ما
زال العدوان المستمر على
غزة منذ قرابة عامين يستنزف جيوب الاسرائيليين، ولا
يترددون بوصفه تهديدا وجوديا أكبر بكثير، قادر على تفكيك الاقتصاد والمجتمع في
غضون عقد من الزمن، مما يعني أن دولة الاحتلال تقف عند منعطف حرج، قد يؤدي بها إلى
طريق الانهيار.
وذكر البروفيسور
يوجين كيندال ورون تسور، مؤسسا معهد استراتيجية إسرائيل المستقبلية (ISFI)، أن "حالة من الارتياح الإسرائيلي تسود بعد المواجهة
الأخيرة مع إيران، حيث فاقت النجاحات العسكرية التوقعات، واستُعيد الردع، وفُتحت
فرصة استراتيجية لتوسيع اتفاقيات التطبيع، وتم تهيئة الظروف لإنهاء حرب غزة، لكن يبدو
أن بعض الإنجازات قد تآكلت، وأن أفق إنهاء الحرب يتراجع مرة أخرى".
وأضافا
في
مقال مشترك نشرته القناة 12، وترجمته "عربي21" أنه "حتى لو انتهت الحرب الآن، فإن هناك تهديدا وجوديا صامتا، قد يبدو الأخطر،
لمستقبل إسرائيل، يتمثل بالتراجع الاقتصادي الذي بات أشبه بقنبلة موقوتة،
لأنه يُواجه سلسلة من المشاكل الهيكلية حتى قبل الحرب، بما فيه انخفاض إنتاجية
العمل، ونقص الاستثمار في البنية التحتية، والتنظيم الخانق، والاعتماد الكبير على
قطاع التكنولوجيا العالية، وانخفاض المشاركة في سوق العمل، خاصة بين الحريديم،
الذين يعتمدون بشكل أساسي على الإعانات والدعم الحكومي".
وأشارا
إلى "دراسة نشراها في أغسطس 2023 حول الاتجاهات الديموغرافية الحالية، فإن
الاقتصاد الإسرائيلي غير مستدام خلال فترة عقدين أو ثلاثة عقود على الأكثر، وبعد
السابع من أكتوبر والحرب المستمرة التي تلتها في غزة، جعل تاريخ انتهاء صلاحية
الاقتصاد الاسرائيلي أقرب بكثير، حيث تزداد القصة تعقيدا، بسبب تكلفة الحرب، وعواقبها
الاقتصادية الرئيسية".
وأكدا
أن "العاقبة الأولى تتمثل بالتكلفة المباشرة لمرة واحدة المقدرة بـ200 مليار
شيكل، وثانيها خسارة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي نتيجةً لشهور طويلة من خدمة
الاحتياط، وتضرر النشاط التجاري، والعزلة الدولية التي تُضعف الاقتصاد، مما سيُقلل
عائدات الضرائب؛ وثالثها زيادة دائمة في ميزانية الحرب للعقد القادم، ويتوقع أن
تصل 40 مليار شيكل سنويًا، وبحساب تقريبي، نتيجةً للحرب، سيتعين زيادة الضرائب
بأكثر من 70 مليار شيكل سنويًا خلال العقد القادم، دون مراعاة التكلفة الباهظة
للخدمة النظامية والاحتياطية في الجيش".
وأوضحا
أن "إدراك عمق المشكلة يستدعي الإقرار بأن إسرائيل تسير حاليًا على
مسارٍ غير مُستدام يُهدد وجودها في المستقبل المنظور، رغم أن جذور المشكلة تكمن في
نظامها الحاكم، وهيكله، وستتصاعد مع تغير التركيبة السكانية، واحتدام الصراع على
توزيع الموارد، مما سيؤدي انشغال لا ينتهي بقضايا قصيرة الأجل على حساب التعامل
الجاد مع التحديات الاستراتيجية، كما يعاني الجمهور بأكمله من حكومات غير مستقرة
وعاجزة".
وحذرا
أنه "لم يعد لدى الاسرائيليين وقت يضيعونه في "إخماد الحرائق"، أو
في الحروب الداخلية، خاصة في ضوء الشرخ الهائل الذي شهدوه في السنوات الأخيرة، مما
يستدعي منهم العمل على إنقاذ الدولة من الانهيار باعتبار ذلك ضرورة وجودية".
اظهار أخبار متعلقة
من جانبه أكد، إيلي
كوهين، الرئيس التنفيذي لشركة "بيثون لايف"، أن "التقديرات
الاسرائيلية تتوافق على أن الطبقة المتوسطة تشهد انهيارا تصاعدياً منذ عامين، مع
اندلاع الحرب على غزة، مما أسفر عن تضرر مباشر في قلب الاقتصاد المحلي، وباتت
الدولة بأكملها غارقة في طلبات المساعدة وجمع التبرعات".
وأضاف
في
مقال نشرته صحيفة إسرائيل اليوم، وترجمته "عربي21" أن "تقريرا جديدا صادرا عن منتدى الهستدروت للعاملين، كشف عن
أزمة اقتصادية
خطيرة، حيث يواجه 32% من الأيدي العاملة صعوبة في دفع أقساط مساكنهم وإيجاراتهم،
وطلب عدد كبير منهم مساعدة الدولة، لكنهم لم يتلقّوها، وحصل بعضهم على تأجيل
لأقساط الرهن العقاري مع فوائد، وهذا مؤشر آخر على أزمة أخرى متوقعة قريبًا".
وأوضح
أن "شركة بيثون ليف أفادت بزيادة بنسبة 23% في طلبات المساعدة، وأن معظم هذه
الزيادة تأتي من العمال لحسابهم الخاص غير القادرين على العيش، مما يضع علامات
استفهام حول مدى قدرة الاقتصاد المحلي على التحرك، لأن الحديث يدور عن العديد من
الشركات التي تغلق ببطء، وستصل العائلات الاسرائيلية إلى أوضاع اقتصادية صعبة لم
يعرفوها من قبل".
وأوضح
أننا "نشهد انهيار الطبقة المتوسطة في إسرائيل خلال العامين الأخيرين، خاصة
مع بداية الحرب، حيث تزايدت موجات المساعدة الحكومية والخاصة لقطاع الأيدي العاملة
بسبب تعبئتهم في صفوف جيش الاحتياط، وباتت الدولة بأكملها اليوم مشبعة بطلبات
المساعدة والتبرعات، ويصل عدد الحاصلين عليها قرابة 200 ألفا ممن عانوا لسنوات
عديدة في إسرائيل التي يعاني فيها الاقتصاد من الهشاشة، والوضع الأمني المحفوف
بالمخاطر، ويمثل بدء عمل تجاري في حد ذاته أمرًا صعبًا".
وأشار إلى أن "دراسات ميدانية أجريت قبل أشهر أكدت انخفاضا بنسبة 42 بالمئة في النشاط التجاري
بين من نجوا من الصعوبات الاقتصادية، واستمروا بالحفاظ على العمل خلال الحرب، لكنهم
الآن على وشك الانهيار، مما يستدعي من الحكومة التحرك بسرعة في ثلاثة مجالات
مساعدة، أولاها مساعدة مالية موجهة للعمال، ليست قروضًا تُجبرهم على تمديدها
لسنوات، بل مساعدة شخصية تراعي الاحتياجات الفورية طويلة الأجل".