عبرت
السنغال عن إدانتها واستنكارها لقرار الولايات المتحدة الأمريكية فرض عقوبات على 4 قضاة بمحكمة الجنايات الدولية، واصفة القرار بأنه "انتهاك خطير لمبدأ استقلال القضاء وحق قضاة المحكمة في ممارسة الولاية الموكلة إليهم بحرية وسلمية من قبل الدول الأعضاء الـ125 الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية".
ودعت الخارجية السنغالية في بيان السلطات الأمريكية إلى سحب هذه العقوباتـ، مؤكدة "دعمها الثابت للمحكمة الجنائية الدولية في مهمتها لتعزيز العدالة الجنائية الدولية". وحث البيان الدول الأعضاء في الجنائية الدولية على "تأكيد تضامنها مع المحكمة ومضاعفة جهودها لضمان تمكين القضاة وجميع موظفي المحكمة من أداء مهامهم باستقلالية، دون تهديدات أو قيود".
"التزام عميق بمبادئ العدالة"
وفي السياق ذاته وصف رئيس الحكومة السنغالية عثمان سونغو العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على قضاة الجنائية الدولية بالجائرة وغير المؤسسة، مؤكدا أن بلاده ستواجهها بكل حزم.
وأعرب سونغو في منشور على منصة إكس، عن دعمه الشخصي "الكامل والثابت للسنغالي مامي ماندياي، أحد أعضاء الجنائية الدولية الذين تعرضوا للعقوبات الأمريكية".
وأضاف: "أعبر عن دعمي الكامل والثابت لمواطننا، الذي لمستُ التزامه العميق بمبادئ العدالة الأساسية والمقدسة خلال اللقاء الذي جمعني به خلال إقامته الأخيرة في داكار".
وأعلنت الإدارة الأمريكية الأربعاء الماضي، إدراج عدد من قضاة ومساعدي المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في قائمة العقوبات.
وقال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، في بيان، إن واشنطن أدرجت 4 من أعضاء المحكمة الجنائية الدولية في قائمة العقوبات بموجب مرسوم أصدره الرئيس دونالد ترامب.
وكشف عن إدراج، القاضي في الجنائية الدولية الفرنسي نيكولاس جيلو، والكندية كيمبرلي بروست، بالإضافة إلى مساعدي المدعي العام نزهت شميم خان من فيجي، ومامي ماندياي نيانغ من السنغال، في قائمة العقوبات.
وذكر أن "هؤلاء الأشخاص أجانب يشاركون مباشرة في جهود التحقيق أو الاعتقال أو الاحتجاز أو محاكمة مواطني الولايات المتحدة أو إسرائيل دون موافقة هذه الدول".
واعتبر روبيو أن "المحكمة تشكل تهديدا للأمن القومي، حيث يتم استخدامها أداة لحرب قانونية ضد الولايات المتحدة وحليفتنا المقربة إسرائيل"، على حد زعمه.
وكانت الإدارة الأمريكية أدرجت في حزيران/ يونيو الماضي، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، في قائمة العقوبات بعد قرار اعتقال أصدره ضد بعض مسؤولي
الاحتلال الإسرائيلي، بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
تثمين لموقف داكار
وقوبل البيان الصادر عن السلطات السنغالية بتأييد شعبي، وذلك وسط تحول كبير في المواقف الأفريقية الداعمة للشعب
الفلسطيني.
وقال المحلل السياسي السنغالي، محمد جوب، إن البيان السنغالي قوبل بتأييد شعبي، مضيفا أن هناك تحول واضح في أفريقيا وفي دول غرب القارة بشكل خاص حيث ترتفع الأصوات المطالبة بمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه في
غزة.
وقال جوب في تصريح لـ"عربي21" إن الموقف الصادر عن الخارجية السنغالية هو تعبير عن مواقف داكار الداعمة لاستقلال قضاة الجنائية الدولية.
وأشار إلى أن الرأي العام السنغالي يدعم بقوة وقف حرب الإبادة في غزة، مضيفا أن المسيرات الداعمة لغزة تخرج من حين لآخر في السنغال وفي العديد من الدول الأفريقية، مؤكدا أن هناك وعي متزايد بالقضية الفلسطينية في أفريقيا.
تحول بغرب القارة
ولفت المحلل السياسي السنغالي محمد جوب، في حديثه لـ"عربي21" إلى أن هناك تحول واضح في دول غرب القارة الأفريقية، حيث لم تعد الحكومات بهذه الدول تتأثر بالضغط الأوروبي والغربي كما كان يحصل سابقا.
وأضاف: "لم تعد الحكومات بغرب أفريقيا تولي أي اهتمام للضغط الأوروبي والغربي، والمواقف الأفريقية من الحرب الأوكرانية مثال على ذلك، حيث رفضت غالبية بلدان القارة الانصياع للضغوط الغربية بهذا الخصوص وعززت علاقتها مع روسيا على حساب أوروبا".
ولفت المحلل السياسي محمد جوب، إلى أنه منذ بداية العدوان على غزة، بدأ الإعلام الغربي والأمريكي بشكل خاص يفقد مصداقيته في أفريقيا.
وأضاف: "الجميع في أفريقيا بات يدرك حجم الانحياز الفاضح في تغطية ما يحدث في غزة، لذلك لم تعد لهذا الإعلام مصداقية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالحرب التي تشنها إسرائيل على غزة.
واعتبر جوب أن تغطية الإعلام الغربي للحرب على غزة "تظهر حجم الانحياز الفاضح لإسرائيل لذلك لم يعد هناك في أفريقيا من يقتنع بما ينشر في هذا الإعلام بخصوص ما يحدث في غزة".
في المقابل ساهمت وسائل إعلام أفريقية في نقل ما يحدث في غزة للرأي العام الأفريقي، حيث نقلت حجم الدمار الذي يتعرض له القطاع، وتدمير المستشفيات ومنع وصول المساعدات من المياه والغذاء والدواء.
طرد الدبلوماسيين "الإسرائيليين"
وتشهد العديد من الدول الأفريقية ومن بينها السنغال، من حين لآخر العديد من الفعاليات المتضامنة مع الشعب الفلسطيني والرافضة للعدوان الإسرائيلي المستمر على غزة.
ومع استمرار الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة التي يشنها ضد سكان غزة، اتسعت دائرة الاهتمام الأفريقي رسميا وشعبيا بالقضية الفلسطينية، وارتفعت الأصوات في غالبية بلدان القارة، للمطالبة بمحاسبة "إسرائيل" ووقف جريمة حرب الإبادة.
وبالرغم من أن التضامن الأفريقي مع المقاومة الفلسطينية وغزة بدأ منذ الأسابيع الأولى للعدوان الإسرائيلي على القطاع، إلا أن هذا التضامن اتسع بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة.
وفي هذا الإطار تكررت عمليات طرد الدبلوماسيين الإسرائيليين في أفريقيا، وكان آخرها طرد طلاب جامعة الشيخ أنتا جوب (أعرق جامعات السنغال) السفير الإسرائيلي في داكار، وملاحقته في ممرات الجامعة، وهم يهتفون لغزة.
كما انتصرت القمة الأفريقية الـ37 لرؤساء وحكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، للقضية الفلسطينية عبر طرد الوفد الإسرائيلي الذي حاول التسلل لجلسات القمة. ثم بعد ذلك تسلل السفير الإسرائيلي في أثيوبيا، إلى اجتماع للقادة الأفارقة بأديس أبابا، قبل أن يتم اكتشافه وطرده على الفور من القاعة.
احتفاء بالمقاومة الفلسطينية
وفي مقابل طرد وملاحقة الدبلوماسيين "الإسرائيليين" احتفت العديد من دول القارة الأفريقية بالمقاومة، حيث يؤدي قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس، من حين لآخر زيارات لدول أفريقية، وسط احتفاء كبير.
وفي تصريحات سابقة قال ممثل حركة حماس في
موريتانيا محمد صبحي أبو صقر، إن الجهات التي تلتقيها وفود الحركة في أفريقيا "أجمعت على دعم المقاومة وعلى إدانة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حرب إبادة".
وانتظمت المظاهرات أسبوعيا في المغرب وموريتانيا والسنغال، فيما تخرج من حين لآخر مظاهرات مساندة لغزة في العديد من بلدان القارة الأخرى، وخصوصا في مالي وغامبيا وتونس وجنوب أفريقيا.
وبالتوازي مع تنظيم المظاهرات والوقفات الاحتجاجية، نظمت حملات تبرع لدعم الشعب الفلسطيني وسكان غزة بشكل خاص.
وكان لافتا مبادرات القبائل الموريتانية لدعم المقاومة الفلسطينية، حيث تمكنت القبائل الموريتانية من جمع تبرعات بلغت أكثر من 16 مليون دولار.