كتاب عربي 21

غزة: توقف حرب الإبادة لا يعني انتهاء الابتزاز بمختلف أشكاله

"قصف المستشفيات وقتل المدنيين بدم بارد، أسلوب فظيع من أجل الابتزاز السياسي"- إكس
يتأكد يوما بعد يوم أن الحرب على غزة لم يعد لها أي معنى، سوى بقاء نتنياهو في السلطة. هذا ما أكدته كل الأطراف الإسرائيلية المناهضة حاليا لاستمرار القتال، بما في ذلك آلاف العسكريين الذين وقعوا على عرائض في هذا الشأن. لكن الأهم من ذلك، أن الرئيس الأمريكي وإدارته أدركا هذه المسألة، بعد فشل الحكومة الإسرائيلية في الوفاء بتعهدها القضاء على حركة حماس بعد استئنافها الحرب، فكل ما حققته قتل مزيد المدنيين، وإجبار الأحياء على الترحال هنا وهناك دون مواجهة فعلية مع مقاتلين في الميدان. بمعنى آخر، مارس نتنياهو القتل العشوائي للنساء والأطفال بكل جرأة وقلة حياء.

كما يعد تنازل الحكومة الإسرائيلية عن بعض مطالبها لاستئناف المفاوضات مع المقاومة، مؤشرا آخر على اضطراها لذلك، نتيجة الرغبة الأمريكية في تحقيق التهدئة قبل وصول ترامب إلى المنطقة. وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى تأكيد عائلات الإسرائيليين أن أبناءهم أصبحوا رهائن عند نتنياهو وليس عند حماس. فهذه الحكومة الإسرائيلية البغيضة، رغم قرب توصلها مع المقاومة إلى صيغة اتفاق ثنائي، تستمر بحقدها الأسود في قصف المستشفيات وقتل المدنيين بدم بارد، وذلك أسلوب فظيع من أجل الابتزاز السياسي، بهدف الحصول على مزيد من التنازلات لإرضاء النفوس المريضة لجماعات أقصى اليمين.

يجري التخطيط لغزة بعد عشر سنوات على الأقل، ويراد أن تكون مصر شريكا في وضع الخارطة الجيوسياسية الجديدة بعد أن فشلت خطة التهجير. لكن العقدة التي لم يتوصل الجميع إلى تفكيكها، تتمثل في أن حركة حماس بقيت إلى حد الآن شوكة في حلق الكيان.

في ضوء ذلك، يجري التخطيط لغزة بعد عشر سنوات على الأقل، ويراد أن تكون مصر شريكا في وضع الخارطة الجيوسياسية الجديدة بعد أن فشلت خطة التهجير. لكن العقدة التي لم يتوصل الجميع إلى تفكيكها، تتمثل في أن حركة حماس بقيت إلى حد الآن شوكة في حلق الكيان.

وفي هذا السياق، تعمل السلطة الفلسطينية على فرض نفسها كرقم صعب لا يمكن القفز عليه، خاصة أن المجتمع الدولي يعدها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وقد كثفت تحركاتها في الفترة الأخيرة، واعتبرت أن الفرصة سانحة لاستعادة غزة بعد أن خسرتها في أول انتخابات ديمقراطية تجري داخل الأراضي الفلسطينية. والأهم من ذلك، أن منهجها مختلف كليا عن منهج حماس وبقية الفصائل المسلحة، فهي لا تزال متمسكة بمرجعية أوسلو، ولا تكتفي برفض الكفاح المسلح ضد إسرائيل، بل وتعده عملا إرهابيا. وعلى هذا الأساس، قامت السلطة بإدانة "طوفان الأقصى"، وترى فيه خطأ استراتيجيا، لم يجن منه الفلسطينيون سوى القتل والإبادة وهدم مدينة غزة.

وعلى هذا الأساس يتم التعامل مع السلطة دوليا، رغم ضعفها وعدم امتلاكها القوة والقدرة على فرض إرادتها والدفاع عن مواطنيها. لهذا، تنتظر بفارغ الصبر اللحظة التي تقرر فيها المقاومة تسليم سلاحها، وأن يغادر قادتها غزة نهائيا ليستقروا في بلدان أخرى، وتتولى هي الإشراف على مشروع إعادة إعمار غزة بأموال خليجية، فتجني من وراء ذلك استعادة شيء من هيبتها وشرعيتها.

تدرك حماس أن معظم الأطراف على الصعيدين الإقليمي والدولي لن تساعدها على البقاء كلاعب رئيس في المشهد الراهن، وهو ما يفرض عليها البحث عن سياسة لا تجعل منها عقبة أمام إعادة بناء غزة والتخفيف من أعباء المدنيين، في ظل الحصار وضرب كل مقومات الحياة في المدينة. 

لكن ذلك كله لم يشفع للرئيس عباس عند الإسرائيليين الذين يبحثون عن بديل له، يتولون صناعته ودعمه لكي يساعدهم على السيطرة سياسيا وإداريا على ما تبقى من فلسطين.

إن صمود حماس في هذه الحرب القذرة أمر سيسجله التاريخ في رصيدها، رغم حجم الخسائر الضخمة التي ترتبت عن ذلك، وبناء عليه، يُستبعد أن تغادر الساحة وتتركها بكل سهولة لخصومها. وفي المقابل، تدرك حماس أن معظم الأطراف على الصعيدين الإقليمي والدولي لن تساعدها على البقاء كلاعب رئيس في المشهد الراهن، وهو ما يفرض عليها البحث عن سياسة لا تجعل منها عقبة أمام إعادة بناء غزة والتخفيف من أعباء المدنيين، في ظل الحصار وضرب كل مقومات الحياة في المدينة. لهذا، يُنتظر منها خلال المرحلة المقبلة التعاطي بمرونة عريضة مع معظم الأطراف، خدمة للقضية لا غير.

والمؤكد، أنه ليس من المصلحة الوطنية الفلسطينية الاستسلام لشروط العدو، وخاصة السعي المحموم لتجريدها من سلاحها، خاصة في الظروف الحالية؛ لأن ذلك سيكون بمنزلة "أعطني سكينك لأذبحك به"، وهو ما يفرض على الدول الإسلامية عدم التورط في عمل من هذا القبيل. المؤكد أيضا في كل الأحوال، أن الصراع سيتواصل بأشكال متعددة، والعبرة بالأفعال لا بالأقوال.