مقابلات

قيادي بحزب الله لـ"عربي21": الجيش غير راضٍ عن قرار الحكومة بشأن الورقة الأمريكية

إيهاب حمادة أكد أن "أي مواجهة ضد أكثر من نصف اللبنانيين (الشيعة) ستظهر الجيش كميليشيا تابعة لطائفة بعينها"- عربي21
قال النائب في البرلمان اللبناني عن حزب الله، الدكتور إيهاب حمادة، إن "الجيش اللبناني غير راضٍ عن قرار الحكومة بشأن الورقة الأمريكية، لكنه يُمثل سلطة تنفيذية أمام القرار السياسي. لا نستطيع التنبؤ بموقفه النهائي بدقة، لكننا نحذر من أن أي مواجهة ضد أكثر من نصف اللبنانيين (الشيعة) ستظهر الجيش كميليشيا تابعة لطائفة أو مذهب أو منطقة".

وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي21": "إذا ذهب الجيش ليكون منحازا لجانب ضد آخر، فلن يعود جيشا وطنيا بكل بساطة. نحن نثق بقيادة الجيش وتاريخه وعقيدته القتالية التي تعتبر الإسرائيلي عدوا، ولا أحد غيره. لكن، تحت الضغط، والترغيب، والترهيب، نحذر للغاية من أي انسجام للجيش مع هذا القرار الحكومي المنعدم إذا كان يعني جدولة زمنية أو محاولة نزع السلاح بالقوة، وسنتعامل مع الجيش حينها كما نتعامل مع أي طرف يحاول نزع نقاط قوتنا، رغم ثقتنا في الجيش وفي حكمة قيادته".

وأكد حمادة أن "الحكومة اللبنانية قرّرت أن تسلّم لبنان للاحتلال الإسرائيلي على طبق من ذهب، وأن تمحو وجودها ووجود كل اللبنانيين في سبيل تحقيق الإرادة الصهيو–أمريكية، وإذا استمرت الحكومة في هذا النهج، فإننا ننعى لبنان الذي تدّعي تمثيله، وربما يكون بعض الأطراف متواطئا مع الإسرائيلي لجرّ البلاد فعليا إلى حرب أهلية مدمّرة، وصدام لبناني–لبناني لا يستفيد منه إلا الاحتلال الإسرائيلي".

وشدّد حمادة على أن "الورقة الأمريكية لم تُكتب فقط تحت إشراف أمريكي، بل صيغت بأيدٍ إسرائيلية، وبحبر إسرائيلي، لتعكس أولا وأخيرا المصالح الإسرائيلية. ومن هنا، فإن مجرد طرح هذه الورقة الأمريكية على طاولة مجلس الوزراء اللبناني يُعد بحد ذاته تدخلا سافرا واعتداءً مباشرا على السيادة والحرية والاستقلال اللبناني".

وفجّرت خطة الحكومة اللبنانية لتنفيذ "الورقة الأمريكية"، مؤخرا، عاصفة سياسية فورية، حيث انسحب وزراء "حزب الله" و"حركة أمل" من جلسة مجلس الوزراء، يوم الخميس 7 آب/ أغسطس الجاري، احتجاجا على طرحها، معتبرين أنها تمس جوهر التوازن الداخلي.

وإلى نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

كيف تقيم الوضع اللبناني الراهن في ظل الانقسام الحاد الذي أثارته الورقة الأمريكية المطالبة بنزع سلاح حزب الله؟


في توصيف المشهد الراهن، يمكن القول إن الحكومة تجاوزت نصا دستوريا أساسيا يشكّل فقرة من المبادئ العامة للدستور، إذ إن "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك". وعندما مضت الحكومة في إقرار مطلب صهيو–أمريكي بكل ما للكلمة من معنى، متجاوزة مكوّنا طائفيا أساسيا في البلاد، فقد تجاوزت بذلك الدستور. ثم إنها تجاوزت أيضا - إذا جاز التعبير - "الدستور الثاني"، أي ما تم التوافق عليه بين جميع المكوّنات اللبنانية في اتفاق الطائف بالمملكة العربية السعودية، والذي نص بوضوح على حق لبنان في الدفاع عن أرضه وثرواته وحدوده، واعترف بوظيفة المقاومة.

ومنذ عام 1992 وحتى اليوم، أكدت جميع البيانات الوزارية المتعاقبة على حق المقاومة في مواجهة العدو، وهو حق راسخ تثبته الشرائع الإلهية السماوية، وتقرّه كذلك كل القوانين الوضعية، بل إنني لا أعتقد أن هناك بلدا واحدا على وجه الأرض يخلو نص دستوره من مبدأ الدفاع عن أرضه وحقوقه وثرواته ووجوده.

لقد وصلنا إلى هذه المرحلة تحت وطأة ضغوط أمريكية وإسرائيلية مباشرة، في وقت ما تزال فيه أراضٍ لبنانية مُحتلة، وثروات لبنانية مُستهدفة، وشعب لبناني يتعرض للتهديد، ويكفي أن نسمع قائد أركان الجيش الإسرائيلي وهو يصرّح من على أرض لبنانية، وأن نتابع نتنياهو في إعلانه الواضح عن أطماعه في الأراضي العربية، من مصر إلى الأردن إلى فلسطين – بطبيعة الحال – وصولا إلى لبنان، بل وربما أبعد من ذلك ليشمل العراق والسعودية، في مشروع توسعي لا تُغلق صفحاته.

وفي ظل هذه المتغيرات والمخاطر الكبيرة، تأتي حكومة تدّعي انتماءها إلى لبنان، لتعمل على تثبيت الإرادة الأمريكية والإسرائيلية، وتنزع من لبنان نقاط قوته التي حَمَته عبر تاريخه وما زالت تحميه حتى اليوم. وتصدر القرار استجابة لأصوات لبنانية تابعة لتلك الإدارة، أصوات ارتمت منذ 17 أيار/ مايو 1985 في أحضان الإسرائيلي، وتسعى الآن إلى أخذ البلاد نحو مسار مختلف تماما. إن ما نشهده اليوم ليس سوى استمرار للانقلاب الفج على صيغة العيش المشترك وعلى الصيغة الميثاقية للبنان.

لهذا، لا يمكن لنا أن نسمح مطلقا بتمرير هذا المسار، ونؤكد أننا لسنا بحاجة إلى إذن من أحد لنحمي أنفسنا وأرضنا وبيوتنا ومؤسساتنا وأعمالنا، برا وبحرا وجوا. لا يجوز لأحد أن ينتظر موافقة طرف خارجي ليدافع عن وجوده في لحظة كهذه.

لقد اجتمعت الحكومة اللبنانية في 5 و7 آب/ أغسطس الجاري، وقررت بوضوح أن تسلّم لبنان للاحتلال الإسرائيلي على طبق من ذهب، وأن تمحو وجودها ووجود كل اللبنانيين في سبيل تحقيق الإرادة الصهيو–أمريكية، وإذا استمرت الحكومة في هذا النهج، فإننا ننعى لبنان الذي تدّعي تمثيله، وربما يكون بعض الأطراف متواطئا مع الإسرائيلي لجرّ البلاد فعليا إلى حرب أهلية مدمّرة، وصدام لبناني–لبناني لا يستفيد منه إلا الاحتلال الإسرائيلي.

هل موقفكم من الورقة الأمريكية يشمل الرفض التام لكل بنودها أم أنكم منفتحون على مناقشة تعديلات معينة فيها؟

مفهوم السيادة، ومفهوم الحرية، ومفهوم الاستقلال لأي دولة يعني ببساطة ألا تكون قراراتها أو سياساتها خاضعة للنقاش أو الإملاء من أي طرف خارجي، وألا يُطرح على طاولتها أي نص أو ورقة مُقدمة من دولة أخرى لتقرير مصيرها. ومع ذلك، نسمع اليوم في لبنان بعض الأصوات التي تحاول اتهام الطرف الذي نمثله بالتفريط في السيادة لمجرد قيام مسؤول في دولة إقليمية بزيارة إلى بيروت، في حين أن هذه الأصوات نفسها لا تتورع عن إعلانها الصريح بأنها تناقش، وبكل ارتياح، ورقة جاءت من المبعوث الأمريكي توماس باراك.

إننا على يقين تام أن هذه الورقة لم تُكتب فقط تحت إشراف أمريكي، بل صيغت بأيدٍ إسرائيلية، وبحبر إسرائيلي، لتعكس أولا وأخيرا المصالح الإسرائيلية. ومن هنا، فإن مجرد طرح هذه الورقة الأمريكية على طاولة مجلس الوزراء اللبناني يُعد بحد ذاته تدخلا سافرا واعتداءً مباشرا على السيادة والحرية والاستقلال اللبناني. فنحن نعرف، تاريخيا وواقعا، أن الولايات المتحدة لم تُقدّم في أي مرحلة من المراحل مصلحة لبنان على مصلحة إسرائيل، ولن تفعل ذلك يوما ما. طبيعة العلاقة والتحالف الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب تجعل من المستحيل أن تُكتب كلمة واحدة في هذه الورقة لصالح لبنان.

وانطلاقا من هذا المبدأ، نعلن بوضوح أننا نرفض الورقة الأمريكية كاملة وجملةً وتفصيلا. فنحن لدينا اتفاق وتفاهم سابق يتعلق بالقرار 1701، وأي محاولة لطرح ورقة جديدة تعني عمليا الدخول في اتفاق آخر يتم فرضه تحت عنوان القوة والتهديد، وهذا أمر لم يُناقش مع أحد ولن نقبل به. هذه الورقة، بكل تفاصيلها، تُمثل في حقيقتها اعترافا بكل الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من 8 أشهر، بما في ذلك الاستباحة والقتل، وتجاوز أكثر من أربعة آلاف خرق، ثم تأتي لتطرح اتفاقا جديدا... تحت أي مبرر؟

لقد وافقنا سابقا على التفاهم حول القرار 1701 بعد موافقة الدولة اللبنانية عليه، وهو تفاهم يتضمن انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المُحتلة، وتسوية النقاط الخمس التي أصبحت ست نقاط اليوم، إلى جانب قضايا تتعلق بالثروات الطبيعية، وإعادة البناء، وإعادة الإعمار. ومن المنطقي أن هناك مراحل وخطوات تسبق الوصول إلى أي نقاش حول نقطة قوة لبنان المُتمثلة في المقاومة وسلاحها.

أكثر من ذلك، القرار 1701 نفسه جاء برعاية أمريكية وبضمانة أمريكية، لكننا اليوم نسمع توماس باراك وغيره من المسؤولين الإسرائيليين يتنصلون من هذه الضمانة ويعلنون إسقاطها عمليا. وهذا يثبت مجددا أن الموقف المبدئي والنهائي من الورقة الأمريكية هو الرفض المطلق، لأنها لا تمثل مصلحة لبنان، بل تكريسا للأجندة الصهيو–أمريكية.

هل يمكن لحزب الله تسليم سلاحه في حال انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان؟

موقفنا في هذا الشأن واضح وصريح؛ فبعد الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية، وضمان إعادة إعمار كل ما دمرته الحرب، وضمان أن يكون لبنان قويا قادرا على مواجهة أي اعتداء - باعتبار أن الخطر الإسرائيلي خطر دائم وليس ظرفيا - وعندما نطمئن إلى قدرة الدولة ومتانتها، وفق ما نصطلح على تسميته بـ"الاستراتيجية الدفاعية"، عندها نكون مستعدين للدخول في نقاش حول الموضوع.

أما في المرحلة الراهنة، وقبل الانسحاب الإسرائيلي، وقبل تنفيذ البنود التي أشار إليها الرئيس اللبناني وعددها عشرة عناوين أساسية، فإننا غير منفتحين على أي نقاش من شأنه المساس بسلاح المقاومة؛ فالنقاش في هذا الملف لا بد أن يكون من خلال إطار "الاستراتيجية الأمنية" التي تتفرع عنها "الاستراتيجية الدفاعية"، وهذا ما ورد نصا في خطاب القسم الرئاسي، وما أُدرج بوضوح في البيان الوزاري.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا تجاوز الرئيس هذا المبدأ، ولماذا تجاوزته الحكومة، وهو أحد أسس بيانها الوزاري الذي نالت على أساسه ثقة البرلمان؟، إن الحكومة الحالية، بقرارها الأخير، تنكرت لبيانها الوزاري الذي كان أساس شرعيتها، وبذلك تكون قد تجاوزت الدستور، وميثاق العيش المشترك، واتفاق الطائف، وصولا إلى تجاوز بيانها الوزاري نفسه. وبناءً على ذلك، فإننا نعتبر أن القرار الصادر في جلسات 5 و7 آب/ أغسطس قرار معدوم الوجود، ولا شرعية له تماما، وفق المصطلح القانوني الدقيق.

لكن جميع الوزراء "الثنائي الشيعي" شاركوا في الجلسة الحكومية الأخيرة التي عُقدت في 7 آب/ أغسطس الجاري.. ما معنى ذلك؟

نحن نتحدث تحديدا عن الجلستين اللتين صدر فيهما هذا القرار المعدوم، حيث حاول الوزراء المُمثلون للطائفة الشيعية - وهي بالمناسبة أكبر المكوّنات اللبنانية على المستويين الجغرافي والديموغرافي - الاعتراض على ما جرى. فعدد أبناء هذه الطائفة يزيد على مليون وثمانمئة ألف نسمة، أما على المستوى الجغرافي، فإن الجنوب اللبناني وحده يشكل نحو 22% من مساحة البلاد، وتضاف إليه بعلبك–الهرمل التي تُمثل 30% من المساحة الكلية، وهذا يعني أننا أمام واقع يتمثل في أن ما يقارب 52% من جغرافيا لبنان تتعرض يوميا لاعتداءات إسرائيلية، فضلا عن أن أكثر من نصف المكوّن البشري في البلاد معني مباشرة بهذا العدوان. فكيف، من الناحية الدستورية والقانونية والإنسانية والأخلاقية، يُسمح لأشخاص لا تصل إليهم حتى أصوات الرصاص أن يتخذوا قرارات مصيرية تمس هذه النسبة الكبيرة من الوطن وسكانه؟

وفوق ذلك، إذا أخذنا في الاعتبار حجم التأييد الشعبي للمقاومة حتى بين الطوائف الأخرى، نجد أن استطلاعات رأي موثوقة أظهرت أن أكثر من 75% من اللبنانيين يرفضون تسليم سلاح المقاومة قبل استكمال الاستراتيجية الدفاعية وقبل الانسحاب الإسرائيلي الكامل. وعليه، فإننا نعتبر أن الحكومة، من خلال قرارها الأخير، قد أقدمت على خطوة غير شرعية وغير وطنية، متجاوزة بذلك كل الأركان والمبادئ التي تأسس عليها لبنان في مراحله المختلفة، سواء في دولته الأولى أو الثانية أو الثالثة.

هل يمكن القول إن حزب الله تعرّض لـ"خديعة كبيرة" جرّاء الوعود التي قُدّمت له خلال الاستحقاق الرئاسي؟

ما أعرفه تاريخيا هو أن هناك مَن أغدق علينا كامل الدنيا، ومنحنا السيطرة الكاملة على لبنان لكن بشرط وحيد: أن نُسلّم للإسرائيليين والأمريكيين، وهم يعرفون تماما أننا لسنا طلاب حكم، ولا طلاب مناصب، ولا طلاب دنيا.

أكثر من ذلك، نحن كمقاومة أنجزنا تحرير لبنان، ولم نتخذ منصبا في الدولة اللبنانية، ولم نختلف مع أحد على وزير. في كل الحكومات، كان يُمثل المقاومة وزير أو وزيران، والآن نحن خمسة وزراء للطائفة الشيعية. نحن أنجزنا التحرير، وحققنا استقلال هذا البلد، سواء من الاحتلال الإسرائيلي أو الاحتلال التكفيري، ولم نسعَ إلى السلطة، بل قدّمنا أنفسنا شهداء في سبيل حماية الآخرين. في الحرب الأخيرة سقط أكثر من 6 آلاف شهيد، والأمين العام - الذي نعتقد أن الدنيا لا تجود بمثله ولو بعد قرون - وقياداتنا كلها رووا هذه الأرض بدمائهم، وهم سادة هذا الوجود.

لكن ماذا تقولون لمن يتهمكم بالسعي وراء النفوذ السياسي أو السيطرة على القرار اللبناني؟

نحن قدمنا دماءنا في سبيل لبنان واستقلاله، لا لكي يأتي بعض من يحمل الجنسية اللبنانية حبرا على ورق، ولا يمتلك أي انتماء، بل يشير تاريخه إلى ارتمائه في حضن الإسرائيلي، ليتخذ قرارات تمسّنا جميعا. السقف المرتفع الذي يتحدث به سماحة الأمين العام لحزب الله أمس الجمعة هو تحذير للبعض في لبنان ممن يعتقدون أنهم، من خلال الضغط، يمكن أن يأخذوا لبنان إلى ملعبهم ليكون عبدا في منزله وفي داره. هؤلاء واهمون تماما، فلبنان سيبقى لكل اللبنانيين.

أما البعض الذي يريد فتح صفحات التاريخ للعودة إلى الحرب الأهلية، فنسأل: لمصلحة مَن؟، لمصلحة إسرائيل؟، هؤلاء خونة، ويجب أن يُساقوا إلى العدالة يوما ما بتهمة خرق الدستور. وهنا أذكّر بالمادة 273 من قانون العقوبات التي تنص بوضوح على أن كل مَن يُسهّل للعدو إلحاق الأذى بلبنان أو استهدافه، إذا ثبت عليه ذلك، يُحاكم ويُعاقب بالأشغال المؤبدة، وإذا نتج عن فعله أمر أخطر، يُحكم بالإعدام.

هذا موقف سياسي واضح، لكن ماذا عن البُعد القانوني والدستوري الذي تستندون إليه؟

هذا هو النص الدستوري إذا أرادوا العمل بالدستور، وهذا هو النص القانوني إذا أرادوا العمل بالقوانين. المشكلة أن البعض بلغ من الجرأة والحمق حدّا لا يُصدّق. نحن نسمع ونرى ما يجري، ونحن حريصون لأبعد مدى على السلم الأهلي ووحدة اللبنانيين، ونحن الذين دفعنا دماءنا من أجل السني والمسيحي والدرزي في هذا البلد، وما زلنا ندافع عنهم. فالجنوب ليس شيعيا فقط، بل فيه الشيعة والسنة والمسيحيون، والبقاع كذلك فيه كل الطوائف.

ما تعليقكم على الخطاب الطائفي الذي عاد للظهور في الآونة الأخيرة؟

المسألة ليست طائفية، بل مشروع إسرائيلي–أمريكي قائم في ظل تبدل المصالح والمتغيرات الكبرى. مَن يأتيك اليوم في لبنان ليقول: "أعطني سلاحك لأسلّم رقبتك للإسرائيلي"، نسأله: من أجل مَن؟ ألا ترون ما يحدث في غزة؟ بالأمس، نتنياهو عرض خريطة لما يُسمى "إسرائيل الكبرى"، التي تبتلع مصر والأردن وسوريا بعد أن ابتلعت فلسطين.

المشروع الإسرائيلي واضح كما عبّر عنه نتنياهو وترامب، ولم يُسحب من القاموس، بل مستمر ويتركز على مواصلة الإبادة والتهجير للفلسطينيين. ومع ذلك، هناك مَن يتعامى عن رؤية هذا الخطر الداهم، بينما قائد الأركان الإسرائيلي يصرح من الأرض اللبنانية. فأين السيادة المزعومة؟ وأين الحرية والاستقلال؟ الدولة التي لا تدافع عن نفسها وعن أرضها ليست دولة، بل مجرد اسم أو حبر على ورق.

الواقع الميداني يثبت أن هذا المشروع الصهيو-أمريكي لا يميز بين طائفة وأخرى، بل يستهدف لبنان بأكمله ويستثمر الانقسامات الداخلية لتحقيق مصالحه. محاولة بعض القوى المحلية إعادة إنتاج خطاب طائفي أو الطعن في سلاح المقاومة هي خدمة مباشرة لهذا المشروع الخارجي، لأنها تضع لبنان في مرمى المخاطر وتضعف قدرته على الدفاع عن أراضيه وشعبه. في النهاية، لبنان قوي بموحديه وبوحدته الوطنية، وأي محاولة لتقويض هذا التماسك ستصب في مصلحة المشروع الإسرائيلي–الأمريكي وحده.

هل تعتبرون الحكومة الحالية حكومة شرعية ووطنية أم "حكومة خونة" كما ألمحتم سابقا؟

في القرار الحكومي الذي اتُخذ بشأن نزع سلاح المقاومة، كل مَن صوّت مؤيدا مُتهم. الذي لا يواجه عدوه مُدان، والذي ينسجم معه "خائن". هذا ليس مجرد توصيف لغوي، بل مبدأ معمول به في كل دول العالم.

هل هناك جهود حاليا لمحاولة إيجاد حل للأزمة والتوصل إلى تفاهمات بين الطرفين؟

نحن لم نقطع التواصل مع أحد، وما نطرحه دائما واضح: تعالوا كلبنانيين، لنجتمع كلبنانيين، دون تدخل أي طرف خارجي، ولنضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار. نحن نعتقد أن القرار الأخير اتُّخذ على حساب لبنان ومستقبله ووجوده، وأنه يقود إلى خطر وجودي داهم على البلد. ومخطئ مَن يظن أن طائفة أو مكوّن بعينه سيدفع الثمن وحده. الإسرائيلي ليست مشكلته مع الشيعة فقط، بل مع السنة أيضا، كما نرى في غزة.

نتنياهو يتحرك من منطلقات توراتية دينية، لا علمانية، ويزعم أنه مُرسل لتحقيق رسالة إلهية على هذه الأرض، ويعمل على تحقيق أطماعه وفق مزاعمه التاريخية والدينية الباطلة.

على اللبنانيين جميعا أن يدركوا أن المُستهدف هو لبنان بكامله، لا طائفة بعينها. تذكروا حين كان شاه إيران في الركب الصهيو–أمريكي، وكيف قبّل ملك عربي يده. المسألة ليست صراعا شيعيا–سنيا، بل صراع بين من ينتمي للمشروع الإسرائيلي ومن يتمسك بهويته الوطنية والدينية.

كيف ترون موقف المؤسسة العسكرية من "الورقة الأمريكية"؟

أولا، نحن ننظر إلى الجيش على أنه جيش وطني اكتسب قيمته من انتمائه إلى كل اللبنانيين. إذا ذهب الجيش ليكون منحازا لجانب ضد آخر، فلن يعود جيشا وطنيا بكل بساطة. نحن نثق بقيادة الجيش وتاريخه وعقيدته القتالية التي تعتبر الإسرائيلي عدوا، ولا أحد غيره. لكن، تحت الضغط، والترغيب، والترهيب، نحذر للغاية من أي انسجام للجيش مع هذا القرار الحكومي المنعدم إذا كان يعني جدولة زمنية أو محاولة نزع السلاح بالقوة فلن يبقَى الجيش جيشا وطنيا بالنسبة لنا، وسنتعامل معه كما نتعامل مع أي طرف يحاول نزع نقاط قوتنا، رغم ثقتنا في الجيش وفي حكمة قيادته.

قبل أيام، استُشهد مجموعة من عناصر الجيش اللبناني، وكان معظمهم من بيئة المقاومة. في تشييعهم، رُفعت شعارات وهتافات للمقاومة في وجه مَن يريد نزع السلاح وهم يشيعون شهداء الجيش اللبناني. وظيفة الجيش، حسب الدستور، هي حماية لبنان والدفاع عنه، ولا يجب عليه الخروج عن هذه الوظيفة الوطنية والدستورية.

ماذا تطلبون من الجيش اليوم؟

نطلب من الجيش أن يمارس مهمته الدفاعية. وقد صرح الأمين العام الشيخ نعيم قاسم بوضوح: "ليأتِ الجيش ونحن معه لنواجه الاعتداء ونحرر الأرض". الجيش مؤسسة دفاعية، وأرضنا مُحتلة. البيان الوزاري وقرارات الحكومة كلها تتحدث عن بسط سيادة الدولة. إذا، فليُبسط سيادة الدولة على الجنوب حيث النقاط المُحتلة من قِبل الإسرائيلي.

لكن، الجيش لا يملك القدرات بسبب الفيتو الأمريكي على التسلح. إذا كانت المقاومة في الحرب الأخيرة لم تتمكن من حماية لبنان بسبب ضعف سلاحها، فكيف سيكون الحال مع الجيش؟ المقاومة أقوى بأضعاف وأضعاف من الجيش في العتاد والاقتدار والسلاح. فهل يريد بعض من يسمون أنفسهم بالداعين إلى السيادة والحرية والاستقلال أن يحل محل قوة المقاومة؟

نؤكد أن المقاومة ليست بديلة عن الجيش، بل هي قوة مُكمّلة للدفاع عن لبنان. نحن نطالب الجيش بأن يكون شريكا فاعلا في حماية الأرض والمواطنين، لا أن يُترك وحده لمواجهة التهديدات دون أدوات أو دعم. القدرة الدفاعية يجب أن تكون متكاملة، وأن يتحمل كل طرف مسؤولياته ضمن إطار واضح يحمي الوطن، لا أن يتحول الجيش إلى أداة لإضعاف مَن يحمون لبنان فعليا على الأرض.

بوضوح: هل الجيش اللبناني مع أو ضد "الورقة الأمريكية" المطروحة حاليا؟

ما نعرفه أن الجيش غير راضٍ عن قرار الحكومة، لكنه يُمثل سلطة تنفيذية أمام القرار السياسي. لا نستطيع التنبؤ بموقفه النهائي بدقة، لكننا نحذر من أن أي مواجهة ضد أكثر من نصف اللبنانيين ستظهر الجيش كميليشيا تابعة لطائفة أو مذهب أو منطقة.

هناك تقارير عن خلافات داخل المؤسسة العسكرية وخاصة بين وزير الدفاع وقائد الجيش بخصوص تطبيق الورقة الأمريكية.. ما معلوماتكم حول ذلك الأمر؟

لا معلومات مؤكدة، لكن الجيش اكتسب مكانته من انتمائه لكل لبنان. موقف قائد الجيش قد يتأثر بالمعطيات الوجودية للبلد. نحن متفائلون بموقف الجيش، رغم التحذيرات التي نطلقها من وقت لآخر، لأن حجم التدخل الأمريكي غير مسبوق. إذا ذهب الجيش لتطبيق خيار الحكومة، فذلك يعني مشكلة بنيوية خطيرة جدا في الصيغة اللبنانية كلها.

البعض يتوقع إقدام قائد الجيش العماد رودولف هيكل على تقديم استقالته إذا تأزمت الأوضاع.. هل هذا وارد؟

أستبعد ذلك. قائد الجيش يجب أن يحمل الانتماء إلى وطنه، وهذه مسؤولية. إذا استقال، فهذا يعني أن الورقة الأمريكية تدفع إلى شل لبنان والاعتداء عليه. الورقة الأمريكية معادلها الموضوعي حرب أهلية لبنانية.

لا يمكن للأمريكي أن يظن للحظة أنه يستطيع إدخال الجيش بالقوة لنزع سلاح المقاومة، فهو لم يدرس أو يقيّم احتمال أن تكون النتيجة الحتمية حربا أهلية لبنانية. بالتالي، يظهر جليا أن الورقة الأمريكية تخدم المصالح الإسرائيلية بنسبة 100%، على حساب لبنان ومصالحه الوطنية بنسبة 100%.

هناك مَن يطرح نزع الأسلحة الهجومية من حزب الله مع الإبقاء على الأسلحة الخفيفة والدفاعية.. ما موقفكم من ذلك؟

لصالح مَن؟ ما نطالب به هو أن يمتلك الجيش والمقاومة أي سلاح كاسر يوازن العدو. السلاح الخفيف، كما يريد البعض، هدفه أن نقتل بعضنا بعضا. السلاح الذي يُشكّل خطرا على الإسرائيلي هو ما يريدون سحبه وفقا للورقة الأمريكية، بل حتى السلاح الخفيف يريدون نزعه، ليُترك لبنان أعزل أمام العدو، وأن نُساق كالنعاج إلى مذابحهم.

هل دخل لبنان مرحلة ما بعد حزب الله، كما يرى البعض؟

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا، ويأتيك بالأخبار من لم تُزوّد.

هل ندمتم على دعم حزب الله للرئيس اللبناني جوزيف عون أثناء الاستحقاق الرئاسي؟

نحن لا نندم على أي قرار اتخذناه، بل نأخذ عبرة ودروسا من السلوك الذي نتبناه، مما يعزز مواقفنا ويقوّي التزامنا بمبادئنا.

ما مدى قدرة حزب الله على مواجهة كل الضغوط الحالية منفردا؟

ذكر سماحة الأمين العام الشيخ نعيم قاسم: اتركونا ونحن سنواجه إسرائيل، لا تطعنونا من الخلف، وإذا فُرضت علينا المواجهة، فنحن جاهزون لها ومستعدون، ولن يكون أمامنا خيار حينها إلا المواجهة بكل ما نملك من قوة وإرادة، وسنخوضها معركة كربلائية إذا لزم الأمر، في مواجهة هذا المشروع الإسرائيلي الأمريكي مهما كلفنا، ونحن واثقون أننا سننتصر في هذه المعركة، وهيهات منا الذلة.

وهذا التأكيد يعكس موقف المقاومة الثابت في الدفاع عن لبنان وأرضه، ويبيّن أن أي تهديد خارجي لن يُفرض علينا بدون رد فعل، وأن الخيار السيادي للشعب اللبناني والمقاومة هو حماية الوطن مهما كانت التحديات والضغوط سواء من عدو خارجي أو حتى داخلي.

كل المشهدية الحالية مرّت على حزب الله منذ 1982 حتى اليوم. بدأنا المقاومة بلا سلاح، ولم يكن أحد معنا بل على العكس كانت السلطة في ركاب العدو، لكننا انتصرنا وحرّرنا بيروت، رغم أننا كنا حينها قلة ولم يكن معنا سلاح. قاومنا بالزيت المغلي وأشلاء أبنائنا عبر العمليات الاستشهادية، وانتصرنا.

حزب الله كطائر الفينيق يخرج من الرماد، ونحن ننتمي إلى عقيدة ترى أن المواجهة بكرامة هي الحياة، ونؤكد أن هذه العقيدة مستمرة، وأن لبنان سيبقى قويا بقدرة مقاومته ووحدة أبنائه.