سياسة دولية

انخفاض تاريخي في صافي الهجرة إلى بريطانيا.. هذه هي الأسباب

تعهّدت وزيرة الداخلية الحالية، إيفيت كوبر، بمواصلة خفض صافي الهجرة من خلال تطبيق سياسات جديدة أعلنت عنها الحكومة ضمن "الكتاب الأبيض للهجرة".. الأناضول
شهدت المملكة المتحدة خلال عام 2024 انخفاضًا غير مسبوق في صافي الهجرة بلغ نحو 50% مقارنة بالعام السابق، حيث وصل صافي الهجرة إلى 431 ألف شخص فقط، مقارنة بـ860 ألفًا في عام 2023، وفقًا لتقديرات رسمية صادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني. ويعد هذا التراجع الأكبر من نوعه منذ بدء تسجيل هذه البيانات، مما يعكس تحولات جذرية في السياسات والمواقف الحكومية تجاه الهجرة.

تشديد القيود وتقليص التأشيرات

وكشف تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية اليوم تابعته "عربي21"، أن هذا الانخفاض الحاد يرتبط أساسًا بتراجع أعداد الوافدين لأغراض العمل والدراسة، عقب حزمة من التعديلات الصارمة التي أجرتها الحكومة المحافظة السابقة على نظام الهجرة. وكان من بين أبرز التغييرات تقليص تأشيرات المرافقين للطلاب والعمال الأجانب، وهي خطوة سعت من خلالها الحكومة إلى الحد من "الهجرة غير الضرورية"، بحسب وصفها.

وأكد مكتب الإحصاءات أن الانخفاض طال فئات متعددة من المهاجرين، بما في ذلك عدد كبير من الأفراد الذين وصلوا بتأشيرات دراسية خلال فترة تخفيف قيود جائحة كورونا، وغادروا لاحقًا مع استقرار الوضع العالمي. كما سجل تراجع ملحوظ في عدد المعالين الذين يصطحبهم الطلاب والعمال الأجانب، وهو ما وصفه البعض بأنه استجابة مباشرة لسياسات وزراء الداخلية المحافظين في الحكومات السابقة، وعلى رأسهم جيمس كليفرلي.

دور الجائحة وتأجيل المغادرة

وساهم انتهاء قيود السفر المرتبطة بجائحة كوفيد-19 في تنفيذ خطط مؤجلة للمغادرة، خاصة من قبل طلاب أنهوا دراستهم، ما ساهم بدوره في رفع أعداد المغادرين، وبالتالي تخفيض صافي الهجرة.

وللمقارنة، فإن أكبر انخفاض سابق في صافي الهجرة سُجل خلال العام الأول من الجائحة، حيث تراجع من 184,000 في ديسمبر 2019 إلى 93,000 في ديسمبر 2020، بينما يُعد تراجع 2024 أكثر حدة من حيث الأعداد المطلقة.

طالبو اللجوء.. انخفاض محدود ومخاوف مستمرة

في سياق متصل، أظهرت بيانات جديدة لوزارة الداخلية انخفاضًا في عدد طالبي اللجوء المقيمين في فنادق مموّلة من دافعي الضرائب إلى 32,345 شخصًا في مارس 2025، بعدما بلغت 38,079 في ديسمبر 2024. ورغم هذا الانخفاض، فإن الأرقام لا تزال أعلى مما كانت عليه حين تولى حزب العمال الحكم، حيث كان العدد آنذاك 29,585 شخصًا.

ويعزو المسؤولون هذا التراجع النسبي إلى تسريع معالجة طلبات اللجوء، خاصة القادمين عبر القوارب الصغيرة، حيث يتم البت في أوضاعهم بسرعة سواء بالقبول كلاجئين شرعيين أو بإصدار أوامر ترحيل بحقهم. وأشارت الوزارة إلى إعادة 29,867 شخصًا، بينهم طالبو لجوء مرفوضون ومجرمون أجانب، إلى بلدانهم خلال الفترة الماضية.

مواقف سياسية متباينة.. من التباهي إلى الانتقاد

ورغم أن حزب العمال الحاكم تبنّى خطابًا متشددًا نسبيًا فيما يتعلق بالهجرة، إلا أن شخصيات بارزة من حزب المحافظين سعت إلى نسب الفضل في هذا التراجع لنفسها. إذ قال وزير الداخلية السابق كريس فيلب إن "السياسات الجريئة" للحكومة المحافظة السابقة هي التي أدت إلى هذا الانخفاض، مضيفًا أن الخطوات الحالية "ليست كافية بعد".

من جهتها، كتبت كيمي بادينوخ، زعيمة حزب المحافظين، أن "الأرقام لا تزال مرتفعة للغاية"، فيما وصف زعيم حزب الإصلاح البريطاني، نايجل فاراج، الأرقام بأنها "لا ترقى إلى خيانة المحافظين الكبرى، لكنها لا تزال كارثية".

تقييم أكاديمي.. الأرقام المرتفعة سابقًا سهّلت الانخفاض

وفسّر مرصد الهجرة المستقل التابع لجامعة أكسفورد هذا الانخفاض الحاد على أنه "انعكاس طبيعي" للأرقام المرتفعة وغير المسبوقة في عام 2023، والتي شهدت تدفق أعداد كبيرة من الطلاب والعاملين في مجال الرعاية الصحية، إلى جانب أفراد أسرهم. وقالت الدكتورة مادلين سامبشن، رئيسة وحدة الهجرة، إن هذه الفئات لم تكن ضمن المهاجرين الأعلى دخلًا أو الأكثر مساهمة في الضرائب، مما قلل من تأثير تراجع أعدادهم على الاقتصاد.

هل ستتواصل سياسة التشديد؟

تعهّدت وزيرة الداخلية الحالية، إيفيت كوبر، بمواصلة خفض صافي الهجرة من خلال تطبيق سياسات جديدة أعلنت عنها الحكومة ضمن "الكتاب الأبيض للهجرة"، والذي يتضمن قيودًا إضافية على دخول العمال الأجانب ومراقبة أشدّ على طلبات اللجوء.

وقالت كوبر: "سنمضي قدمًا في تطبيق صلاحيات جديدة على غرار قوانين مكافحة الإرهاب لتعزيز أمن حدودنا والقضاء على عصابات تهريب البشر"، في إشارة إلى نهج أكثر صرامة ستتبناه الحكومة في المرحلة المقبلة.

تكشف الأرقام الجديدة أن المملكة المتحدة تمر بتحول كبير في سياسات الهجرة، مدفوعًا بقرارات سياسية وسياقات عالمية متغيرة. ورغم الترحيب من بعض الجهات بانخفاض الأعداد، إلا أن الجدل لا يزال محتدمًا بين مؤيدين لقيود أشدّ ومعارضين يرون فيها تهديدًا للانفتاح الاقتصادي والديمغرافي للمملكة. وبينما تستعد البلاد لموسم انتخابي محتمل، من المرجّح أن يبقى ملف الهجرة في صدارة المشهد السياسي والإعلامي.