بعيد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1990 وحرب
الخليج الثانية عام 1991، وافقت
سورية على الانخراط في مسار سلام مع
إسرائيل، وكان
مؤتمر مدريد للسلام في العام ذاته العنوان الأول لهذا المسار، الذي لم يدم سوى عقد
واحد فقط.
مرحلة الأسد الأب
قامت مقاربة الأسد الأب منذ عام 1991 (مؤتمر
مدريد للسلام) على معادلة استراتيجية ثابتة: الأرض مقابل السلام، والأرض هنا تعني
الأرض كاملة، والسلام هنا يعني سلام مثل أي سلام مع أي دولة أخرى، كالتشيلي مثلا،
وهي البلد التي ذكرها حافظ الأسد بالاسم، أي أن السلام من وجهة نظر دمشق سيكون
باهتا.
أصر الأسد على تطبيق القرارين الدوليين 242،
338 في أي سلام مع إسرائيل، وهو ما اعتبر من المحرمات السياسية في إسرائيل
المستعدة لتطبيق وتحقيق السلام لكن خارج الشرعة الدولية.
قامت مقاربة الأسد الأب منذ عام 1991 (مؤتمر مدريد للسلام) على معادلة استراتيجية ثابتة: الأرض مقابل السلام، والأرض هنا تعني الأرض كاملة، والسلام هنا يعني سلام مثل أي سلام مع أي دولة أخرى، كالتشيلي مثلا، وهي البلد التي ذكرها حافظ الأسد بالاسم، أي أن السلام من وجهة نظر دمشق سيكون باهتا.
السبب في ذلك هو أن تطبيق هذين القرارين مع
أي جهة عربية مهما كانت، سيشكل سابقة وقاعدة للبناء عليها قانونيا من أجل تنفيذ
هذين القرارين في الضفة الغربية: ما تسمى اليهودا والسامرة بالنسبة للإسرائيليين.
ولذلك، شاركت إسرائيل في ثلاث عمليات سلام
خارج الشرعة الدولية (242، 338): كامب ديفيد عام 1978، أوسلو مع السلطة الفلسطينية
عام 1993، وادي عربة مع الأردن عام 1994، وحتى الانسحاب من جنوب لبنان جاء خارج
القرار الدولي 425 لعام 1978.
شهد عام 2000 آخر مفاوضات سلام جرت بين
سورية وإسرائيل في شيبرزتاون الأمريكية، وجاءت بالفشل كسابقاتها بسبب رفض سورية
(حافظ الأسد) احتفاظ إسرائيل بالضفة الشرقية لهضبة الجولان.
الأسد الابن
بعد أحداث سبتمبر الأمريكية عام 2001، وصعود
المحافظون الجدد، وتعاطفهم الديني ـ السياسي مع إسرائيل، وجدت الأخيرة الفرصة
مواتية للهروب من استحقاق السلام مع سورية، خصوصا وديعة رابين.
في عام 2003، وتحت ضغط سقوط العراق عسكريا،
أعلنت دمشق نيتها استئناف مفاوضات السلام مع إسرائيل، وهي خطوة فُسرت إسرائيليا
وأميركيا بأنها تعبير عن حالة ضعف تعتري النظام السوري، أو محاولة للهروب من عنق
الزجاجة بفعل الضغوط الأميركية الكبيرة على دمشق من أجل تغيير سياستها الإقليمية.
وكانت الجديد الذي طرحته سورية مع الأسد
الابن آنذاك، القبول باستئناف المفاوضات من دون شروط مسبقة، وكان يعني هذا أن دمشق
مستعدة للمفاوضات من نقطة الصفر.
وبعد ثلاث سنوات من تجاهل الرسائل السورية،
اندلعت حرب تموز عام 2006 بين إسرائيل و"حزب الله"، وهي حرب وجدت فيها
دمشق انتصارا لما يسمى محور والمقاومة، فعاود الأسد الابن سيرة والده في التشدد
السياسي مع إسرائيل.
ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، وتحول
البلاد إلى ساحة للقتال منذ نهاية عام 2012، أغلق ملف المفاوضات نهائيا حتى سقوط
نظام الأسد نهاية عام 2024.
وفي هذه المرحلة حاول الأسد إرسال رسائل
لإسرائيل عبر الإمارات لاستئناف المفاوضات، لكن إسرائيل لم تكن في وارد فعل ذلك،
إلا إذا تنازل عن الجولان، وهي خطوة لا يستطيع النظام فعلها، لأنها تقضي نهائيا
على سرديته القومية البالغة من العمر أكثر من خمسين عاما.
سورية الجديدة وإسرائيل
ما أن سقط النظام السوري حتى بدأت إسرائيل
بشن هجمات عنيفة جدا، دمرت خلالها الترسانة العسكرية السورية بشكل شبه كامل،
وأعقبت ذلك بتوغل في الأراضي السورية، بلغت ذروتها في السيطرة العسكرية على قمة
جبل الشيخ الاستراتيجية.
لم تقابل هذه عمليات الإسرائيلية بالصمت
السوري الرسمي فحسب، بل أعلن الرئيس الشرع أكثر من مرة أن سورية لن تكون جغرافية
لتهديد الدول الإقليمية، بما فيها إسرائيل.
لا تملك سورية ما تقدمه لإسرائيل سوى الإعلان عن تنازلها عن الجولان، وهذا انتحار سياسي وتاريخي، لا يقدر الشرع عليه، في وقت ليس في جعبة إسرائيل ما تقدمه لسورية بعد إعلانها ضم الجولان، وبالتالي انتهاء معادلة الأرض مقابل السلام.
ومع الضغط الأوروبي والعربي على الولايات
المتحدة لرفع العقوبات الاقتصادية عن سورية، نشأ
رأي أمريكي أن الوقت قد حان لضم
سورية إلى الخارطة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة تحت العباءة الخليجية، وبذلك
أقدم ترمب على رفع العقوبات بعيد لقائه الشرع في الرياض، وهو لقاء جرى فيه تأكيد
سورية وموافقتها على إقامة سلام دائم مع إسرائيل.
منذ أسابيع قليلة، انطلقت تصريحات أمريكية
عن اقتراب الإعلان عن توسيع الاتفاقات الإبراهيمية لتشمل دول جديدة، وقد توجهت
جميع الأنظار إلى سورية.
وإذ يبدو الأمر مسلما به بأن
التطبيع السوري
ـ الإسرائيلي قادم، فإن السؤال الذي لا إجابة عنه، تحت أي سقف سياسي ستجري
المفاوضات أو الاتفاق؟ ولماذا تقبل إسرائيل بتقديم تنازلات لدولة لم تعد تملك أي
تهديد أو خطر بعدما تغير وجه المنطقة الاستراتيجي؟
لا تملك سورية ما تقدمه لإسرائيل سوى
الإعلان عن تنازلها عن الجولان، وهذا انتحار سياسي وتاريخي، لا يقدر الشرع عليه،
في وقت ليس في جعبة إسرائيل ما تقدمه لسورية بعد إعلانها ضم الجولان، وبالتالي
انتهاء معادلة الأرض مقابل السلام.
التفاصيل المنتشرة في وسائل الإعلام كثيرة،
وتتراوح بين التنازل السوري عن الجولان، إلى جعل الجولان منطقة محايدة، على ما في
هذا التعبير من غموض، إلى إجراء اتفاق أمني في المرحلة الأولى، تعقبه مفاوضات
مطولة حول مصير الجولان، وطبيعة السلام الذي تريده إسرائيل من سورية.
لا يمتلك صاحب هذه السطور إجابة عن طبيعة
السيناريوهات المحتملة، لكن وفق المعطيات القائمة على الأرض: رئيس سوري لا يمتلك
أي مقومات القوة، وطرف آخر يمتلك كل مقوماتها، وسط ضعف عربي ملموس، سيكون أي اتفاق
مقبل في مصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى.
وعلى الرغم من اختلال موازين القوى بين
الجانبين، فإن أية محاولة سورية للتفريط بالجولان أو جزء منه، ستعني استسلاما
سورياً، وتخليا عن القضية الفلسطينية.