شن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي الأسبق، إيهود
أولمرت، هجوما لاذعا على حكومة بنيامين
نتنياهو، متهما إياها باستخدام تهمة "معاداة السامية" كوسيلة دفاعية لتبرير ما وصفه بـ"الاستخدام المفرط للقوة" ضد الفلسطينيين، ولاتهام منتقديها في الغرب بـ"دعم الإرهاب".
وفي مقابلة مع صحيفة "
بوليتيكو" الأمريكية، قال أولمرت إن "اتهام شخصيات غربية بارزة مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، بمعاداة السامية أو دعم الإرهاب، هو أمر سخيف وغير مقبول"، لافتا إلى أن كليهما قدم دعما فعليا للاحتلال الإسرائيلي، لا سيما في اعتراض الصواريخ الباليستية التي أطلقتها إيران على الأراضي الإسرائيلية في نيسان/ أبريل الماضي.
وأوضح أولمرت أن حكومة نتنياهو "المتعالية"، على حد تعبيره، تستغل تهمة معاداة السامية كسلاح سياسي لمهاجمة أي انتقاد لسلوكها العسكري أو السياسي، بدلا من الاعتراف بمسؤوليتها عن الوضع المتدهور الذي تعيشه إسرائيل دبلوماسيا وأخلاقيا.
"إسرائيل دولة منبوذة"
وفي تصريحاته اللافتة، اعتبر أولمرت أن "ما ترتكبه إسرائيل اليوم ضد الفلسطينيين قد حوّلها إلى دولة منبوذة على الساحة الدولية"، مضيفا: "هناك فجوة آخذة في الاتساع بين الفظائع التي ارتكبتها حماس ضد الإسرائيليين في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وبين الفظائع التي نرتكبها نحن الآن في
غزة".
ولفت إلى أن التدهور الكبير في علاقات تل أبيب مع حلفائها التقليديين، وفي مقدمتهم فرنسا وكندا، يعود إلى سلوك نتنياهو وتحالفه اليميني المتطرف. وقال: "إذا اعترفت بريطانيا وفرنسا وكندا بدولة فلسطينية في الخريف، فإن على نتنياهو أن يلوم نفسه وحكومته وحدهما".
وأكد أولمرت أن حتى المستشار الألماني فريدريش ميرتس المعروف بدعمه التقليدي للاحتلال الإسرائيلي بات يواجه ضغوطا داخلية متزايدة للمطالبة بفرض عقوبات على الاحتلال بسبب ما ترتكبه قواته في قطاع غزة. واعتبر أن "أي تحوّل في موقف برلين سيكون بمثابة كسر تاريخي في الدعم الألماني غير المشروط لتل أبيب".
نتنياهو لا يريد "دولتين".. بل "حكما ذاتيا بلا سيادة"
وسلطت الصحيفة الضوء على مواقف أولمرت السابقة خلال فترة رئاسته للحكومة بين عامي 2006 و2009، مشيرة إلى أنه كان أقرب رئيس وزراء إسرائيلي للتوصل إلى اتفاق حقيقي بشأن إقامة دولة فلسطينية على أكثر من 94% من أراضي
الضفة الغربية المحتلة.
لكنّ الخطة، وفقا للتقرير، لم ترَ النور بعد تراجع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، محمود عباس، عن المضي فيها، لعدم ثقته بقدرة أولمرت على تنفيذ تعهداته، خاصة في ظل تورطه في قضايا فساد أجبرته على الاستقالة لاحقا.
ومع تنامي الاستيطان ووصول عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى نحو نصف مليون، يرى مراقبون أن خطة أولمرت باتت شبه مستحيلة التحقق، في ظل انزياح النظام السياسي الإسرائيلي نحو اليمين القومي والديني.
وتابعت الصحيفة: "حتى في تصريحاته الأخيرة، لم يتجاوز نتنياهو فكرة منح الفلسطينيين حكما ذاتيا بلا سيادة، مع احتفاظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية الكاملة على الضفة الغربية"، ما ينسف فعليا أي أفق لحل الدولتين الذي لا يزال الغرب يتمسك به نظريا.
رغم الانتقادات التي توجه للفلسطينيين حول "غياب الشريك"، يصر أولمرت على أن هناك أطرافا فلسطينية معتدلة قابلة للتفاوض، لكن إسرائيل – بحسب رأيه – "تعمل بشكل منهجي على تقويض هؤلاء لصالح تمكين المتشددين"، وهو ما يعزز دوامة العنف والصراع طويل الأمد.
"ترامب هو الأمل الوحيد للجم الجنون"
وفي أكثر تصريحاته إثارة، أعرب أولمرت عن مخاوفه من أن تقود حكومة نتنياهو اليمينية البلاد نحو "ضم فعلي" لقطاع غزة، وربما للضفة الغربية أيضا، تنفيذا لأجندة اليمين القومي المتشدد، وعلى رأسه شخصيات مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
وقال: "ما يحدث الآن غير مقبول ولا يُغتفر... وفي مرحلة ما، سيتعين على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التدخل لوقف هذا الجنون".
وكان أولمرت من أوائل المسؤولين الإسرائيليين الذين حذروا من أن الحرب على غزة التي أطلقتها حكومة نتنياهو بعد هجوم 7 اشرين الأول/أكتوبر، "تفتقر إلى هدف سياسي واضح، وإلى نهاية منظورة"، مؤكدا أن استمرار الحرب من دون مخرج سيؤدي إلى عزل الاحتلال الاسرائيلي دوليا وتحويلها إلى عبء أخلاقي حتى على أقرب حلفائها.
ويشهد الاحتلال منذ ذلك الحين ضغوطا دولية غير مسبوقة، وسط إدانات واسعة لسلوكها العسكري في القطاع، حيث خلفت الحرب المستمرة أكثر من 210 آلاف ضحية فلسطينية بين قتيل وجريح، وأدت إلى تهجير مئات الآلاف، وتسببت في مجاعة كارثية، دفعت العديد من الدول لمراجعة موقفها من دعم تل أبيب، ولو جزئيا.