ملفات وتقارير

قوارب العودة".. لندن تبدأ تنفيذ اتفاق مثير للجدل مع باريس لإعادة المهاجرين

مضيق المانش بات خلال السنوات الأخيرة أحد أخطر المسارات البحرية للهجرة في العالم، حيث تنشط شبكات تهريب في كل من شمال فرنسا وبلجيكا، تستغل ضعف التنسيق الأوروبي وانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد.. جيتي
أعلنت الحكومة البريطانية، الثلاثاء، دخول اتفاق أمني جديد مع فرنسا حيز التنفيذ، يقضي بإعادة المهاجرين الذين دخلوا المملكة المتحدة عبر "القوارب الصغيرة" إلى الأراضي الفرنسية، في خطوة اعتبرتها لندن "رسالة واضحة" ضد الهجرة غير النظامية، بينما لقيت ترحيباً حذراً من بروكسل وتحفظاً في باريس.

وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في تصريح رسمي: "اليوم نوجّه رسالة واضحة: إذا وصلتم إلى هنا بشكل غير قانوني على متن قارب صغير، فأنتم معرضون للترحيل إلى فرنسا".



ويعد الاتفاق ـ الذي يستمر حتى يونيو 2026 ـ أحد أبرز التحولات في السياسة البريطانية تجاه ملف الهجرة، ويأتي بعد تصاعد الجدل حول تزايد أعداد العابرين للمانش عبر قوارب تهريب غير آمنة، قضى فيها 18 مهاجراً منذ بداية العام، وفق وزارة الداخلية الفرنسية.

"اتفاق غير متكافئ"

الاتفاق الذي تم توقيعه رسميًا الأسبوع الماضي، يشمل أيضًا بندًا لم تُكشف تفاصيله بالكامل، يتيح لفرنسا إرسال عدد من المهاجرين الموجودين على أراضيها إلى المملكة المتحدة، في ما وصفته وزارة الداخلية البريطانية بأنه "نظام تبادل منضبط يهدف إلى تقليل الضغط على ضفتي القناة".

غير أن وزارة الداخلية الفرنسية أوضحت، في بيان الثلاثاء، أن الاتفاق "دخل حيّز التوقيع، لكنه لن يُنفذ فعليًا إلا بدءًا من الأربعاء"، مشيرة إلى أنه لم يتم الإعلان بعد عن الأرقام الدقيقة أو الآليات العملية لترحيل المهاجرين.

ورغم ما أعلنته لندن عن تلقي "الضوء الأخضر من المفوضية الأوروبية" لهذا "النهج المبتكر"، فإن الاتفاق أثار ردود فعل متباينة من منظمات حقوقية ودوائر قانونية، تساءلت عن مدى التزامه باتفاقيات اللجوء الدولية، وخاصة اتفاقية جنيف لعام 1951.

"اختبار سياسي" لحكومة ستارمر

ويُنظر إلى أن هذا الاتفاق يشكل اختباراً حقيقياً لحكومة كير ستارمر العمالية، التي ورثت ملف الهجرة المعقد من الحكومات المحافظة السابقة، وسط ضغوط سياسية داخلية تطالب بتشديد الإجراءات، وأخرى تحذر من انتهاك حقوق الإنسان.

في هذا السياق، قالت وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر، في مقابلة مع "بي بي سي"، إن الاتفاق "سيبدأ بعدد محدود من المهاجرين" على أن يتم "توسيعه تدريجياً" بحسب التقييمات الميدانية.

وأضافت: "نريد أن نوجه ضربة قوية لشبكات التهريب، وأن نعيد بناء نظام هجرة منضبط وعادل في الوقت نفسه".

رأي عام مشوَّه بالأرقام الخاطئة

في سياق متصل، كشفت بيانات استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة YouGov البريطانية، عن وجود ارتباط وثيق بين الدعم الشعبي للسياسات المتشددة ضد الهجرة، وبين الجهل بحقائق الأرقام المتعلقة بالهجرة غير النظامية.

وأظهرت نتائج الاستطلاع، أن 47% من البريطانيين يعتقدون خطأً أن عدد المهاجرين غير الشرعيين في البلاد يفوق عدد المهاجرين القانونيين، بينما النسبة الحقيقية تُظهر العكس تمامًا. ويُرجّح أن يكون هذا الانطباع الخاطئ ناجمًا عن التركيز الإعلامي والسياسي الكثيف على قوارب الهجرة عبر المانش، رغم أن أعداد الوافدين عبرها لم تتجاوز 46 ألفًا في أقصى الحالات، مقابل نحو 10.7 ملايين مهاجر شرعي يقيمون في المملكة المتحدة بحسب بيانات التعداد.



ووفقًا لتحليل مؤسسة YouGov، فإن الأشخاص الذين يبالغون في تقدير حجم الهجرة غير الشرعية هم الأكثر دعمًا لسياسات الترحيل الجماعي للمهاجرين، ووقف استقبال أي مهاجرين جدد، وهي مواقف لم تُطرح بشكل رسمي من قبل أي حزب بريطاني رئيسي منذ عقود.

ووصفت YouGov هذه النتائج بأنها "استثنائية ومقلقة"، مشيرة إلى أن الخلط بين أنواع الهجرة يُغذي سياسات متطرفة، لا ترتكز إلى وقائع دقيقة، بل إلى تصورات مشوهة بفعل إخفاقات إعلامية وسياسية مزمنة.

وقال المحلل في YouGov، ماثيو سميث: "رغم أن الهجرة القانونية تفوق غير القانونية بشكل كبير، فإن الجهل بهذه الحقيقة لا يعني بالضرورة أن توعية الناس بها ستُنهي المشكلة. فالهواجس تتجاوز الأرقام، وتمتد إلى أسئلة أعمق تتعلق بالهوية، والاندماج، والقيم الوطنية".

من جانبه، اعتبر رئيس تحرير موقع PoliticsHome، ألان وايت، أن نتائج هذا الاستطلاع تمثل "إدانة مزدوجة للنظام السياسي والإعلامي البريطاني"، وكتب في منشور له على منصة Bluesky: "هذا فشل هائل لطبقتنا السياسية التي أخفقت في التوعية، وفشل هائل لإعلامنا الذي أخفق في التغطية النزيهة... على مدى جيل كامل".



المانش تحت المجهر

يُذكر أن مضيق المانش بات خلال السنوات الأخيرة أحد أخطر المسارات البحرية للهجرة في العالم، حيث تنشط شبكات تهريب في كل من شمال فرنسا وبلجيكا، تستغل ضعف التنسيق الأوروبي وانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد، لتسفير مهاجرين من جنسيات مختلفة عبر زوارق مطاطية متهالكة.

ورغم الاتفاقات السابقة بين لندن وباريس بشأن زيادة الدوريات والتمويل البريطاني لتعزيز الرقابة على السواحل الفرنسية، إلا أن محاولات العبور ما زالت تتزايد، مع تسجيل أكثر من 12 ألف محاولة عبور ناجحة منذ بداية 2025، بحسب تقارير رسمية.