سياسة دولية

تصفية ودمج وتحويل 20 هيئة اقتصادية بمصر.. تخفيف أعباء أم تمهيد للبيع؟

مخاوف من أن تكون التصفية مقدمة لبيع أصول حكومية- الأناضول
مخاوف من أن تكون التصفية مقدمة لبيع أصول حكومية- الأناضول
شارك الخبر
بينما تمكث بعثة صندوق النقد الدولي في القاهرة مدة 11 يوما، منذ مطلع الشهر الجاري، لإنهاء مراجعتين مدمجتين لاقتصاد مصر في إطار قرض بقيمة 8 مليارات، أعلنت الحكومة المصرية، عن قرارات مثيرة للجدل، تخص "وثيقة سياسة ملكية الدولة"، و"هيكلة الهيئات الاقتصادية"، و"وحدة الشركات المملوكة للدولة".

مصير 59 هيئة اقتصادية

وفي أولى الأنباء، خلصت أعمال "لجنة إصلاح وإعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية" التي تعمل منذ عام 2022، بدراسة أوضاع ٥٩ هيئة اقتصادية إلى الاتفاق على تصفية وإلغاء ٤ هيئات، ودمج ٧ في أخرى، وتحويل ٩ من هيئات اقتصادية إلى عامة، مع الإبقاء على ٣٩ هيئة، في مرحلة أولى، تتبعها إعادة هيكلة تفصيلية لكل هيئة بعد وضعها الجديد.

بيان مجلس الوزراء، الصادر الخميس الماضي، طغى عليه الغموض، حيث أنه لم يكشف عن أسماء الهيئات التي سيتم تصفيتها وإلغائها، وتلك التي سيتم دمجها، ولا المقرر تحويلها لهيئات عامة، ولا مدد تنفيذ تلك القرارات، وفق مراقبين، أعربوا عن مخاوفهم من تأثيرات سلبية وتبعات اقتصادية لهذا التوجه.

تدوير أخطاء سابقة

وبينما ثمن البعض هذا التوجه، بدعوى تقليص المصروفات وخفض العجز والمديونية، وتنفيذ رؤية الإصلاح الاقتصادي بتقليص دور الدولة في الاقتصاد وفقا لرغبة صندوق النقد الدولي، يرى آخرون أن تحويل 9 هيئات إلى هيئات عامة يعني أن أعبائها المالية وديونها ستنتقل بالكامل لتثقل كاهل الموازنة العامة للدولة.

كذلك يتخوفون من آثار تقليص ممتلكات الدولة وفقدان الأصول الاستراتيجية وتصفية وبيع الأصول بأقل من قيمتها، إلى جانب آثار اجتماعية خطيرة مع تسريح وتقليص الأيدي العاملة وفرض المعاش المبكر على آلاف العاملين، مؤكدين أن تقليصها أو تصفيتها يعني فقدان الدولة قيمتها الاقتصادية وفقدان الشعب أدوارها الاجتماعية.

الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد خزيم، قال عبر "فيسبوك": "تقريبا هي نفس غلطة الشركات القابضة التي دمرت القطاع العام"، مشيرا إلى تحويل شركات القطاع العام في عهد حسني مبارك (1981- 2011) إلى شركات قابضة، فيما وصف الناشط جمال الدين سليمان، هذا التوجه بأنه "تأمين حكومي للهيئات التي من المفترض أنها مستقلة ماليا".

وفي مقابل مخاوف البعض من خسارة مصر من تصفية وإلغاء 4 هيئات اقتصادية وأن يكون مصيرها البيع، يرى البعض أن دمج 7 هيئات وتحويل 9 إلى هيئات عامة، قد يكون في إطار توحيد ميزانيات هذا العدد من الهيئات، ودمجها في الميزانية العامة للدولة.

ولمصر موازنتين، الأولى: "الموازنة العامة للدولة" وهي معلنة ويديرها وزير المالية ويناقشها البرلمان، وتراقبها الأجهزة الرقابية، والثانية: موازنات 59 هيئة اقتصادية، لكل منها موازنة خاصة، لكن الحكومة تقدم الدعم المالي للهيئات التي لا تكفي إيراداتها احتياجاتها، من داخل الموازنة العامة للدولة، وفق تأكيد وزير المالية السابق محمد معيط، آذار/  مارس 2022.

ورغم أن موقع وزارة المالية عبر الإنترنت يعرض للموازنة العامة وبياناتها سنويا، إلا أن موقع الوزارة لم يعرض لموازنة الهيئات الاقتصادية منذ عام (2016/2017)، بحسب ما اطلعت عليه "عربي21".

ما يعني وفق مراقبين، عدم شفافية وإخفاء معلومات وبيانات وحقائق، وحرمان المواطن حقه في معرفة مصير أمواله وكيف يجري إنفاقها، ويؤكد أن موازنات تلك الهيئات لم تمر عبر القنوات القانونية بداية من إقرار مجلس النواب لها، وحتى اضطلاع الأجهزة الرقابية عليها ومحاسبة المسؤولين عنها، بل وعدم معرفة وزارة المالية بتلك الموازنات وما بها من أعمال سرية.

ويوصي صندوق النقد الدولي بضرورة "وحدة الموازنة" العامة للدولة، في مطلب دعا إليه خبراء ووزراء سابقين، بينهم وزير التخطيط الأسبق أشرف العربي في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، والخبير الاقتصادي هاني توفيق، تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، ووزير المالية الأسبق أحمد جلال في 21 أيار/ مايو 2023.

مصير 561 شركة

وفي ثاني الأنباء، تبدأ "وحدة الشركات المملوكة للدولة في مصر أعمالها" مطلع 2026، لحصر أصول شركات الدولة مع تقييمها وتحديد حجم محفظتها خلال 5 أشهر، وذلك لعدد 561 شركة تعمل في 18 نشاطا، وتتبع 45 جهة حكومية تحت مظلة 19 وزارة و10 هيئات موزعة على 16 محافظة، منها 175 شركة بقطاع "الصناعات التحويلية"، و77 في "الخدمات الإدارية والدعم"، و50 في "النقل والتخزين"، و49 بـ"الأنشطة المالية والتأمين"، 48 بقطاع "العقارات".

الرئيس التنفيذي للوحدة، هاشم السيد، أكد أن "الحكومة جادة في التخارج من بعض القطاعات الاقتصادية"، وأنه "جاري دراسة القطاعات التي يجري التخارج منها بشكل كلي وجزئي"، معلنا عن "طروحات من شركات عملاقة بالبورصة"، مشيرا إلى "تحديث وثيقة سياسة ملكية الدولة قبل نهاية الربع الأول من 2026، بدون تأجيل خطط الطرح".

ومن بين 561 شركة مملوكة للدولة هناك 364 رابحة، مقابل 78 خاسرة، و14 مستقرة، و105 لم تكتمل قوائمها المالية، وذلك بحسب تقرير مجلس الوزراء حول تنفيذ "سياسة ملكية الدولة".

خضوع حكومي للصندوق

وفي أنباء أخرى، اجتمعت بعثة صندوق النقد، السبت، مع وزيري التخطيط، والاستثمار، رانيا المشاط، وحسن الخطيب، ضمن المراجعتين الخامسة والسادسة  للحصول على 2.4 مليار دولار، فيما ناقش الاجتماع مستويات تنفيذ "وثيقة سياسة ملكية الدولة" –تخارج الدولة من الاقتصاد- والخطوات المتخذة لتفعيل وحدة الشركات المملوكة للدولة، وسط مخاوف من قرارات بيع أصول وأراضي جديدة.

وتعاني مصر مع ارتفاع الدين الخارجي، حيث تعد ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي بنحو 28 مليار دولار  في 10 سنوات، فيما سجل إجمالي الدين الخارجي 161.2 مليار دولار منتصف 2025، وارتفعت نسبته إلى الناتج المحلي لـ44.2 بالمئة، بحسب البنك المركزي، الذي رفع تقديراته لمدفوعات الدين الخارجي للعام المقبل، إلى 32.3 مليار دولار.

كما ارتفعت مدفوعات خدمة الدين ١٧.٦ بالمئة بالعام المالي (٢٠٢٤- ٢٠٢٥)، لتصل ٣٨.٧ مليار دولار، ليصبح إجمالي المدفوعات لخدمة الدين في ١٠ سنوات ١٩٥.٥ مليار دولار، بخلاف أصل الدين، وفق مراقبين.

تمهيد للبيع بإجراءات وقوانين

ويدعم مخاوف البعض من التوجه الحكومي نحو طرح عدد من الهيئات والشركات بالبورصة أو أمام مستثمرين استراتيجيين، ما اتخذته الحكومة من إجراءات بيع سابقة في هذا الإطار منذ العام 2022، إلى جانب تقنين رئيس النظام عبدالفتاح السيسي عمليات الحصر والبيع عبر قوانين يجري نشرها بالجريدة الرسمية.

وفي آب/ أغسطس الماضي، أقر السيسي، القانون (170 لسنة 2025)، بشأن تنظيم الأحكام الخاصة بملكية الدولة في الشركات، مما يتيح "تنفيذ تخارج الدولة من الأنشطة والصناعات المستهدفة"، تنفيذا لوثيقة "سياسة ملكية الدولة"، الصادرة في 2022، حول تخارج الدولة وكياناتها من القطاعات الاقتصادية.

نتج عن القانون "وحدة حصر" لتنظيم ممتلكات الدولة، تستخدم عدة آليات منها: التصرف بالبيع، وأساليب الطرح بالأسواق، وزيادة رأس المال، وتوسيع قاعدة الملكية، والتقسيم والاندماج، إلى جانب التصرف ببيع الأسهم والحصص.

وفي الشهر ذاته، صدق السيسي، على القانون (168 لسنة 2025)، بشأن قواعد التصرف بأملاك الدولة الخاصة، التي تقنن تحركات الدولة لحصر ممتلكاتها، وتقنين حالات "وضع اليد" على أراضي الدولة، فيما حدد القانون طرق التصرف في الأراضي بالبيع، أو الإيجار، أو الإيجار المنتهي بالتمليك، أو الترخيص بالانتفاع.

وأمام وزارة المالية قائمة بـ11 شركة حكومية مخصصة للطرح والإدراج بالعام المالي (2025-2026)، بينها 5 شركات تابعة للجيش، وذلك ضمن برنامج طروحات للتخارج من 7 قطاعات، منها: الصناعات الدوائية والكيماوية والتشييد والبناء، وخفض استثماراتها بـ7 أخرى بينها محطات الكهرباء، وإتاحة 4 قطاعات للقطاع الخاص.

تخفف من الأعباء

وفي قراءته، يرى الكاتب والباحث الاقتصادي محمد نصر الحويطي، أن "دمج الهيئات وتقليص عددها أمر جيد لتخفيف الروتين والبيروقراطية في إنجاز المهام والإجراءات التي تعوق المستثمرين والمواطنين، وذلك بعيدا عن علاقة الأمر ببيع الأصول أو تخارج الدولة من الاقتصاد وتوسيع رقعة القطاع الخاص".

وعن احتمالات بيع أصول وممتلكات بعض الهيئات التي سيتم إلغاءها وتصفيتها أكد لـ"عربي21"، أنه "في كل الأحوال الحكومة تبيع الأصول ولو أن نتيجة البيع خفض عجز الموازنة وبالتبعية تقليل التضخم والديون الداخلية فلا مانع".

وأوضح أن "التخوف من أن تقليص الهيئات يضيف ديونها وأعباءها على الموازنة العامة للدولة في غير محله، لأنه في النهاية أمام أزمة الأصول التي تنتج عن دمج هذه الهيئات سواء أراضي أو مباني وأدوات، وبالتبعية لابد من بيعها وعرضها للاستثمار للتخلص من معضلة تعدد الهيئات، والذي في النهاية يخفف أعباء الموازنة ويقلل الإنفاق الحكومي عليها".

وقال إن "تخارج الدولة وتقليص دورها في الاقتصاد لصالح القطاع الخاص والمستثمرين المحليين والعرب والأجانب ليس مطلب صندوق النقد فقط، ولكنه مطلب كل دعاة الرأسمالية وشركات القطاع الخاص وكل من وفق أوضاعه المعيشية وفقا لجهوده الذاتية ولا يعتمد على الحكومة".

ويرى أنه بشكل عام "فكرة التخارج والبيع ليست أمرا غير محمود، لأن المستثمر الأجنبي يغير من وضع النشاط الذي يعمل فيه إلى الانضباط قياسا بما كانت الحكومة عليه ويدعم التكنولوجيا والتشغيل وزيادة الإنتاج، وعلى الحكومة الاحتفاظ بكل ما هو استراتيجي والتخلص من ما لا تستطيع تشغيله".

وعود حكومية وشكاوي شعبية

ورغم وعود حكومية بتحسن الأحوال، يشكو مصريون من زيادة الأعباء المعيشية وسوء الأوضاع الاقتصادية وتراجع الدخول، محملين الحكومة أسباب غلاء الأسعار، وزيادة الضرائب، والرسوم الحكومية، ورفع الدعم عن الوقود بأنواعه، ورفع فواتير الكهرباء والغاز والمياه، وغلاء تكاليف العلاج والمواصلات والايجار والتعليم، مع استمرار سياسات طرح الأصول العامة وبيع الشركات الحكومية والأراضي الاستراتيجية، والاستدانة الخارجية والداخلية.

وفي 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وعد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي المصريين بجني "ثمار الإصلاحات الاقتصادية هذا العام ولمدة 3 سنوات"، بـ"تحسن ظروف المعيشة، والأجور، وأحوال الطبقة المتوسطة وغير القادرين، والقدرة الاقتصادية للأسرة، وخدمات الصحة، والتعليم، وفرص العمل، وثبات أسعار السلع الأساسية، ما اعتبرها الكاتب الاقتصادي مصطفى عبدالسلام، عبر "فيسبوك"، مجرد وعود حكومية كسابقاتها منذ عام 2014.

وعبر صفحتها بـ"فيسوك"، انتقدت خبيرة التخطيط الاستراتيجي الدكتورة سالي صلاح، سياسات الدولة المصرية الاقتصادية والمالية واعتمادها على الاقتراض الخارجي والداخلي وبيع الأصول لسداد خدمة الديون.

وأكدت ارتفاع الدين العام بمعدل 356 بالمئة من (2014 إلى 2025)، وقفز الدين من 4.3 تريليون جنيه لـ 19.6 تريليون جنيه، وبلوغ خدمة الدين العام 9.6 تريليون جنيه، داعية لإصلاح مالي واقتصادي، مع وقف بيع الأصول، وتوحيد الموازنة العامة والهيئات والصناديق، وإعلان الدين الحقيقي، وضبط الاقتراض الخارجي.

التعليقات (0)

خبر عاجل