عادت
غينيا بيساو
الدولة الصغيرة الواقعة في غرب أفريقيا، مجددا إلى حكم العسكر، فبعد عدة محاولات
انقلابية فاشلة، تمكن ضباط أمس الأربعاء من الإطاحة بالرئيس عمر سيسكو إمبالو، وسط
تضارب في دوافع الانقلاب المثير للجدل.
فبعد ثلاثة أيام فقط
من إجراء
الانتخابات الرئاسية وفي تطور مفاجئ ودراماتيكي سُمعت أصوات إطلاق نار
قرب القصر الرئاسي في العاصمة بيساو، صباح الأربعاء، وبعد نحو ساعتين أكد تقارير
سيطرة مجموعة من العسكريين على القصر الرئاسي.
ومع استمرار سيطرة
العسكريين على القصر الرئاسي صرح عمارو سيسوكو إمبالو، لصحفية جون آفريك، أن ضباط
يقومون بانقلاب عسكري، ليؤكد للصحيفة نفسها بعد نحو 40 دقيقة أنه اعتقلها بالفعل
مع وزير الداخلية ومسؤولين عسكريين وحكوميين، قبل أن ينقطع الاتصال معه.
إعلان الانقلاب
وفي حدود الساعة
الواحدة ظهرا أعلنت مجموعة من الضباط أطلقت على نفسها "القيادة العسكرية
العليا لاستعادة الأمن الوطني والنظام العام" السيطرة على السلطة وإغلاق
الحدود وفرض حظر تجوال ليلي ودعت السكان للهدوء.
وقال قائد الانقلاب
الجنرال دينيس نكانها، إن دافع الإطاحة بنظام الرئيس عمارو سيسوكو إمبالو هو
"ضمان الأمن على المستوى الوطني وأيضا استعادة النظام" مضيفا أن القيادة
العليا لاستعادة النظام، المكونة من جميع فروع الجيش، تولت إدارة البلاد حتى إشعار
آخر".
اظهار أخبار متعلقة
وتحدث عن اكتشاف
"المخابرات العامة خطة لزعزعة استقرار البلاد بمشاركة تجار مخدرات
محليين"، مؤكدا "دخول أسلحة إلى البلاد بهدف تغيير النظام الدستوري".
وأبرز أن
"القيادة بدأت ممارسة صلاحياتها، وتدعو المواطنين إلى الهدوء"، كما أعلن
تعليق "العملية الانتخابية برمتها" وإغلاق الحدود "البرية والجوية
والبحرية" وفرض "حظر تجول إلزامي".
ويعد هذا خامس انقلاب
في تاريخ غينيا بيساو منذ استقلالها عن البرتغال عام 1974، كما عرفت البلاد التي
تعيش نسبة 40 بالمئة من سكانها تحت خط الفقر العديد من المحاولات الانقلابية.
معطيات مثيرة
وفي تطور أثار استغراب
المختصين في الشأن الإفريقي، أقدم الانقلابيون على اعتقال المعارضَين فرناندو دياس
دي كوستا، ودومينغوس سيمويس بيريرا، رغم أنهما من أبرز مناهضي الرئيس المطاح به.
في المقابل نقل الرئيس
المطاح به إمبالو إلى مقر هيئة الأركان العامة للجيش، حيث أكدت تقارير إعلامية أنه
يعامل معاملة جيدة، فيما تحدث قائد الانقلاب عن اكتشاف "المخابرات العامة خطة
لزعزعة استقرار البلاد بمشاركة تجار مخدرات محليين"، مؤكدا "دخول أسلحة
إلى البلاد بهدف تغيير النظام الدستوري".
وفي هذا الشأن قال
الخبير المختص في الشؤون الإفريقية، سيد ولد عبد المالك، إن الترجيحات لدى خبراء
الشأن الإفريقي تفيد بأن الرئيس المطاح به ربما أوعز لقائد المكتب العسكري في
الرئاسة بالإطاحة به في
انقلاب عسكري، بعدما أدرك أنه قد لا يفوز في الانتخابات،
التي كان البيساو غينيون ينتظرون الإعلان الرسمي عن نتائجها، حيث استبق معسكرا
عمارو سيسوكو إمبالو، وفرناندو دياس دي كوستا، الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات،
وأعلن كل منهما الفوز.
وأضاف ولد عبد المالك
في تصريح خاص لـ"عربي21": "ظروف اعتقال الرئيس المطاح به غريبة
بالفعل، حيث سمح له بإجراءات مقابلات صحفية عبر الهاتف ويتلقى معاملة جديدة".
وأشار إلى أن قائد
الانقلاب يعتبر أحد أبرز المقربين من إمبالو، ومن غير المستبعد أن يكون قد أوعز له
بتنظيم انقلاب عسكري، بدل المساح للمعارضة بالوصول إلى السلطة.
ولفت إلى أن بيان
الانقلابيين تحدث عن اكتشاف "المخابرات العامة خطة لزعزعة استقرار البلاد
بمشاركة تجار مخدرات محليين" في اتهام ضمني لمعارضين مناهضين للرئيس المطاح
به إمبالو.
"انقلاب مزيف"
وفي هذا الإطار اتهمت
الجبهة الشعبية في غينيا بيساو الرئيس المنتهية ولايته عمر سيسوكو إمبالو ورئيس
الأركان الجنرال بياغي نا نتام بالوقوف وراء ما وصفته بـ"انقلاب مزيف"
يهدف إلى تعطيل عملية إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت الأحد الماضي.
واتهمت الجبهة الشعبية
السلطات بالمسؤولية عن التصعيد الحالي، داعية القوى الوطنية إلى التصدي لما وصفته
بالانحراف عن المسار الدستوري، كما انتقدت ما اعتبرته صمتا دوليا تجاه الأحداث
الجارية في البلاد.
بلد الانقلابات
الحمراء
ولفت الخبير المختص في
الشؤون الإفريقية، سيدي ولد عبد المالك، إلى أن غينيا بيساو، تعد بلد الانقلابات
الحمراء في إفريقيا بامتياز، مضيفا أن جميع الانقلابات الناجحة والمحاولات الفاشلة
كانت دامية.
وأضاف في حديثه لـ"عربي21":
"بيساو بلد الاضطرابات السياسية والانقلابات حيث عرفت 4 انقلابات ناجحة
وسلسلة من الانقلابات الفاشلة رغم أنها من أحدث الدول الإفريقية استقلالا عن
الاستعمال البرتغالي".
وتابع: "جميع
الانقلابات التي عرفتها هذه الدولة كانت تسيل فيها الدماء سواء الناجحة منها أو
المحاولات الفاشلة، حيث تسيل الدماء في صفوف القيادات العسكرية المستهدفة أو
الشخصيات الرسمية المدنية أو حتى المواطنين العاديين وبالتالي الانقلاب في بيساو
ليس حدثا جديدا بل هو جزء من المشهد السياسي في البلد".
متغير جديد
وأوضح ولد عبد المالك،
أن الانقلابات العسكرية في بيساو كانت تأتي في سياقات تأزيم سياسي، لكن المتغير الجديد
أن هذا الانقلاب جاء في وقت كان البساويون يتطلعون إلى الإعلان عن نتائج
الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت الأحد الماضي".
وأشار إلى أن هذه
الانتخابات كانت بالفعل جزء من الأزمة لسببين أولهما يتعلق بأرضية المنافسة بين
القوى السياسية حيث أن زعيم المعارضة الرئيسي حرم من المشاركة في الانتخابات
وبالتالي هذا جعل الانتخابات تنظم في جو مشحون من عدم الثقة السياسية.
ونبه إلى أن العنصر
الثاني المتعلق بموضوع الانتخابات هو أيضا أنها لم تكن تتسم الشفافية حسب
المراقبين، وأعلن الطرفان النظام الحاكم والمعارضة فوزهما بالانتخابات في حين أن
نتائجها لم تعلن بعد.
دعوة لاستئناف العملية
الانتخابية
وأعرب رؤساء بعثات
الاتحاد الإفريقي، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، ومنتدى حكماء
غرب إفريقيا، التي راقبت الانتخابات الرئاسية والتشريعية في غينيا بيساو، عن
"قلقهم البالغ إزاء الإعلان عن انقلاب عسكري من قبل القوات المسلحة، في وقت
كانت فيه الأمة تنتظر إعلان نتائج الاقتراع".
ودعت هذه البعثات
الاتحاد الإفريقي و(إيكواس) إلى "اتخاذ التدابير اللازمة لإعادة النظام
الدستوري"، وحثوا على "الإفراج الفوري عن جميع الموقوفين، بما يسمح
للعملية الانتخابية بأن تستمر في مسارها الطبيعي حتى نهايتها".
اظهار أخبار متعلقة
وحثوا الشعب البيساو
غيني على "التزام الهدوء"، مجددين التزامهم "دعم المسار
الديمقراطي" للبلاد كما أكدوا على "أهمية الحفاظ على السلام والاستقرار
ورفاه الشعب".
وضمن ردود الفعل على
الانقلاب العسكري في غينيا بيساو، أكد ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام
للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن الأخير "يتابع الوضع بقلق بالغ"، وحث
جميع الأطراف على "ضبط النفس واحترام سيادة القانون".
كما دعت البرتغال،
القوة الاستعمارية السابقة لغينيا بيساو، إلى "الهدوء واستئناف العملية
الانتخابية".