شهدت الساحة الحقوقية والإعلامية في
مصر خلال الأيام الماضية موجة متصاعدة من المناشدات والمطالبات بالإفراج عن مزيد من السجناء السياسيين وسجناء الرأي، وذلك في أعقاب استجابة رئيس النظام المصري عبد الفتاح
السيسي لالتماس من المجلس القومي لحقوق الإنسان بالإفراج عن الناشط السياسي علاء عبد الفتاح.
وقد اعتُبرت هذه الخطوة بارقة أمل جديدة لدى مئات الأسر التي تنتظر منذ سنوات طويلة الإفراج عن أبنائها وبناتها، ممن يقبعون في السجون المصرية لسنوات سواء عبر الحبس الاحتياطي المطوّل أو الأحكام القضائية المشددة.
أسر المعتقلين: معاناة مستمرة
كانت البداية مع رسالة مؤثرة وجهتها روفي حمدي، زوجة الناشط السياسي المعتقل محمد عادل، والتي عبّرت فيها عن خيبة أملها لعدم إدراج اسم زوجها ضمن قائمة العفو الأخيرة.
وقالت في منشور عبر صفحتها: "البيان الذي أصدره المجلس القومي لحقوق الإنسان بشأن العفو عن مجموعة من المحكوم عليهم، بينهم علاء عبد الفتاح، أعطى أملاً لنا جميعًا. لكن أين محمد عادل؟ هل هو مقطوع من شجرة؟"
وأوضحت أن زوجها قضي أكثر من 12 عاماً خلف القضبان، وهو ما انعكس على حياتها الشخصية التي وصفتها بالمأساة، مؤكدة أنها لم تستطع أن تصبح أماً بسبب غيابه المستمر.
وأضافت: "والده تجاوز السبعين بالكاد يستطيع زيارته، ووالدته تنتظر منذ 12 سنة خروجه من السجن، ألا تُعد هذه معاناة؟"
وأكدت أنها تواصلت مراراً مع المجلس القومي لحقوق الإنسان منذ فترة رئاسة السفيرة مشيرة خطاب، كما سلّمت مناشدة مكتوبة لرئيس الجمهورية عند قصر الاتحادية، غير أن كل الجهود ذهبت أدراج الرياح.
أيمن.. حياة توقفت منذ سن الـ19
وفي السياق ذاته، ناشدت أسرة الشاب والرياضي أيمن موسى (32 عاماً)، الذي يقضي حكماً بالسجن 15 عاماً منذ عام 2013، إدراج اسمه ضمن قوائم العفو المقبلة.
وأكدت الأسرة في بيان رسمي أن موسى اعتُقل وعمره 19 عاماً، أثناء حملة أمنية عشوائية أعقبت أحداث فض اعتصامي رابعة والنهضة.
وقالت الأسرة إن ابنها قضى 12 عاماً كاملة في السجن، وهو ما دمّر حياته ومستقبله، مضيفة أن والده توفي "من الحسرة"، بينما يأمل أيمن في أن تتاح له فرصة جديدة للحياة.
ووصف البيان المناشدة بأنها "رجاء إنساني" لا يحمل أي نية للضغط، بل دعوة لإعمال الرحمة والنظر في وضعه القانوني والصحي.
الصحفيون.. مطلب مستمر
من جهته، دعا نقيب الصحافيين خالد البلشي رئيس النظام عبد الفتاح السيسي إلى إصدار عفو رئاسي عن الصحافيين محمد إبراهيم رضوان، الشهير بـ"محمد أكسجين"، وحسين علي أحمد كريم، المعروف بـ"حسين كريم"، واللذين يواجهان أحكاماً قضائية في قضايا تتعلق بالرأي والنشر.
وأوضح البلشي أن "محمد أكسجين" محكوم عليه في القضية رقم 855 لسنة 2020، وهي القضية ذاتها التي سُجن فيها علاء عبد الفتاح. كما جدّد النقيب مطالبة النقابة للنائب العام بمراجعة أوضاع أكثر من 19 صحافياً محبوسين احتياطياً، بينهم 14 تجاوزت فترة حبسهم العامين، وهي المدة القصوى المنصوص عليها قانونياً.
وأشار البلشي إلى أن النقابة سلّمت قوائم بأسماء هؤلاء الصحفيين لكل من مكتب النائب العام والمجلس القومي لحقوق الإنسان ووزير شؤون المجالس النيابية والتواصل السياسي، مؤكداً أن النقابة "لن تتوقف عن المطالبة بالإفراج عن جميع الصحفيين المحبوسين على ذمة قضايا رأي".
تدهور الحالة الصحية لهدى عبد المنعم
من جانبه، كشف المحامي خالد بدوي عن تدهور الوضع الصحي لزوجته، المحامية الحقوقية هدى عبد المنعم (66 عاماً)، التي تقضي ما يقارب سبع سنوات في السجن.
وأوضح بدوي أن زوجته أنهت بالفعل مدة حكمها البالغة خمس سنوات، إلا أن السلطات "دوّرتها" على قضيتين جديدتين بالتهم ذاتها، مشيراً إلى أنها تعرضت لأزمتين قلبيتين في أسبوع واحد داخل محبسها.
وأضاف: "لا يُفتح لها باب ولا تُسمع استغاثتها"، مؤكداً أنها لم تُدرج في الالتماس المقدم للرئيس بالعفو رغم حالتها الصحية الحرجة.
وفي رسالة مؤثرة أخرى، عبّرت سناء عبد الجواد، زوجة النائب المصري السابق محمد البلتاجي، عن قلقها البالغ إزاء ظروف الاحتجاز في سجن بدر، وخاصة في "قطاع 2".
وقالت إن الأخبار انقطعت تماماً عن المعتقلين هناك، ولا تعرف عائلاتهم إن كانوا "على قيد الحياة أم لا". وأكدت أن هناك "موعداً أمام المحكمة الإلهية"، داعية "أصحاب الضمائر" إلى التحرك لإنهاء هذه المأساة.
حق قانوني مشروعبدوره، اعتبر خلف بيومي، مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، أن الإفراج عن المعتقلين السياسيين بعد مرور 12 عاماً أصبح "ضرورة وواجباً".
وقال في تصريحات لـ"عربي21": "الجميع يعلم أن الحبس منذ البداية لم يكن له مبرر قانوني أو واقعي سوى الانتقام والمكايدة السياسية، وقد ضاعت خلف الأسوار أعمار وأرواح واستهلكت أسر وأبناء."
وأضاف أن العفو الرئاسي هو "أحد أهم وسائل الإفراج السياسي" التي يملكها الرئيس، مؤكداً أن استجابة السيسي لالتماس المجلس القومي لحقوق الإنسان بالعفو عن علاء عبد الفتاح ومجموعة أخرى "خطوة محمود رغم قلة العدد".
وتابع: "نأمل أن تتبعها قوائم أكبر تشمل كبار السن والمرضى والنساء وجميع المحبوسين احتياطياً وصولاً لإنهاء هذا الملف نهائياً".
ويُعد ملف السجناء السياسيين في مصر من أبرز القضايا التي تثير جدلاً محلياً ودولياً منذ الثالث من تموز/يوليو 2013. حيث تتهم منظمات حقوقية محلية ودولية، مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، السلطات المصرية بممارسة الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري واستخدام الحبس الاحتياطي المطوّل كأداة لقمع المعارضة.
وتقدّر هذه المنظمات أعداد المعتقلين السياسيين في مصر بعشرات الآلاف، فيما تؤكد الحكومة المصرية أن السجون لا تضم أي "سجناء رأي"، وأن جميع المحتجزين محبوسون على خلفية قضايا جنائية أو أمنية وفق القانون.
وفي محاولة لمعالجة هذه الانتقادات، أطلقت الحكومة المصرية عام 2021 "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، كما أعاد السيسي تفعيل لجنة العفو الرئاسي التي أفرجت بالفعل عن مئات السجناء الجنائيين والقليل من المعتقلين السياسيين.
غير أن منظمات حقوقية تؤكد أن هذه الإفراجات لا تزال محدودة مقارنة بأعداد المعتقلين الجدد، وأن ظاهرة "تدوير القضايا" تجعل كثيرين من السجناء يظلون خلف القضبان حتى بعد انتهاء مدد أحكامهم.