العالم يعاني من صور
نمطية مشوهة عن الإسلام والثقافة الإسلامية. ويمكن مواجهتها بـالدبلوماسية الثقافية
الذكية؛ عبر إنتاج محتوى هادف بلغات متعددة، يستهدف الشباب العالمي على منصات التواصل
الاجتماعي، يظهر جماليات العمارة الإسلامية، وروائع الشعر والصوفية، وإسهامات العلماء
المسلمين في الحضارة الإنسانية. لن نخاطب العالم بلغة الخطاب المباشر، بل بلغة الجمال
والفن والإبداع.
- الموازنة بين الأصالة والمعاصرة: كيف نقدم منتجا يحافظ على الأصالة
ولا يغفل عن مواكبة العصر؟ عبر الابتكار الجذري الذي لا يمس الجوهر لكنه يجدد الشكل،
تصميم أزياء من التراث لكنها عصرية، تطوير تطبيقات تفاعلية للواقع المعزز داخل المساجد
التاريخية، صناعة محتوى "games" عن الرحالة المسلمين. الأصالة ليست التقييد
بالماضي، بل هي الهوية التي تظهر في كل منتج معاصر.
- غياب الرؤية الموحدة والقيادة المشتركة: من سيكون ربان السفينة؟ هل
سترسو على شاطئ وزارة السياحة أم الثقافة أم الأوقاف؟ أم ستبقى تتأرجح في بحر من التنسيقات
الضعيفة بين الجهات؟ التحدي الحقيقي هو إنشاء هيئة سيادية واحدة ذات رؤية موحدة وموازنة
خاصة وصلاحيات استثنائية، تكون مسؤولة عن تحويل هذا الحلم إلى خريطة طريق قابلة للتنفيذ،
بدلا من تشرذم الجهود في مبادرة هنا وآخر هناك.
التحديات ليست سوى حواجز مؤقتة في طريق طويل، لكنها تذكرة بأن قيمة تراثنا تستحق منا الجهد والابتكار لتحويله من تراث نحميه في المتاحف إلى قوة اقتصادية ناعمة تضع مصر في مكانها الطبيعي كقائدة للعالم الإسلامي ثقافيا واقتصاديا
- فجوة الكفاءة: أفكار عصرية بآليات تقليدية، فلدينا تراث يخطف الأبصار،
ولكن هل نمتلك القدرة على تسويقه باللغة التي يفهمها العالم؟ التحول من الحفاظ على
التراث إلى صناعة التراث يتطلب مهارات جديدة: مسوقين عالميين يفككون شيفرة الثقافة
الإسلامية، منتجين مبدعين يصنعون محتوى ينافس في نتفليكس، ومصممين يحولون النقوش الإسلامية
إلى منتجات فاخرة. السؤال المحوري: من أين نأتي بهؤلاء؟ النظام التعليمي التقليدي لا
ينتجهم.
- الإطار الشرعي: كيف نبتكر دون تجاوز؟ كيف نصنع فيلما عن تاريخ مصر
الإسلامي دون إثارة خلافات مذهبية؟ كيف نطبع آية قرآنية على منتج فاخر بطريقة تحترم
قدسية النص؟ نحن بحاجة إلى هيئة شرعية عليا للاقتصاد الإبداعي، تقدم شهادة مطابقة وكودا
إرشاديا للمنتج الثقافي، تطمئن المستثمر وتؤكد للمستهلك أن ما يشتريه ليس مجرد منتج،
بل هو هوية متجسدة.
- الوحل البيروقراطي: كيف ننقذ الأفكار من الروتين؟ أكبر خطر على أي
حلم هو الأوراق والمعاملات. كيف لشاب طموح أن يؤسس استوديو للرسوم المتحركة الإسلامية
وهو غارق في تراخيص لا تنتهي؟ التحدي هو إقامة مناطق اقتصادية إبداعية ذات نافذة وحيدة
تمنح التراخيص في أسابيع، ليس سنوات. البيئة السلسة هي التي تلد الابتكار، أما البيئة
المعقدة فتلد الإحباط.
- منافسة القوى الناعمة العالمية، تركيا وماليزيا والإمارات دخلت بقوة
في سوق الاقتصاد الإسلامي والثقافي. لا ننافسهم بنفس المنتج، بل نتميز بـالتميز التنافسي.
نحن نمتلك عمقا تاريخيا لا مثيل له: الأزهر الشريف، القاهرة التاريخية، الحِرف اليدوية
الموروثة. علينا أن نراهن على الجودة العالية والعمق الثقافي بدلا من الكم، وأن نصنع
تحالفات استراتيجية مع هذه الدول بدلا من المنافسة المباشرة.
- حماية الملكية الفكرية لتراثنا: كيف نحمي تصميماتنا وأفكارنا من السرقة
والاستغلال التجاري غير المشروع؟ عبر إنشاء سجل وطني للتراث الثقافي المصري يسجل كل
الرموز والأنماط والفنون الإسلامية المميزة، ووضع قوانين رادعة للاستخدام التجاري غير
المرخص، مع تطوير نظام للتراخيص الدولية للمؤسسات التي تريد استخدام رموزنا التراثية
في منتجاتها، مما يحمي التراث ويخلق مصدرا جديدا للدخل.
وللعلم:
هذه التحديات ليست سوى حواجز مؤقتة في طريق طويل، لكنها تذكرة بأن قيمة تراثنا تستحق
منا الجهد والابتكار لتحويله من تراث نحميه في المتاحف إلى قوة اقتصادية ناعمة تضع
مصر في مكانها الطبيعي كقائدة للعالم الإسلامي ثقافيا واقتصاديا.
وفي
الختام، الطريق واضح والتراث الإسلامي لمصر ليس عبئا على الماضي، بل هو وقود للمستقبل.
إنها رحلة تستعيد فيها مصر دورها التاريخي، ليس بالشعارات، بل بالاستراتيجية الذكية
والتنفيذ الجاد.