كشف موقع "
إنتليجنس أونلاين" الفرنسي عن وجود لجنة سرية داخل القصر الجمهوري السوري، مهمتها الإشراف على ملف التسويات المالية مع رجال الأعمال المقربين من النظام المخلوع٬ واستعادة جزء من ثرواتهم مقابل السماح لهم بالعودة إلى النشاط الاقتصادي في ظل النظام الجديد.
وأشار التقرير إلى أن هذه اللجنة يقودها شخص يُعرف باسم "أبو مريم الأسترالي"، ما أثار تساؤلات واسعة حول هويته الحقيقية ودوره السابق ضمن "هيئة تحرير الشام".
من هو "أبو مريم الأسترالي"؟
الاسم الحركي "أبو مريم الأسترالي" ليس جديداً في الأوساط الجهادية السورية، إذ ورد اسمه في تسريبات داخلية وتغريدات جهادية منذ عام 2016، حين كان يشغل منصب "أمير القاطع الشمالي" في محافظة إدلب. ويُعتقد أن الرجل دخل
سوريا بين عامي 2012 و2013، وهو من أب لبناني وأم أسترالية، وفقًا لمصادر متعددة.
ورغم الغموض الذي يلف شخصيته إعلامياً، فإن البحث في المصادر الجهادية والمعلومات المتداولة عبر مواقع التواصل يقود إلى ترجيحات قوية بأن اسمه الحقيقي هو إبراهيم بن مسعود، وقد نشط إعلامياً منذ عام 2020، مقدماً نفسه كباحث في مجال الحوكمة، وظهر في مقاطع مرئية يتحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة، كما عُرف عنه نشاطه على منصات مثل "تويتر" و"تيليغرام"، حيث كان يصف نفسه بأنه "أب لستة أطفال ومقيم في إدلب ويعشق الشاورما"، وهي عبارة طالما رددها معارضو "تحرير الشام" في وصف "أبو مريم".
من جهادي إلى مسؤول حكومي؟
وفقاً لموقع "إنتليجنس"، فإن "أبو مريم" يقود حالياً لجنة رئاسية مكلفة بإجراء تسويات مالية مع رجال أعمال كبار كانوا من ركائز نظام بشار الأسد، ضمن سياسة وصفتها بعض المصادر بـ"سياسة الغفران مقابل المال".
وتفيد التقارير بأن هذه اللجنة تُحيل الأموال المصادرة أو المحصلة من تلك التسويات إلى الصندوق السيادي السوري الذي أُعلن عن إنشائه بموجب المرسوم رقم 13 لعام 2025، الصادر عن الرئيس أحمد
الشرع.
وعلى الرغم من غياب إعلان رسمي عن تولي "أبو مريم" أي منصب حكومي، إلا أن تقارير متقاطعة تؤكد أنه يضطلع بدور محوري في إدارة ملفات اقتصادية حساسة، بما في ذلك التفاوض مع رجال الأعمال، والإشراف على منصات مالية رقمية مثل تطبيق "شام كاش"، الذي بات أداة رئيسية في التحويلات والدفع الرقمي داخل المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية.
من "تحرير الشام" إلى قصر الرئاسة
ويُعتقد أن "أبو مريم" كان سابقاً أحد المشرفين على الجناح المالي في "هيئة تحرير الشام"، رغم أن اسمه لم يبرز إلى جانب شخصيات معروفة مثل أبو أحمد زكور أو أبو عبد الرحمن الزُربة.
كما ورد اسمه ضمن أعضاء "لجنة المتابعة العامة" في الهيئة عام 2022، وهي اللجنة التي ترأسها حينها عبد الرحيم عطون، المفتي العام السابق لـ"تحرير الشام"، والذي يشغل اليوم منصب رئيس "مكتب الاستشارات الدينية" في رئاسة الجمهورية السورية.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2023، تداولت حسابات إعلامية معلومات عن تعيين "أبو مريم" مسؤولاً عن ملف الاتصالات والتقانة في حكومة الإنقاذ – الذراع المدنية للهيئة في إدلب – بعد اختفاء "أبو طلحة الحلبي"، المسؤول السابق عن هذا الملف، أثناء محاولة فراره إلى تركيا وبحوزته مبالغ مالية كبيرة.
وكان "أبو مريم" أيضاً مديراً لشركة خاصة تُعرف باسم "أي كلين" للنظافة، التي ارتبطت بشكل غير مباشر بحكومة الإنقاذ، ما يعكس تعدد أدواره في الجوانب الإدارية والمالية.
التسويات المالية... استراتيجية النظام الجديد
منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، تبنت الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع سياسة مختلفة في التعامل مع النخب الاقتصادية الموالية للنظام السابق، تقوم على مبدأ التسويات مقابل العفو وإعادة الدمج الاقتصادي، وهو ما بات يُعرف إعلامياً بـ"صفقات الغفران".
ويبدو أن "أبو مريم الأسترالي"، سواء باسمه الحقيقي أو بصفته الرسمية، يتولى مفاتيح هذا الملف الحساس، الذي من شأنه أن يعيد رسم ملامح المشهد المالي في سوريا، خصوصاً مع سعي الحكومة لتأمين مصادر دخل جديدة في ظل اقتصاد مدمر وعزلة دولية متزايدة.
ورغم أن هذه الأدوار لم تُعلن رسميا حتى الآن، إلا أن تكرار ذكر اسمه في التقارير الاستخبارية والإعلامية يعزز من فرضية صعوده كأحد الفاعلين الجدد في منظومة الحكم الانتقالية، التي لا تزال تثير كثيراً من التساؤلات عن توازناتها الداخلية، وهوية القوى التي تحركها من وراء الستار.