صحافة دولية

"واشنطن بوست": العالم أمام خيارين في ولاية ترامب الثانية.. إما التملق أو المواجهة

بعض قادة العالم يتملقون ترامب بينما يرحب آخرون بالصراع معه - جيتي
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالاً تحليلياً للصحفي إيشان ثارور، تناول فيه طبيعة العلاقات الدولية في ظل ما وصفها بـ"فوضى الولاية الثانية" للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مشيراً إلى أن القادة والزعماء حول العالم باتوا أمام طريقين لا ثالث لهما: إما التودد لترامب ومدحه بلا حدود، أو اتخاذ موقف معارض صريح، يدرك أصحابه أنه قد يكلفهم علاقات متوترة مع أقوى رئيس قومي في العالم، لكنه قد يعزز مكانتهم السياسية في الداخل.

نتنياهو نموذج التملق... ونوبل أداة لكسب ود ترامب
ويوضح المقال أن الأسبوع الماضي قدم مثالاً صارخاً على المسارين: ففي الوقت الذي قدم فيه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسالة إلى لجنة نوبل يرشّح فيها ترامب لجائزة السلام، في مشهد يراه المراقبون أقرب إلى التملق المكشوف، كان الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا يتخذ موقفاً صدامياً واضحاً ضد سياسات ترامب التجارية.

ولفت ثارور إلى أن نتنياهو، الذي يواجه ضغوطاً داخلية وخارجية بسبب الحرب في غزة ومحاكمته بتهم فساد، يسعى لإبقاء ترامب إلى جانبه، مدركاً أن الطريق إلى ود البيت الأبيض يمر عبر بوابة "نوبل".

ويذكر الكاتب بأن قادة كُثر - من رئيس وزراء اليابان الراحل شينزو آبي إلى رئيس وزراء باكستان السابق المسجون عمران خان - سبق أن تبنوا ترشيح ترامب للجائزة ذاتها خلال ولايته الأولى، بل إن الرئيس الغابوني برايس أوليغي نغيما ونظيره الموريتاني محمد ولد الغزواني جددا هذا الدعم مؤخراً خلال لقاء محرج أمام الكاميرات في البيت الأبيض.

وعلق ترامب على هذه الترشيحات قائلاً: "لم أكن أعلم أنني سأُعامل بهذه اللطف. يمكننا فعل هذا طوال اليوم".

لولا يواجه.. ويرد برسالة صارمة
في المقابل، اتخذ الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا مسار المواجهة. فعلى خلفية تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الواردات البرازيلية، والتي وصفها محللون بأنها مدفوعة بدوافع سياسية لدعم حليفه اليميني جايير بولسونارو، رفض لولا الرضوخ، وقال في مقابلة إذاعية: "إذا فرضوا علينا رسوماً بنسبة 50%، فسنفرض عليهم النسبة نفسها. الاحترام أمر جيد.. أحب أن أقدمه وأحب أن أتلقاه".

ورأت الصحيفة أن هذا التصعيد قد يكون موضع ترحيب لدى اليسار البرازيلي الذي يستعد لخوض انتخابات صعبة في 2026، حيث أتاح التصعيد مع ترامب فرصة للولا لإعادة رسم خطوط المواجهة السياسية في الداخل، عبر تحويل ترامب إلى خصم خارجي مباشر لحكومته.

ونقلت الصحيفة عن النائب اليساري غيليرمي بولس قوله: "الآن عليكم أن تقرروا ما إذا كنتم في صف ترامب أم في صف البرازيل.. ضريبة ترامب هذه لها اسم الآن: إنها ضريبة بولسونارو".

وقال أحد مساعدي لولا لصحيفة واشنطن بوست، مشترطاً عدم الكشف عن هويته: "لقد حوّلوا القضية إلى سلاح سياسي، وسنلعب بنفس القواعد.. لن نستفز، لكن ردودنا ستكون حازمة وجريئة".

ترامب.. هدية انتخابية لليسار في الخارج
ويؤكد ثارور أن لولا ليس وحده من استفاد سياسياً من تصعيد ترامب، فقد سبق أن شكل الرئيس الأمريكي "هدية انتخابية" لليبراليين في كندا، حين قاد حملة تجارية شرسة أضرت بالبلاد، ما سمح لحزب رئيس الوزراء جاستن ترودو بتمديد حكمه، وقوّض شعبية خصمه المحافظ بيير بواليفير، الذي كانت فرصه مرتفعة قبل أشهر، لكنها تراجعت بسبب قربه الأيديولوجي من ترامب.

وحدث أمر مشابه في أستراليا، حيث استثمرت حكومة حزب العمال اليساري نهج ترامب الشعبوي، ووصفت منافسها اليميني بأنه "مرشح ترامب"، في تكتيك ساعد في كسب تأييد الجمهور الرافض لسياسات الرئيس الأمريكي.

ونقل المقال عن كريس والاس، أستاذ التاريخ السياسي في جامعة كانبيرا، قوله لصحيفة نيويورك تايمز: "قرارات ترامب الجمركية، التي عدّها الأستراليون جنونية، ساعدت الناس على ربط داتون بترامب، وقالوا: لا.. إنه انتصار للسياسة العقلانية والوسطية".

دول تسير على الحبل المشدود
ورغم ما سبق، يقرّ الكاتب بأن الكثير من القادة ليس لديهم رفاهية المواجهة مع واشنطن، لذا يسعى العديد منهم إلى تبني نهج وسطي حذر، في التعامل مع رئيس يرى السياسة الخارجية من منظور "صفقاتي" بحت.

ونقل ثارور عن جون ألترمان، رئيس قسم الأمن العالمي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قوله: "لم يُرضِ ترامب القادة الذين حاولوا مواجهته، لذا دخل كثيرون في منافسة حول من يستطيع التملق له بشكل أكثر فاعلية".

وأشار المقال إلى العلاقة الوثيقة بين ترامب وعدد من الممالك النفطية العربية، التي وصفها بأنها "لم تتردد في دعم أعمال عائلة ترامب وتقديم الهدايا له"، لكنها - في الوقت ذاته - تجد صعوبة في التوفيق بين هذا التقارب ومواقف شعوبها الرافضة.

اليابان مثال على حدود التملق
ويختم ثارور مقاله بالإشارة إلى نموذج اليابان، التي حاول رئيس وزرائها شيجيرو إيشيبا الحفاظ على علاقة خاصة مع ترامب، فكان أول زعيم آسيوي يزوره في البيت الأبيض بعد فوزه، لكنه فشل في إقناعه بالتراجع عن تهديداته بفرض رسوم جمركية ضارة، ما أضعف موقف الحكومة اليابانية داخلياً.

ونقلت الصحيفة عن ميريا سوليس، مديرة مركز دراسات السياسات الآسيوية في مؤسسة بروكينغز، قولها: "اليابانيون يدركون تماماً أن بلدهم ليست مميزة في نظر ترامب.. عندما يرى عجزاً، لا يقول هذا شريكي الأمني، بل يرى رقماً تجارياً سلبياً".