كشفت تقارير حقوقية حديثة، عن تصاعد مقلق في الانتهاكات داخل
السجون ومقار الاحتجاز
المصرية، حيث وثّق مركز الشهاب لحقوق الإنسان أربع حالات وفاة لمعتقلين خلال شهر تموز/ يوليو الماضي٬ فضلا عن اتساع رقعة
الإضرابات الجماعية في سجون بدر والوادي الجديد، في مشهد يتحدث عن انهيار كامل لمنظومة العدالة والرعاية داخل أماكن الاحتجاز.
في تقريره الشهري بعنوان "المشهد الحقوقي.. ملخص الانتهاكات في السجون ومقار الاحتجاز خلال تموز/ يوليو"، كشف مركز الشهاب أنّ أولى حالات الوفاة وقعت يوم 11 تموز/ يوليو الماضي، وراح ضحيتها المعتقل عبد المنعم عبد الباسط إسماعيل، داخل مركز شرطة فاقوس بمحافظة الشرقية، نتيجة مرض جلدي حاد وعدم تلقي العلاج المناسب.
وكان إسماعيل معتقلا منذ ستة أعوام، وتعرض لسياسة "التدوير"، حيث يُعاد حبسه على ذمة قضايا جديدة بمجرد صدور قرارات بالإفراج عنه.
أما الحالة الثانية، فكانت رضا علي منصور (60 عاما)، الذي توفي داخل سيارة ترحيلات خلال نقله من مستشفى سجن برج العرب بالإسكندرية إلى محكمة بدر في القاهرة، وسط استغاثات متكررة لم يُستجب لها.
وكان منصور يعاني من السرطان، وتم نقله قبل أيام من وفاته من سجن بورسعيد إلى برج العرب، بعد تدهور حالته الصحية، دون أن يتلقى الرعاية اللازمة. فيما رفضت إدارة السجن السماح لأسرته بزيارته قبل يومين فقط من وفاته، ثم قامت بترحيله في مركبة سيئة التهوية تُعرف بين المعتقلين بـ"القبر المتنقل"، بدلاً من سيارة إسعاف، ما أدّى إلى وفاته اختناقا.
أما الضحية الثالثة، فكان الأكاديمي محمد سالم غنيم، الذي توفي في 19 تموز/ يوليو الماضي داخل سجن وادي النطرون 440، بعد أربع سنوات من الحبس الاحتياطي دون محاكمة، وسط ظروف احتجاز وصفتها منظمات حقوقية بأنها "مأساوية" وتفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الكرامة والعدالة.
الحالة الرابعة كانت فريد شلبي، الذي لفظ أنفاسه الأخيرة في 31 تموز/ يوليو الماضي٬ داخل مقر الأمن الوطني بمحافظة كفر الشيخ، بعد أسابيع من الإخفاء القسري والتعذيب الشديد، وفقًا لما وثقه المركز الحقوقي.
سجن بدر 3.. الإضراب سلاح أخير ضد القهر
في سجن بدر 3، دخل نحو 50 معتقلا معظمهم من قيادات جماعة الإخوان المسلمين في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجا على الانتهاكات المتواصلة، والعزل التام، والحرمان من التواصل مع العالم الخارجي.
وسرّب المعتقلون رسالة حملت عنوان "50 هيكلا عظميا على مشارف الموت في قطاع 2"، وصفوا فيها ما يتعرضون له من حرمان من التريّض، والتعرض لأشعة الشمس، والزيارات العائلية، والمراسلات، والرعاية الطبية، قائلين: "النظام يريد لنا أن نموت ببطء داخل هذا السجن المعزول".
وشملت قائمة الموقعين على الرسالة شخصيات بارزة، من بينها:
- محمد رفاعة الطهطاوي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية الأسبق.
- أسامة ياسين، وزير الشباب الأسبق.
- خالد الأزهري، وزير القوى العاملة الأسبق.
- حسن مالك، رجل أعمال.
- محمد البلتاجي، أستاذ الطب وعضو البرلمان السابق.
- عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط.
- أسعد الشيخة، نائب رئيس ديوان الرئاسة الأسبق.
- أسامة مرسي، نجل الرئيس الراحل محمد مرسي.
"رسالة من غوانتانامو القاهرة"
من داخل الزنازين، كتب الأكاديمي عبد الرحمن البر، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، رسالة مؤثرة بعنوان "رسالة من غوانتانامو القاهرة"، أعلن فيها بدء إضراب مفتوح عن الطعام اعتبارا من الأول من تموز/ يوليو الماضي، بصحبة عشرات من زملائه.
وقال في رسالته: "نُعامل وكأننا نعيش خارج إطار الدولة.. لا قانون، لا محاسبة، ولا حقوق. كبار السن بيننا يُحرَمون من العلاج، ومن رؤية الشمس، ومن أبسط حقوقهم، وقد حاول بعضهم الانتحار كصرخة يائسة".
أما القيادي البارز محمد البلتاجي، فقد أكّد في رسالة أخرى نشرها أفراد من عائلته انضمامه للإضراب قائلا: "ما نتعرض له لا مثيل له حتى في سجون الاحتلال الإسرائيلي. الموت أهون من هذا القهر. نعيش في عزل تام منذ 12 عاما، بلا محاكمة عادلة أو كرامة إنسانية".
وأضاف: "نحن وزراء سابقون، أعضاء برلمان، أساتذة جامعات، وقيادات شعبية، نُعامل كأسوأ من المجرمين، في ظروف غير إنسانية لا تُطاق".
"سجن الموت" في الوادي الجديد
إلى جانب سجن بدر، أطلقت 13 منظمة حقوقية تحذيرات بشأن الوضع داخل سجن الوادي الجديد، الذي بات يُعرف في الأوساط الحقوقية بـ"سجن الموت"، بعد دخول العشرات في عنبر 4 في إضراب مفتوح عن الطعام، احتجاجا على ظروف احتجاز وصفت بأنها "ترقى إلى التعذيب الجماعي".
وقالت المنظمات، في بيان نشرته مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان، إنها تلقت شهادات تفيد بحرمان المعتقلين من الماء والطعام الكافي والرعاية الصحية، وتجريد الزنازين من الأدوات الصحية، والمنع التام من الزيارات، في انتهاك صارخ للدستور والقانون الدولي.
وطالبت بفتح تحقيق عاجل ومستقل، والسماح لوفد من منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية بزيارة السجن، وتفقد الأوضاع بداخله.
تؤكد هذه الانتهاكات التي تتكرر بوتيرة مقلقة أن الأزمة الحقوقية في مصر آخذة في التعمق، في ظل غياب المساءلة الداخلية، وتجاهل متعمد لنداءات المنظمات الحقوقية، المحلية والدولية على حد سواء.
ويخشى مراقبون من أن يؤدي استمرار هذا الوضع دون تدخل دولي فاعل إلى مزيد من الوفيات والانهيارات الصحية، في بلد يُعد من بين أكثر الدول احتجازًا للسجناء السياسيين، وسط صمت رسمي مطبق، وإصرار على تحويل السجون إلى أماكن للموت البطيء بدلا من الإصلاح.