سياسة عربية

"عربي21" ترصد شهادات الفاجعة والخسائر بعد فيضانات آسفي بالمغرب (شاهد)

تسببت المياه بعشرات الوفيات في المنطقة - جيتي
تسببت المياه بعشرات الوفيات في المنطقة - جيتي
شارك الخبر
"ثلاثة أيّام ونحن نبحث عن خالتي، لم نجدها لا بين الأحياء ولا الأموات"، هكذا انطلق يوسف في حديثه لـ"عربي21" مستحضرا تفاصيل أيّام وصفها بـ"المرعبة" في قلب مدينة آسفي المغربية، التي هزّها الفيضان خلال الأيام القليلة الماضية.

ويضيف: "في غمضة عين وجدنا المياه في بيوتنا. هرعنا نحاول إنقاذ أنفسنا، منّا من نجا، وهناك من مات غرقا، وما أكثر المفقودين إلى يومنا هذا".

بعد ساعات من الحديث الأول، عاد يوسف ليتواصل مع "عربي21" قائلا: "عثرنا على خالتي مغمى عنها، وهي الآن ترقد بقسم العناية المركّزة؛ في حين لا يزال عدد من المفقودين لم يُعثر عليهم بعد، من بينهم جارنا الحاج أحمد، وطفلتان من الحي المجاور، وآخرون".

اظهار أخبار متعلقة




وعاش سكان مدينة آسفي، الواقعة على بعد نحو 300 كيلومتر جنوب العاصمة الرباط، ساعات عصيبة، عقب الفيضانات التي غمرت الشوارع، وتسلّلت إلى البيوت والمتاجر، محوّلة أحياء كاملة إلى مشاهد من الفوضى والخوف، فيما ارتفعت حصيلة الضحايا إلى 37 وفاة، بحسب آخر المعطيات المتوفرة إلى حدود يوم الاثنين. فيما تؤكّد مصادر محلية من المدينة، في حديثها لـ"عربي21" أنّ: "العدد قد يكون أكثر من 80 وفاة".



في هذا التقرير، ترصد "عربي21" روايات سكان المدينة، ممّن لا يزالون يعيشون على وقع الصدمة، في اليوم الثالث من الفاجعة التي ألمّت بهم، بينما شرعوا في إحصاء خسائرهم ومحاولة استعادة ما يمكن إنقاذه.

خسائر بالجُملة

لا تزال مدينة آسفي، غارقة في نكبة كارثية، خلّفت ورائها حزنا واسعا وخسائر فادحة. بين من فقد قريبا، ومن خسر مصدر رزقه اليومي، تتقاطع حكايات المأساة الثّقيلة في مدينة لم تفق بعد من نكبتها غير المُعلنة.

مهدي، أحد المتضرّرين، روى لـ"عربي21" تفاصيل الخسائر التي لحقت به، قائلا: "خسرت جلّ السلعة التي كان في محلّي، المتواجد في باب الشعبة، ولا نطلب الآن إلاّ السلامة والعوض"، مردفا: "خسارتنا المادية نعم كبيرة جدا، ونتمنّى من الجهات المسؤولية تقديم يد المساعدة في القريب العاجل، حتّى نستعيد جزء من عافيتنا المُنهارة".

وعبر حسابه على "انستغرام"، وثّق حمود خليف، وهو فنان تشكيلي عراقي، له محل في المدينة القديمة بآسفي، كيف جرت المياه من أمام محلّه بسرعة غير مسبوقة، قبل ساعة من حلول الفاجعة.

وعلى غرار خليف، كشف محمد، وهو شاب من أبناء المنطقة ذاتها، لـ"عربي21" عبر مقاطع توثّق بالصوت والصورة، حجم الخسائر المادية التي لحقت بتجار المدينة القديمة، إضافة إلى الأضرار التي طالت عددا من المنازل.

 وتظهر المقاطع عائلات لا تزال تضطر إلى المبيت داخل بيوت باتت غير صالحة للسكن حاليا، بعد أن غمرتها المياه من كلّ جانب، في وقت تتواصل فيه محاولات السلطات المحلية، إلى جانب سكّان المدينة، لتسليك مجاري المياه والتّخفيف من آثار الفيضانات. 



وفي ظل غياب أرقام رسمية دقيقة عن حجم الخسائر القائمة، وعدد المفقودين، لا تزال الجهود الميدانية تتسارع لتقليل الضّرر عن السكّان؛ كما تحرّكت جمعيات من المجتمع المدني لتقديم مساعدات إنسانية، شملت ملابس دافئة ووجبات غذائية.

كذلك، عبّر عدد من شباب المدينة عن حزنهم وغضبهم من الإهمال الذي طالهم لسنوات، في مقاطع فيديو رصدتها "عربي21" عبر حساباتهم على موقع التواصل الاجتماعي "انستغرام": "نترحّم على من مات، ونتمنّى العثور على المفقودين في أقرب لحظة، كما نوجّه أصابع الاتّهام لكافة المسؤولين، الذي تركو مدينة تاريخية بحجم آسفي تغرق في الإهمال منذ سنوات". 



أي أسباب للكارثة؟ 

آسفي التي لا ينفصل اسمها عن الفخّار، حتى بات لقب "عاصمة الفخار" ملازما لها، إذ تحتضن نحو 300 ورشة لصناعة الطين والخزف، ويشتغل في هذا القطاع ما يقارب ألفي عامل، في حِرفة تشكّل جزءا من هوية المدينة ومصدر عيش لعدد كبير من أسرها. 

وبين أزقة المدينة العتيقة، وعلى مقربة من معالم تاريخية مثل قصر البحر ودار السلطان والكاتدرائية البرتغالية، تتجاور مبانٍ استلهمت هندستها من تعدّد ديني وثقافي عاشت عليه آسفي عبر قرون، فيما ظلّ البحر والسردين خصوصا، عنصرا مكمّلا لصورتها كـ"حاضرة للمحيط"، كما وصفها ابن خلدون. 

مدينة صاغتها الجغرافيا وصقلتها الحِرَف، قبل أن تضعها الفاجعة الأخيرة في قلب سؤال موجع عن الإهمال والمصير، وما إذا كانت هذه الذاكرة الحيّة قادرة على الصمود أمام كلفة الكارثة.

اظهار أخبار متعلقة




رئيس جماعة آسفي، إلياس البداوي، أبرز في عدد من التصريحات الصحافية، أنّ: "الفاجعة التي هزّت المدينة وخلفت عشرات الضحايا والجرحى ليلة الأحد، كانت ناجمة عن حمولة وادي آسفي غير المسبوقة منذ ما يقارب قرنا من الزمن". 

واعتبر البداوي أنّ: "الحمولة لم تكن متوقعة وكانت مضاعفة أكثر من اللازم، الأمر الذي لا يمكن معه التحكم فيها من طرف أي جهة"، مضيفا: "هذه الحمولة الكبيرة غيرت مجرى الوادي وجعلته يتجه صوب الشعبة، ما أدّى إلى وقوع وفيات بين رجال ونساء المدينة".

وأكد المسؤول الجماعي أن السلطات، بإشراف عامل الإقليم، وفي إطار لجنة اليقظة، تعمل حاليا على تحديد مسار خاص للوادي لتفادي تكرار مثل هذه الكارثة مستقبلا، مشدّدا على ضرورة تغيير مسار الوادي لتفادي الخسائر في الأرواح والممتلكات.

في المقابل، عبّر عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي من أبناء المدينة عن عدم اقتناعهم بهذا التفسير، معتبرين أنّ: "تصريحات المسؤول لا تعكس الواقع الذي عاشته آسفي". وأكد هؤلاء أن المدينة تعرّضت على مدى سنوات طويلة للإهمال والتهميش البنيوي، وسوء تدبير البنية التحتية، وعدم اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة، ما ساهم بشكل كبير في تفاقم آثار الفيضانات الأخيرة وخسائرها المادية والبشرية.

دعوة لـ"مدينة منكوبة"

عدد من الإطارات السياسية والنقابية والمدنية المغربية، أعلنوا عن تأسيس "لجنة التضامن مع ضحايا فيضانات آسفي"، داعين في الوقت ذاته إلى إعلان آسفي منطقة منكوبة، مع فتح تحقيق فوري في الفاجعة يشمل جميع المعنيين.

وتضم قائمة مؤسسي اللجنة كلا من: فيدرالية اليسار الديمقراطي، والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب النهج الديمقراطي العمالي، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والجبهة الاجتماعية المغربية، و"أطاك المغرب"، والجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديمقراطي، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل.

إلى ذلك، أكد المؤسسون أنّ: "فاجعة آسفي ليست حدثا عرضيا ولا قضاء وقدرا، بل نتيجة مباشرة لتراكم سنوات من الإهمال والتهميش البنيوي، وسوء تدبير البنية التحتية، وغياب سياسات عمومية تضع سلامة المواطنين وحقهم في الحياة في صلب أولوياتها".

وجاء في بيان التأسيس، الذي وصل "عربي21" نسخة منه: "كشفت هذه الكارثة، مرة أخرى، الوضع المتردي لشبكات الصرف الصحي والمرافق العمومية بمدينة آسفي، في مقابل استمرار توجيه المال العام نحو مشاريع غير ذات أولوية اجتماعية، بدل الاستثمار في تأهيل المدينة وحماية ساكنتها من المخاطر المتكررة"؛ وهو ما أكّده شباب المدينة أنفسهم، عبر مقاطع متفرّقة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.

اظهار أخبار متعلقة




ودعا البيان ذاته، إلى "تأهيل شامل ومستعجل للمدينة على جميع الأصعدة، وتخصيص ميزانية استثنائية لذلك، بدل تبديد المال العام في مشاريع غير ذات أولوية بالنسبة للساكنة"، مؤكدا على "القطع مع السياسات العمومية التي تُقَدّم منطق الربح والاستعراض على حساب الحق في الحياة والكرامة".

إلى ذلك، بين روايات الفاجعة، وغضب الشّارع، وتبادل الاتهامات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وتسارع الجهات المسؤولة لتخفيف أثر الضرر، وتوالي التضامن الشعبي من قبل مواطنين مغاربة، تبقى آسفي مدينة منكوبة وحزينة، تبحث عن عدالة مؤجلة، قبل أن تبحث عن تعويضات حقيقية تُنصف ضحاياها وتعيد الاعتبار لساكنتها.
التعليقات (0)