في الشارع السوري، تتزايد التساؤلات حول ما يُوصف بـ"القطبة المخفيّة" في الطريقة التي تُدار بها قضايا اختفاء الفتيات، بعد أن باتت تتكرّر الرواية ذاتها في كل مرة: إعلان عن فقدان فتاة، ضجّة على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم بيان رسمي ينفي وقوع أي عملية خطف، ليُختتم المشهد بالحديث عن "ادعاء بالخطف" لأغراض مالية أو شخصية.
آخر هذه القضايا ما حدث مع الشابة شادية خضر صطلية من بلدة دير شميل في ريف مصياف، التي فُقد الاتصال بها في 25 أيلول/ سبتمبر أثناء عودتها من المدينة. لاحقًا، أعلنت وسائل إعلام محلية أنّ الشابة "اختلقت" حادثة الخطف بمساعدة شخصين، قبل أن يُعثر عليهم في منزلٍ على أطراف مصياف، بزعم تورطهم في "أنشطة غير قانونية".
القصة لم تكن استثناءً. قبل أسابيع فقط، تكررت الحادثة مع ميرا ثابات من ريف حمص، التي قيل أيضا إنها "هربت من منزلها"، في سيناريو مشابه تماما. كما وثّق "المرصد السوري لحقوق الإنسان" سلسلة وقائع مماثلة جرى فيها نفي صفة الخطف بسرعة، من دون كشف تفاصيل التحقيقات أو مصير المتهمين المفترضين.
ويرى المرصد أن هذا النمط من التغطية "الموجّهة" يهدف إلى التركيز على حالات مشكوك في صحتها، في محاولة لتقويض مصداقية شهادات الضحايا وأسرهن، وصرف الأنظار عن حوادث الخطف الحقيقية التي تكررت في مناطق سيطرة الحكومة خلال الأشهر الأخيرة.
إلى ذلك، في بلد أنهكته الحرب وتبدّدت فيه الثقة بين المواطن والسلطة، تتحول كلّ حادثة اختفاء إلى قضية رأي عام. فكل إعلان عن "فتاة مفقودة" يوقظ الخوف من أن تكون ضحية جديدة في سلسلة لا تنتهي من الجرائم الغامضة. غير أنّ الرواية الرسمية، في معظم هذه الحالات، تُسارع إلى نفي وجود "خطف" وتكتفي بتصنيف ما جرى على أنه "ادّعاء كاذب" أو "خلاف شخصي"، لتترك وراءها أسئلة أكثر من الأجوبة.
وبين تكرار الرواية الرسمية وغموض الوقائع، يبقى السؤال مطروحا في الشارع السوري: هل ثمّة قطبة مخفيّة وراء هذه القضايا، أم أن البلاد تواجه فوضى في التعامل مع واحدة من أكثر الظواهر الاجتماعية حساسية وخطورة؟
تجدر الإشارة إلى أنّه بين الروايات الرسمية التي تُغلق الملفات بسرعة، والشكوك الشعبية التي تتنامى في ظل التعتيم، تبدو قضايا خطف الفتيات في
سوريا كمرآة تعكس خللا أعمق في العلاقة بين الدولة والمجتمع. فغياب الشفافية والبيانات الموثوقة لا يضاعف فقط القلق العام، بل يُكرّس شعورا بالعجز لدى الأسر التي تبحث عن الحقيقة.
وفي ظل هذا الصمت المريب، تبقى "القطبة المخفيّة" عنوانا مفتوحا لسلسلة من التساؤلات التي لم تجد بعد من يجيب عنها بصدق ووضوح.