قالت المستشارة في
البرلمان الأوكراني ورئيسة لجنة حماية الدستور الأوكراني، ميلا ميلينتشوك، إن اتفاق
السلام مع
روسيا أصبح لأول مرة "مسألة وقت"، مؤكدة أن "الأجواء الحالية
توفر فرصة حقيقية لإنهاء النزاع ووقف الحرب"، معتبرة أن اللقاءات الأخيرة التي
جرت بهذا الخصوص "شكّلت مؤشرا مهما جدا على تبدّل الأجواء السياسية والدبلوماسية".
وأضافت: "هذه
هي المرة الأولى التي نشعر فيها أننا قادرون على تحقيق اتفاق سلام، والمفاوضات التي
جرت مؤخرا صعبة ومكثفة لكنها قد تفضي في نهاية المطاف إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا،
وأصبح التساؤل الأبرز اليوم هو: كيف سيُبرم اتفاق السلام المرتقب؟".
لكن ميلينتشوك استدركت
بالقول إن "المفاوضات الجارية بين روسيا وأوكرانيا بالغة السخونة والتعقيد؛ فهناك
الكثير من التعقيدات والتحديات القانونية والسياسية والشعبية، خصوصا فيما يتعلق بمسألة
الأراضي التي ناقشها الزعماء خلال الأيام الماضية".
وأوضحت أن "المشكلة
الكبرى تكمن في تحوّل الحرب منذ فترة طويلة إلى حرب مواقع؛ فالقوات الروسية تتقدم ببطء
شديد، ما يجعل تحقيق أهدافها الأصلية منذ عام 2022 يستغرق عقدا من الزمن على الأقل".
وذكرت أن "كلا
الطرفين أظهر صمودا قويا؛ فأوكرانيا لم تنهر جبهتها رغم توقعات روسيا، وفي المقابل
لم ينهر الاقتصاد الروسي ولا نظامه السياسي تحت وطأة العقوبات"، واصفة الوضع بأنه
"طريق مسدود للطرفين ويشكّل جمودا مريرا".
وواصلت حديثها بالقول
إن "هذا الجمود قد يفتح فرصة حقيقية الآن للتسوية"، محذرة من أن "عدم
التوصل إلى اتفاق سلام خلال الأسبوعين المقبلين سيؤدي إلى تصعيد الحرب بشكل أكبر وربما
عالمي"، مؤكدة أن "الوضع يشبه عملة تقف على حافتها: إمّا أن تميل نحو السلام
أو تسقط باتجاه حرب عالمية جديدة".
استفتاء
شعبي على اتفاق السلام
وأشارت ميلينتشوك إلى
أن "حسب الدستور الأوكراني، الأراضي المُحتلة هي أراضٍ أوكرانية، ولا يمكن اتخاذ
قرار بشأنها إلا من خلال استفتاء يشارك فيه كل الشعب الأوكراني، وبالتالي فإن أي اتفاق
بين
بوتين وزيلينسكي لن يكون قانونيا حتى يتم عرضه أولا على الاستفتاء الشعبي، وحتى
يعبر بحق عن الإرادة الشعبية، وذلك من أجل تحقيق سلام مستدام وحماية سيادة أوكرانيا".
واستطردت قائلة:
"المادة 73 من دستور أوكرانيا تنص على أن أي تغيير في البنية الإقليمية للبلاد
لا يمكن أن يحدث إلا عبر استفتاء وطني، بما في ذلك أي تعديل على الأراضي أو الضم أو
التنازل عنها"، محذرة من أن "غياب هذه الخطوة سيجعل أي اتفاق سلام مجرد تأجيل
لمواجهة جديدة، وأن نتيجة الاستفتاء يمكن أن تشكّل أساسا لاتفاق رسمي مع روسيا".
وزادت: "هذا يعني
أنه يمكنهم أن يعقدوا هذا الاتفاق، ولكن إذا كنا نريد تحقيق سلام مستدام على المدى
البعيد، يجب أن نفهم أنه لا بد من احترام الدستور الأوكراني. ما على زيلينسكي أن يفعله
ليس أن يقول لبوتين: أريد هذا وأريد ذاك، بل يجب أن يعرض هذا الاتفاق على الاستفتاء،
وأن يتم وقف إطلاق النار من الجانبين".
وشدّدت على أن
"مسألة استعادة الأراضي الأوكرانية تبقى من أكثر القضايا حساسية، خاصة أن البعض
يشكك في امتلاك زيلينسكي صلاحية دستورية للتفاوض بشأنها، والدستور الأوكراني ينص بشكل
جلي على أن أي تغييرات حدودية يجب أن تتم عبر البرلمان وبموجب استفتاء وطني يقرره الشعب
الأوكراني حصرا".
وأكدت ميلينتشوك أن
"الجهة الوحيدة المخوّلة بالحديث عن الأراضي هي البرلمان الأوكراني، والشعب هو
صاحب القرار النهائي بشأن التنازل عن أي جزء من الأراضي، وبالتالي فإن بناء سلام طويل
الأمد يتطلب احترام القانون والدستور الأوكراني، وإيجاد أسس قانونية صلبة تضمن عدم
الطعن بشرعية أي اتفاق لاحقا"، موضحة أن "الهدف هو منع أي رئيس مستقبلي من
اعتبار الاتفاقيات غير شرعية بعد 5 أو 10 سنوات".
تغيّر مفاجئ
في موقف ترامب
وذكرت المستشارة في
البرلمان الأوكراني، أن "التحركات الدبلوماسية الأخيرة شهدت تحوّلا مهما حين اقترح
بوتين لقاءً مع زيلينسكي في موسكو، والبعض اعتبر الاقتراح استفزازا ودليلا على أن بوتين
لا يريد إنهاء الحرب، بينما رفض
ترامب الفكرة. ومع ذلك، أبدى بوتين موافقته على اجتماع
ثنائي ما يزال مكان انعقاده محل تفاوض، فيما يسعى ترامب بكل جهده لضمان حدوثه".
وبيّنت أن "ترامب
أثار بدوره نقطة جديدة عندما اتصل برئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، متسائلا عن
أسباب عدم دعمه لأوكرانيا وعدم مساعدتها في مسار الانضمام إلى البرلمان الأوروبي، وهذا
يعكس رؤية ترامب بأن عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي قد تكون ضمانة لأمنها".
وشدّدت على أن هذا
الموقف أظهر ترامب أكثر دعما لأوكرانيا مما كان عليه قبل أيام، لكنها طرحت سلسلة أسئلة:
"لماذا تغيّر موقفه فجأة؟ ولماذا تبنّى نهجا جديدا تجاه روسيا بشكل مفاجئ؟ ولماذا
بدا بوتين أكثر ثقة؟ ولماذا قرّر التوجه إلى ألاسكا للحديث عن (اللعبة الكبرى) وسياسة
واشنطن الخارجية الجديدة؟ وهل تستطيع أوكرانيا أن تحجز لنفسها موقعا في هذه الظروف
المتوترة؟".
ولفتت إلى أن
"نتائج التحركات الدبلوماسية الأخيرة في البيت الأبيض بشأن أوكرانيا أظهرت أن
كييف ما تزال حاضرة بقوة في العلاقات الدولية، وأن الدعاية الروسية عن تعب الغرب من
دعم أوكرانيا لا أساس لها من الصحة"، مشدّدة على أن قمة البيت الأبيض أثبتت التزام
الاتحاد الأوروبي ودول أخرى بسيادة أوكرانيا واستعدادها لمواصلة الدعم، واعتبرت ذلك
إنجازا للدبلوماسية الأوكرانية.
وأضافت ميلينتشوك أن
"تطورا آخر لافتا ظهر حين بدأت بعض الشخصيات الروسية الرسمية تتحدث عن إمكانية
منح أوكرانيا ضمانات كدولة، وهو أمر جديد كليا، بعدما كانت موسكو في بداية الحرب ترفض
الاعتراف بأوكرانيا أصلا كدولة مستقلة".
وأوضحت أن "النقاشات
شملت فكرة بناء جيش أوكراني قوي واقتصاد متين يرسّخ سيادة ومكانة أوكرانيا كدولة أوروبية
راسخة. غير أن ترامب شدّد على أن أوكرانيا يجب أن تعيد النظر في بعض الأراضي"،
موضحة أن "كلام الرئيس الأمريكي كان إشارة واضحة إلى شبه جزيرة القرم، حين قال
إنها فُقدت في عهد بايدن".
وأكدت أن "النقاش
احتدم حول دونباس، حيث عرض زيلينسكي خريطة بيّن فيها أن روسيا لم تحتل 20% من أراضي
أوكرانيا، بل إن 18% كانت قد احتُلت عام 2014، بينما لم تضف روسيا هذا العام سوى
2% فقط. هذه المعطيات تكشف عن مشاكل كبرى تواجهها روسيا على الجبهة، في مقابل صمود
أوكراني أكبر، ما يجعل التنازل عن دونباس مستبعدا".
وسطاء قمة
البيت الأبيض
وأوضحت أن "قمة
ألاسكا لم تكن مفاجئة بل سبقتها اجتماعات عدة، أبرزها في نيسان/أبريل حين زار رئيس
صندوق الاستثمار الروسي المباشر، كيريل ديميترييف، الولايات المتحدة، وبنى علاقات شخصية
قوية مع سياسيين أمريكيين، وكان دوره حاسما في التحضير للقمة، التي اعتُبرت إنجازا
له"، موضحة أن "ديميترييف اقترح إطارا منفتحا لتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا،
إلى جانب موقف تفاوضي أكثر مرونة من جانب موسكو".
وأضافت أن "أيضا
الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش لعب سابقا دور الوسيط، كما حاولت دول مثل تركيا
وبعض الدول العربية الدخول على خط الوساطة، لكن غياب أي ذكر لهم هذه المرة يوضح أن
ترامب وروسيا قررا معالجة القضايا بشكل مباشر، بعيدا عن الوسطاء التقليديين"،
لافتة إلى أن "واشنطن تنتهج سياسة الانخراط الانتقائي مع النخب الإصلاحية الروسية،
في محاولة لبناء روسيا أكثر استقرارا واندماجا تجاريا".
وأوضحت أن "ترامب
يعتمد نهج (أمريكا أولا)، مركزا على بناء الأعمال بدلا من الحروب، وهو يسعى لنيل جائزة
نوبل للسلام، مقدّما نفسه كصانع سلام عالمي، بينما يرى أن أسلافه أطالوا أمد الصراعات،
وهو يريد التميز بالانخراط في مفاوضات سلام لا في إشعال الحروب، وهو لم يفاوض أوكرانيا
فقط بل دخل في مباحثات مع دول أخرى".
وذكرت أن "توجها
جديدا ظهر في سياسات ترامب، حيث أبدى اهتماما واضحا بالمواد النادرة والموارد الطبيعية
في عدة دول؛ فالولايات المتحدة أصبحت مهتمة بالاستثمار في المعادن النادرة التي تملك
روسيا الكثير منها"، لافتة إلى أن "واشنطن أبدت خشية متزايدة من تعميق روسيا
تعاونها مع الصين والهند، وهذا ما دفعها إلى تغيير نهجها والانفتاح على التعاون مع
موسكو".
وكشفت المستشارة في
البرلمان الأوكراني أن "هذا الانفتاح يُمثل بداية جديدة تهدف الولايات المتحدة
من خلالها للتأثير في الانتخابات الروسية المقبلة؛ فالحلفاء باتوا يرون أن عهد بوتين
يقترب من نهايته، والسؤال المطروح هو: من سيكون الرئيس المقبل؟، وعزلة روسيا قد تحرم
واشنطن من التأثير في المرحلة الانتقالية".
وأضافت أن "وجود
شخصيات روسية درست في جامعات أمريكية مرموقة مثل هارفارد وستانفورد، وتبدي انفتاحا
على الحوار مع الولايات المتحدة، قد يفتح الباب أمام تغيير حقيقي بعد بوتين، وواشنطن
تريد اتباع مقاربة جديدة تجاه روسيا، لكنها في لعبة التوازنات الكبرى قد تضحي بالمصالح
الوطنية الأوكرانية".
وذكرت أن "ترامب،
رغم كل شيء، لا يريد السماح لروسيا بتدمير أوكرانيا، لذلك يحرص على دعم جيشها وتعزيز
قوته، وما يجري اليوم ليس سوى لعبة سياسية كبرى تديرها الولايات المتحدة، تختلط فيها
الحسابات الاقتصادية والسياسية مع رهانات الحرب والسلام".
أبرز المكاسب
الأوكرانية
وقالت إن "أبرز
المكاسب الدبلوماسية التي تحققت خلال القمم الأخيرة تمثلت في فشل مشروع روسيا لنزع
سلاح أوكرانيا؛ فهذا المشروع انتهى تماما، بل إن كييف ضمنت مسارا واضحا لبناء جيش قوي"،
منوّهة إلى أن "الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعمّقان التعاون العسكري،
فيما أبدت دول غربية استعدادها للاستثمار في الصناعات الدفاعية الأوكرانية".
وأوضحت ميلينتشوك أن
"أوكرانيا أظهرت على أرض المعركة صمودا لافتا، وراكمت خبرة عسكرية لا تقدر بثمن
في الحروب الحديثة، واستفادت من تعاونها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهذه
الخبرة انعكست أيضا على إنتاج الطائرات المسيّرة وغيرها، فضلا عن المكاسب المعلوماتية
المهمة".
وذكرت أن "قمة
البيت الأبيض جاءت لتؤكد شرعية الرئيس زيلينسكي، بعد أن صرّح بوتين قبل انعقادها بأن
الرئيس الأوكراني لا يمتلك أي شرعية للتفاوض، لكن القمة أثبتت أن زيلينسكي زعيم يحظى
باحترام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة"، مشيرة إلى أن "بوتين غيّر
موقفه بشكل واضح وأبدى استعداده للجلوس معه رغم محاولته المناورة، ورغم أنه كان يرفض
سابقا لقاءه".
واستطردت المستشارة
في البرلمان الأوكراني، قائلة: "قمة البيت الأبيض أظهرت كذلك أن القضية الأوكرانية
ما زالت تمثل مشكلة أساسية للأمن الدولي، وأن أوكرانيا لم تُنسَ، بل باتت جزءا لا يتجزأ
من منظومة الأمن الغربي حتى دون عضوية الناتو، حيث حصلت على تأكيد بالتزام الاتحاد
الأوروبي الكامل بدعمها".
وزادت: "أوكرانيا
تمكنت من حماية سياستها الخارجية المستقلة من النفوذ الروسي، وأعادت تأكيد سيادتها
الوطنية، وتلقت أيضا إشارة قوية بأن روسيا مستعدة لتقديم ضمانات أمنية، وهذا التطور
إيجابي للغاية، لكن يجب التعامل مع الوضع بواقعية أكبر"، مشيرة إلى أن "التحولات
الأخيرة جاءت نتيجة مباشرة لتغير في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه روسيا".
لكنها حذرت في الوقت
ذاته من أن "ترامب قد يضحي بسهولة بأجزاء من الأراضي الأوكرانية ضمن هذه اللعبة
السياسية، لكنه لن يسمح لروسيا بتحقيق مكاسب مفرطة في أوكرانيا، وسيظل مهتما بضمان
بقاء جيش أوكراني قوي".
ضمانات أمنية
وقالت ميلينتشوك إن
الرئيس ترامب صرّح بأن كييف ستحصل على ضمانات أمنية معينة، لكنها لن تكون في إطار حلف
الناتو، مشيرة إلى أن التساؤلات ما زالت قائمة بشأن مضمون هذه الضمانات، وموعد الإعلان
عنها رسميا، وما إذا كانت قد تتحول مستقبلا إلى عائق. وأكدت أن "أوكرانيا لن تصبح
عضوا في الناتو، لكنها ستنضم إلى منظومة أمنية غربية جماعية".
وأوضحت أن "أوكرانيا
تستعد لتوقيع اتفاق بقيمة 100 مليار دولار مع الولايات المتحدة لشراء أسلحة أمريكية،
على أن يتم تمويل الصفقة من قِبل الاتحاد الأوروبي"، مشيرة إلى أن مجلس الاتحاد
الأوروبي وافق على إنشاء صندوق "الإجراء الأمني من أجل أوروبا" بقيمة
150 مليار يورو عبر برنامج SAFE لدعم المشتريات الدفاعية المشتركة.
وبيّنت ميلينتشوك أن
"وجود جيش أوروبي قوي إلى جانب جيش أوكراني قوي سيشكّل ضمانة أمنية لأوكرانيا،
لكن السؤال الذي لم يُحسم بعد هو ما إذا كانت روسيا ستقبل بهذه الضمانات، نظرا لكونها
تعتبر سباق التسلح تهديدا مباشرا لأمنها القومي".
وقالت إن "روسيا
قد تقبل بهذه الضمانات لأنها تدرك أنه بعد التوصل إلى اتفاق سلام ستُجرى انتخابات في
أوكرانيا، وقد تسعى موسكو لدفع مرشح موالٍ لها للرئاسة لتعزيز نفوذها السياسي والترويج
لخطاب يخدم مصالحها. ورغم أن هذا السيناريو يبدو بعيدا، إلا أن خطر زعزعة الاستقرار
السياسي الأوكراني يبقى قائما، وهو ما تدركه كييف جيدا".
سيناريو
زعزعة استقرار أوكرانيا
وأوضحت المستشارة في
البرلمان الأوكراني، أن "استغلال روسيا للفوضى الناتجة عن الاتفاقية المحتملة
قد ينعكس سلبا على العملية السياسية بعد التوصل إلى اتفاق، بما يمكّن موسكو من تحقيق
مكاسب عبر الفوضى وزعزعة الاستقرار بعد الحرب، أكثر مما يمكنها تحقيقه خلال الحرب نفسها".
وأضافت ميلينتشوك:
"لقد توحّد الشعب الأوكراني أثناء الحرب حول عدو مشترك وقوة واحدة، لكن مرحلة
ما بعد الحرب قد تشهد هشاشة سياسية أكبر، وهذا ما تراهن عليه روسيا، التي ترى في استغلال
الفوضى الداخلية وسيلة أكثر نجاعة من المواجهة العسكرية المباشرة".
وأشارت إلى أن
"القمم المقبلة في البيت الأبيض وبولندا ستتناول ملفات سياسية وعسكرية جديدة"،
لافتة إلى أن "لجنة الانتخابات المركزية في المملكة المتحدة وقّعت اتفاقية تعاون
مع نظيرتها في أوكرانيا، ما يعكس استعداد الدول الغربية لدعم الانتخابات الأوكرانية
المقبلة".
وكشفت أن "بعض
الأطراف ترى أن بريطانيا لا تدعم بالضرورة زيلينسكي في الانتخابات الرئاسية المقبلة،
بل شخصية عسكرية بارزة من الجيش الأوكراني، في خطوة تهدف إلى بناء استقرار سياسي في
أوكرانيا خلال الانتخابات وبعد الحرب، بغض النظر عن هوية المرشح المدعوم".
وأضافت: "يحاول
زيلينسكي إحاطة نفسه بقادة عسكريين بارزين ومنحهم مكانة خاصة لدعمه خلال الانتخابات.
في المقابل، النخب الأوكرانية والشعب يريدون إنهاء الحرب ويستعدون فعليا للانتخابات،
وهو ما يظهر في عدة مسارات سياسية واستراتيجية".
كما لفتت ميلينتشوك
إلى أن "أوكرانيا ستواجه إرثا ثقيلا من الحرب، مع انقسام الشعب بين من يعيشون
في الأراضي المحتلة وعلى خطوط الجبهة، وبين من هم في الخارج ويسعون للعودة إلى حدود
1991، وهو ما يولّد استياءً واسعا".
وأضافت: "وسط
العدد الكبير من المواطنين المعاقين والمنازل المدمرة والنازحين، برزت زيادة حادة في
عدد الأثرياء الذين استفاد بعضهم من الحرب فيما تكبّد آخرون خسائر، ما يجعل الصدام
بين هذين العالمين أمرا حتميا".
وشدّدت على أن
"الاتحاد الأوروبي والغرب مطالبان بضمان انتخابات حرة ونزيهة، والسماح بمشاركة
جميع القادة السياسيين، وإعادة الحقوق المدنية، وضمان حرية التعبير والشفافية في تمويل
الحملات، مع رفع القيود التي فرضتها الأحكام العرفية".
وتابعت: "إنقاذ
أوكرانيا يتطلب ديمقراطية حقيقية وعميقة، والقضاء على الفساد، خاصة بين المستفيدين
من الحرب منذ عام 2014، بما في ذلك تفكيك الهياكل المافيوية، وتعويض ضحايا الحرب، وضمان
احترام حقوق الشعب الأوكراني بالكامل".
بودابست
قد تحتضن قمة بوتين – زيلينسكي
وأشارت إلى أن
"مكان القمة المحتملة بين بوتين وزيلينسكي قد يكون في العاصمة المجرية بودابست
أو جنيف، إلا أن بودابست تبدو مرشحة أكثر، نظرا إلى علاقات رئيس وزرائها فيكتور أوربان
الجيدة مع ترامب وبوتين، فضلا عن كون المجر جارة لأوكرانيا وتدعم روسيا في ملفات الأقليات
واللغة المجرية وحقوق الكنيسة الأرثوذكسية".
وتابعت: "عند
التوصل إلى اتفاق سيظل السؤال قائما: ماذا ستكسب روسيا وأوكرانيا منه؟"، لافتة
إلى أن "موسكو تسعى إلى رفع العقوبات الدولية والحصول على اعتراف رسمي بضم القرم
ومناطق أخرى محتلة، بينما ستبقى جذور حرب 2022 عائقا أمام أي تسوية شاملة".
وأكدت أن "أوكرانيا
ستظل قوية بجيشها وبالعسكرة المجمّدة، وهو ما يبقي احتمال التصعيد قائما دائما، ويجعل
من الصعب الإيمان بسلام طويل الأمد، حتى في حال التوصل إلى اتفاق مبدئي بين موسكو وكييف".
وشدّدت على أن "أوكرانيا مصممة على الدفاع عن سيادتها، وأن الشعب الأوكراني لن
يقبل بالتنازل عن حقوقه الأساسية".
انتهاء سياسة
عزل روسيا
وأكدت أن "سياسة
إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن كانت تقوم على عزل موسكو باعتبارها امتدادا
للإرث السوفيتي بعد الحرب الباردة، إلا أن ترامب لم يعد يريد عزل روسيا، بل يسعى لإعادتها
إلى الواجهة، مدفوعا باعتبارات اقتصادية ورؤية استثمارية مشروطة بإنهاء الحرب ورفع
العقوبات؛ فقد ظهر أن واشنطن لديها اهتمام كبير باستعادة العلاقات الاقتصادية مع موسكو".
وذكرت أن ترامب وصف
روسيا بأنها وجهة جذابة للغاية للاستثمار، معربا عن استعداده لضخ رؤوس الأموال هناك
بمجرد انتهاء الحرب في أوكرانيا، وهذا الموقف يفسر استعجاله لإيجاد حل للنزاع، بهدف
المضي قدما في مصالحه الاقتصادية.
كما أوضحت أن ترامب
بادر إلى إطلاق سلسلة مفاوضات تركز على موارد المعادن النادرة، في إشارة إلى نيته الحصول
على وصول مباشر إلى هذه المواد الاستراتيجية داخل الأراضي الروسية، مشيرة إلى أن
"العائق الأساسي أمام دخول رأس المال الأمريكي إلى روسيا ما زال يتمثل في نظام
العقوبات القائم".
ونوّهت إلى أن
"بوتين صرّح بأن هناك عدة مجالات يمكن أن يزدهر فيها التعاون الروسي – الأمريكي
بما يخدم الطرفين، وقد تحدث عن التقنيات الرقمية، والفضاء، والاستثمار، وقطاعات استراتيجية
أخرى واعدة للتعاون".
وأضافت أن "الاتحاد
الأوروبي، الذي تقوم سياسته الخارجية على مبادئ معيارية واضحة، فوجئ بهذا النهج البراغماتي
الجديد من الولايات المتحدة. هذا التحول يعكس إعادة معايرة أوسع للاستراتيجية الأمريكية
تجاه روسيا، بعيدا عن سياسة العزل التام التي يرونها الآن غير مجدية على الإطلاق".
وأوضحت أن "واشنطن
تدرك اليوم أن سياسة العزل لم تؤدِ إلى انهيار الاقتصاد الروسي، بل ساهمت في تطوير
نظام أكثر اكتفاءً ذاتيا ومرونة، كما سرّعت من تقارب روسيا مع الصين والهند، وهو ما
يتعارض مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية في أوراسيا".
ولاية
بوتين الأخيرة
وقالت إن "هناك
إدراكا متزايدا في واشنطن بأن هذه قد تكون الولاية الأخيرة للرئيس بوتين، ما يدفع الولايات
المتحدة إلى التفكير في مستقبل النظام السياسي الروسي، وواشنطن مهتمة بتشجيع قيام دولة
روسية أكثر انفتاحا وقابلية للتنبؤ، بما يسمح لها بلعب دور بنّاء في أي انتقال محتمل
للسلطة".
واختتمت ميلينتشوك
بالقول: "ندعو من أجل السلام. نحن نعلم أن جرائم الحرب لا تحدث فقط في أوكرانيا،
بل في فلسطين وأماكن أخرى من العالم، ونحن نفكر بالعدالة والسلام والاستقرار في كل
أنحاء العالم".
يوم الاثنين، شهد البيت
الأبيض مباحثات جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي،
والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني. كما شارك
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفنلندي
ألكسندر ستاب، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والأمين العام للناتو
مارك روته.
وجاءت هذه القمة بعد
لقاء سابق جمع ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الجمعة 15 آب/ أغسطس في ولاية
ألاسكا الأمريكية، حيث ناقش الزعيمان سبل وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا والعلاقات
الثنائية.
وعقب لقائه بالقادة
الأوروبيين، قال ترامب إن اجتماعه معهم كان "جيدا للغاية"، مشيرا إلى بدء
التحضيرات لقمة ثلاثية سيشارك فيها إلى جانب نظيريه الروسي والأوكراني.
ومنذ 24 شباط/
فبراير 2022 تشنّ روسيا هجوما عسكريا على جارتها أوكرانيا وتشترط لإنهائه تخلي كييف
عن الانضمام لكيانات عسكرية غربية، وهو ما تعتبره كييف "تدخلا" في شؤونها.