المرأة والأسرة

هل يمكن للذكاء الاصطناعي الكتابة أفضل من الإنسان؟ رواية فازت باستخدام "شات جي بي تي"

دراسة لجامعتي لندن كوليدج وإكستر: الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في كتابة الروايات تؤدي إلى أعمال متشابهة - أكس
نشرت صحيفة " الغارديان " تقريرا للصحفي جون سيلف قال فيه إن رواية "برج التعاطف طوكيو" أثارت جدلا واسعا لكونها مكتوبة جزئيا باستخدام الذكاء الاصطناعي، متسائلا:" هل تعتقد مؤلفتها أن هذه التقنية قادرة على كتابة رواية أفضل من الإنسان؟".

تقول الروائية اليابانية راي كودان: "لا أشعر بأي حزن على استخدام عملي لتدريب الذكاء الاصطناعي، حتى لو نُسخ، فأنا واثقة من أن جزءا مني سيبقى، ولن يستطيع أحد نسخه".

تحدثت الكاتبة، البالغة من العمر 34 عاما، مع صحيفة الغارديان عبر تطبيق زووم من منزلها بالقرب من طوكيو، قبل نشر الترجمة الإنجليزية لروايتها الرابعة "برج التعاطف طوكيو"، والتي أثارت جدلا واسعا في اليابان عقب فوزها بجائزة مرموقة، على الرغم من أن جزءًا منها كُتب باستخدام "شات جي بي تي" أحد أفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

وتدور أحداث رواية "برج التعاطف طوكيو" حول المهندسة المعمارية اليابانية سارة ماتشينا، التي كُلّفت ببناء برج جديد لإيواء المجرمين المدانين، وسيكون تمثيلا لما تسميه إحدى الشخصيات - بسخرية - "سعة الأفق الاستثنائية للشعب الياباني"، حيث سيأوي البرج المجرمين في راحة ورحمة، وفي الرواية، تتساءل سارة، وهي ضحية لجرائم عنف، عما إذا كان هذا النهج المتعاطف مع المجرمين مناسبا، وهل يعكس هذا التعاطف واقع المجتمع الياباني؟.

تقول كودان: "إنه سائد بالتأكيد"، وتضيف أن أحد دوافع كتابة الرواية كان اغتيال رئيس الوزراء السابق شينزو آبي في تموز/ يوليو 2022، "أصبح الشخص الذي أطلق النار عليه محط اهتمام كبير في اليابان - وأثارت خلفيته تعاطفا كبيرا من الناس، لقد نشأ في أسرة شديدة التدين، وحُرم من حريته، كانت هذه الفكرة تراودني منذ فترة طويلة، وعندما بدأت كتابة الرواية، عادت إلى ذهني كجزء من عملية الكتابة".
وتدور أحداث القصة حول مواقف الجمهور تجاه المجرمين، بطرق جادة وساخرة، حيث يجب على السكان المحتملين للبرج الخضوع "لاختبار التعاطف" لتحديد ما إذا كانوا يستحقون التعاطف عبر طرح أسئلة مثال عليها: "هل سبق لوالديك التصرف بعنف تجاهك؟ - نعم / لا / لا أعرف" ، وسيتخذ الذكاء الاصطناعي القرار النهائي.

فازت رواية "برج التعاطف طوكيو" بجائزة أكوتاغاوا عام ٢٠٢٤ للكتاب الجدد أو الصاعدين عند صدورها لأول مرة، وتقول كودان إنها كانت "سعيدة"، لكنها "شعرت أيضًا بالتحرر"، لأنه وبمجرد أن تبدأ مشوارك الأدبي، سيكون هناك ضغط مستمر للفوز بهذه الجائزة"، مستشهدة كيف أنها في عام ٢٠٢٢، رُشِّحت عن روايتها "تلميذة"، لكنها لم تفز، قائلة:" شعرت أنني خذلت الناس بعدم فوزي بالجائزة، وهو أمر لم أرغب في تكراره، كما تعلم، مع هذه الجائزة، تبقى معك طوال حياتك".

الصحفي جون سيلف، قال إن ما لفت انتباهي بشأن الكتاب أيضا، هو أن كودان ذكرت أن جزءًا منه - 5 في المائة - ، قد كُتب باستخدام الذكاء الاصطناعي، هو الرقم المذكور الذي عادت وقالت بأنه مجرد رقم تقدير تقريبي يشمل أجزاءً من الرواية تُعرض على أنها حوار بين إحدى الشخصيات، والواقع أن كودان استلهمت الكثير من روايتها من خلال "الحوارات مع الذكاء الاصطناعي، ومن إدراكها أنه يمكن أن يعكس عمليات التفكير البشري بطرق شيقة"، بمعنى آخر، لا يهدف استخدام كودان للذكاء الاصطناعي إلى خداع القارئ، بل إلى مساعدتنا على رؤية آثاره.

يضيف الصحفي جون بصيغة الاستفسار:" هل تخشى كودان أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الكُتّاب البشر؟"، قبل أن يجيب بالقول:" ربما يأتي مستقبلٌ يحدث فيه ذلك، ولكن في الوقت الحالي، لا يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يكتب رواية أفضل من كاتب بشري".

كما لفت، إلى أنه ورغم ما حظيت به رواية "برج التعاطف طوكيو" من اهتمام بين القراء اليابانيين، لاستخدامها الذكاء الاصطناعي، لكن الأهم من ذلك، كان التركيز على اللغة نفسها هو ما أثار نقاشا حقيقيا؛ كيف تؤثر تغيرات اللغة على مدى العقود القليلة الماضية حول كيفية تصرف الناس أو رؤيتهم للأشياء.

وهذا يُغذي القضية الرئيسية في صميم كتاب كودان، الذي من المفترض أن تدور رواية "برج التعاطف طوكيو" حول اللغة، إلا أن في الكتاب لم يتناول فقط كيفية تعبيرنا عن أنفسنا، بل كيفية كشفنا عن أنفسنا، حيث تقول إحدى الشخصيات: "الكلمات تُحدد واقعنا".

في الرواية، دار نقاش رئيسي بشأن نمو الكاتاكانا في اليابان، أي النص المستخدم لكتابة الكلمات المشتقة من لغات أجنبية، مقابل الكلمات المكتوبة بالكاتاكانا وهي حروف الهيراجانا والكانجي المستخدمة لكتابة الكلمات اليابانية التقليدية، وهو عده البعض ترويج للتخلي عن لغتهم الأم، لكن إيقافها ليس بالأمر السهل، وربما غير ممكن، حيث توضح كودان أنه بينما تختار الأجيال الأكبر سنا أحيانا الكاتاكانا على الكانجي، أو العكس، بالنسبة للأجيال الشابة مثلها، فإن الكاتاكانا "أصبحت معيارا لا جدال فيه.

هذه ليست مجرد تفصيل أكاديمي أو ثقافي، بل هي قضية ملحة في السياسة اليابانية اليوم، في الانتخابات اليابانية التي جرت الشهر الماضي، ازداد دعم حزب "سانسيتو" اليميني المتطرف، ففاز بـ 14 مقعدا في مجلس الشيوخ، بعد أن كان يشغل مقعدا واحدا فقط سابقا، ويحمل الحزب شعار "الشعب الياباني أولا"، وهو شعار يردد صدى شعار دونالد ترامب وماغا "أمريكا أولا"، وقد أثار نجاحه مخاوف من رد فعل عنيف ضد الأجانب، فهل سيُقدّر هذا الحزب التنوع في اليابان؟.

كودان تجيب بالقول:" للأسف، الحقيقة هي أن ليس كل اليابانيين يرحبون بالتنوع", مستشهدة بحادثة مرت بها شخصيا وكيف أن والدتها شعرت بالحزن العميق بعد أن عرفتها على صديق أجنبي لها غير ياباني قبل اثني عشر عاما، واصفة ما حدث بأنها:" كانت أكبر صدمة في حياتي أن أرى والدتي تتصرف بهذه الطريقة، لم أكن أتصورها أبدا أشخاص من حولي يمارسون التمييز ضد الأجانب ويحملون هكذا الآراء".

وفي محاولة لتبرير محاولاتها نحو التجديد، توضح كودان أن حزب سانسيتو يستخدم في شعاره "الشعب الياباني أولا" كلمة كاتاكانا التي تعني "أولا"، بدلا من كلمة كانجي اليابانية التقليدية، وتقول كودان: "باستخدام ما يعادلها في كاتاكانا، يمكن استبدال الكثير من الارتباطات السلبية بأخرى محايدة، هذا لا يُثير الناس بالطريقة نفسها".

بعبارة أخرى، يخلق هذا نوعا من الإنكار المعقول؟ وتختتم كودان قائلة: "نعم، نعم. إنهم يعرفون بالضبط ما يفعلونه. ولهذا السبب يتطلب هذا الاستخدام للكاتاكانا اهتمامنا. عندما يستخدم شخص ما كاتاكانا، يجب أن نسأل: ما الذي يحاول إخفاءه؟".