ملفات وتقارير

لن نكرر المأساة.. رفض شعبي واسع في غزة للنزوح جنوب القطاع

خطة احتلال غزة تشمل تهجير سكانها نحو مناطق الجنوب- الأناضول
عبر فلسطينيون عن رفضهم لخطة التهجير الإسرائيلية الجديدة من غزة، مؤكدين أنهم لن يستجيبوا لأوامر الاحتلال بإخلاء المدينة نحو الجنوب، على اعتبار "أن لا مكان آمنا" في القطاع المحاصر، والذي يشهد عدوانا وحشيا مستمرا منذ نحو 22 شهرا.

وقال عدد من سكان غزة في أحاديث منفصلة لـ"عربي21"، إن التجربة المأساوية السابقة بشأن النزوح من غزة نحو الجنوب تؤكد كذب ادعاءات الاحتلال بشأن المناطق الآمنة المزعومة، والتي شكلت مصائد ومسارح لجرائم القصف والاستهداف التي مارسها الاحتلال بحق النازحين، مشددين على أن "الموت أهون عليهم من ترك منازلهم".

وفي إطار خطة احتلال غزة التي أقرتها حكومة الاحتلال، أعلن وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الجمعة، أنه صادق على الخطط المطروحة، والتي تتضمن قصف كثيف وتهجير الفلسطينيين، وهدد بتحويل المدينة إلى مصير مشابه لرفح وبيت حانون.

وأضاف كاتس أن "خطط الجيش الإسرائيلي تشمل إطلاق نار كثيف، وإجلاء السكان، والمناورات"، في إقرار رسمي باستخدام سياسة الأرض المحروقة ضد مدينة تضم أكثر من مليون فلسطيني.

"سنبقى في بيوتنا"
وبينما يرفض حسن عبد العزيز مغادرة ما تبقى من منزل عائلته المدمر جزئيا في مخيم الشاطئ، يؤكد في حديث خاص لـ"عربي21" أنه وعدد كبير من جيرانه اتخذوا قرارا بالبقاء في منازلهم، قائلا: "لن نخرج من هنا إلا شهداء، رحمة الله أوسع لنا، والبقاء هنا أهون علينا من ذل النزوح إلى المجهول".

ويستذكر عبد العزيز ما حل بأبناء عمومته خلال نزوحهم مطلع الحرب إلى منطقة مواصي خانيونس جنوب القطاع: "قالوا لنا إذهبوا إلى الجنوب وهناك ستجدون مكانا آمنا، تحركنا هناك وقضينا أكثر من عام في الخيام، حيث حرارة الصيف الحارقة وبرودة الشتاء القاسية، وقلة الغذاء والدواء فضلا عن القصف اليومي الذي كان يستهدف كل شئ، وتسبب في استشهاد نحو 7 من أبناء عمومتي ممن نزحوا معنا من الشمال إلى الجنوب".

أما سعيد عطوة فيؤكد في حديث لـ"عربي21" أن من جرب ذل النزوح بعيدا عن بيته وحارته ومنطقته، يفضل الموت على خوض التجربة مجددا، "فلا مأوى ولا طعام ولا أمن في المناطق التي خصصتها قوات الاحتلال كملاذ للنازحين".

سعيد الذي فقد أخيه في منطقة نزوح في رفح جنوب القطاع بداية عام 2024، يستذكر بحسرة كيف لازمه شعور القلق والخوف من البقاء في غزة مع بداية الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ظانا أنه سيحظى بمكان آمن في جنوب القطاع، لكنه سرعان ما اكتشف أنه لا مكان آمن، مضيفا: " لا يمكن أن تنطلي علينا كذبة الاحتلال بشأن تخصيص مناطق للنازحين، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين".

بدورها، تخطط مها مصطفى إلى البقاء مع أبنائها ووزوجها في نزوحها الأخير، حيث حطت رحالها في خيمة بشارع الجلاء وسط مدينة غزة، في رحلة نزوح هي العاشرة، بعد أن هجرت من منطقة الكرامة، حيث هناك منزلها الذي دمر في قصف عنيف على المنطقة بدايات الحرب.

تقول مها، في شهادة لـ"عربي21" إنها ذهبت نازحة مع ولديها وثلاثة من بناتها وزوجها من غزة إلى مدينة دير البلح مع بدء الهجوم الإسرائيلي، ثم اضطرت لاحقا إلى الذهاب نحو خانيونس ظانة أن منطقة المواصي الساحلية أكثر أمنا، قائلة: "ظننت أن الجنوب آمنا، لكن المفاجأة الصادمة أن هناك فقدت ابني حسن ذو العامين، وأصيبت بنتي وزوجي بجراح مختلفة بعد أن قصف الاحتلال منزلا في منطقة مصنفة إنسانية وآمنة غرب خانيونس".

تضيف: "حين عدت إلى غزة وقت الهدنة مطلع العام الجاري، كنت قد تركت فلذة كبدي حسن في خانيونس، حيث ووري جثمانه الثرى، (..) لم أندم على شئ في حياتي كندمي على ترك غزة، والنزوح جنوبا، لكنها غريزة الحياة التي يبحث فيها الإنسان عن بصيص أمل لنجاة روحه من هذه المجزرة والمهلكة التي تنفذها قوات الاحتلال على مرأى ومسمع العالم".

المؤسسات الدولية ترفض التهجير
من جهته، كشف موظف يعمل في مؤسسة بارزة تابعة للأمم المتحدة في تصريح لـ"عربي21" أن المؤسسة عززت وجودها في غزة الأيام الأخيرة، مؤكدا أن أكتر من نصف الطاقم العامل في مناطق جنوب القطاع، انتقل إلى غزة لتعزيز تقديم الخدمات، على أن يجري نقل المزيد.

وكشف الموظف الذي فضل عدم ذكر اسمه، أنه "ليس هناك أي بلاغ رسمي من إسرائيل يطلب إخلاء المؤسسات". لافتا إلى أن المؤسسات الأممية والدولية لن تكرر الخطأ الذي نفذته في بدايات الحرب بعد أن نقلت خدماتها إلى الجنوب، وساهمت في دفع الناس نحو النزوح.

وأضاف: "أول الحرب الأمم المتحدة وغيرها والمؤسسات ساهمت ولو بشكل غير مقصود بحالة النزوح الجماعي التي حصلت، لدينا قرار بعدم تكرار هذا الخطأ، بل ببث رسائل ترفض التهجير أو النزوح".

من جهتها، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية رفضها لأي خطوة من شأنها تقويض ما تبقى من النظام الصحي، وأكدت أن قرار الاحتلال بإخلاء المستشفيات من شأنه حرمان أكثر من مليون إنسان من حقهم في العلاج، وتعريض حياة السكان والمرضى والجرحى للخطر المحدق.

وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أجرى ما قال إنها مكالمات تحذيرية أولية مع جهات طبية ومنظمات دولية في شمال قطاع غزة، يأمرها بالاستعداد لنقل المرضى من مستشفيات مدينة غزة نحو الجنوب.