خلاصة موجزة
للواقع الجاري
منذ اندلاع
القتال بين الجيش
السوداني وقوات
الدعم السريع عام 2023 امتدّت أزمة السودان إلى أبعاد
إقليمية دولية: تقارير استخباراتية وصحفية ومنظمات حقوقية تشير إلى أن تدفقات أسلحة
ومعدات لوجستية وواردات ذهب لصالح شبكات مرتبطة بالدعم السريع؛ وصلت -بطرق مباشرة أو
عبر وسطاء- إلى قوى داخل
الإمارات أو عبر أسواق متصلة بالإمارات. ذلك ساهم في تحويل
الصراع إلى "
حرب ممولة" وإدامة دورة العنف، مع تقارير عن مجازر ودفن جماعي
في مدن مثل الفاشر. هذه الحقائق أخضعت أبو ظبي لانتقادات متزايدة من الكونغرس
الأمريكي والمنظمات الدولية، بينما تنفي الإمارات أي دعم مسلّح وتقول إنها تقدم مساعدات
إنسانية.
دوافع الإمارات:
قراءة واقعية على ضوء مصالح الدولة
الأدلة والتحليلات
تُجمع على أن دوافع الإمارات ليست أيديولوجية بحتة، بل جيو-اقتصادية واستراتيجية:
• الذهب والتمويل: سوق دبي للذهب بوابة رئيسة لصادرات ذهب السودان؛ تجارة
الذهب تدرّ موارد مهمة يمكن أن تُستخدم لتمويل فاعلين محليين، والسيطرة أو النفاذ إلى
سلاسل تصدير الذهب يخدم مصالح اقتصادية وسياسية.
• الوجود البحري والبوابات على البحر الأحمر: السودان ذو أهمية استراتيجية
لممرات الشحن والقدرة على إنشاء موانئ أو قواعد لوجستية مطلة على البحر الأحمر؛ عامل
مهم لأمن الطاقة والتجارة الإماراتية.
• السياسة الإقليمية ومكافحة نفوذ الإسلام السياسي: أبو ظبي ترى في التسوية
العسكرية والتحالف مع قادة عسكريين سبيلا لصد عودة تيارات الإسلام السياسي -القُوى
المدنية التي رافقت الانتفاضات- وهو خط ثابت في سياسة الإمارات الخارجية بعد 2011. بالتالي، الدعم (إن ثبت) يتماهى مع استراتيجية
إماراتية تسعى لربط الموارد -المراكز المالية- بقوة نفوذ محيطة بالخليج والبحر الأحمر.
فاعلون رئيسيون
وتفاعلهم (مصفوفة مصالح)
• الإمارات: تبحث عن نفوذ طويل الأمد وموارد (ذهب، بورصات، موانئ)، وتحاول
حماية شريك محلي قادر على تأمين هذه المصالح، في الوقت نفسه تواجه تكلفة دبلوماسية
وسمعة متصاعدة.
• قوات الدعم السريع: تستفيد اقتصاديا وعسكريا من شبكات التصدير والتمويل،
ما يمنحها قدرة على توسيع عملياتها وغزو مدن كبرى (مثل الفاشر). هذا يعمّق تفكك الدولة.
• الجيش السوداني والحكومة الفِعلية: تراقب وتتهم أطرافا إقليمية بدعم خصومها،
وتستخدم ذلك سياسيا لطلب دعم دولي أو عقوبات على الممولين.
• الولايات المتحدة والكونغرس: تستشعر ثمة تضارب بين المصالح الاستراتيجية
في الخليج والحاجة لتطبيق معايير المساءلة ومنع تدفق الأسلحة. ضغوط داخلية تقود مخاطبات
دبلوماسية وتهديدات بفرض عقوبات أو تعليق مبيعات أسلحة.
• المنظمات الحقوقية والأطراف الإقليمية (الاتحاد الأفريقي، دول جوار): تضغط
لوضع أُطر رقابية ومنع تفكك السودان أو تقسيمه، وتُطالب بمحاسبة ممولي الأطراف المسؤولة
عن جرائم حرب.
تداعيات استراتيجية
قصيرة ومتوسطة المدى
1. تفاقم الأزمة الإنسانية واستمرار النزوح: استمرار تدفّق الأسلحة والتمويل
يبقي دوامة العنف مستمرة، ما يزيد كلفة الاستقرار الإقليمي (اللاجئون، شبكات إجرامية
عبر الحدود).
2. تآكل قواعد الحُكم والشرعية في السودان: تمويل طرف مسلّح يقوّي منطق
"الحكم بالقوة" ويعرقل الانتقال السياسي إلى مدنية. هذا يطيل أمد الفراغ
المؤسساتي ويجذب فاعلين خارجيين آخرين.
3. أزمة شرعية للإمارات على مستوى القِيَم الدولية: أي ضغوط أو أدلة
إضافية تزيد احتمال إجراءات دبلوماسية أو اقتصادية ضد شركات/أفراد في الإمارات؛ وقد
تتأثر العلاقات مع الغرب أو تُساءَل مشاركتها في جهود أمنية إقليمية.
4. تصدّع توازنات الخليج: سياسات متباينة تجاه السودان قد تخلق توترات
بين دول الخليج (أبو ظبي، الرياض، القاهرة) وربما تُعقّد جهود التنسيق الأمني في البحر
الأحمر.
5. انتشار الأسلحة وتقويض حظر التسلّح: وصول صواريخ مضادة للطائرات وطائرات
مسيّرة إلى ساحات القتال يرفع من مخاطر نشرها لاحقا في صراعات أخرى في المنطقة أو سقوطها
في أيدي جماعاتٍ مسلحة.
سيناريوهات
محتملة (3 سيناريوهات مركَّزة)
السيناريو
الأول: تراجع أبو ظبي تكتيكيا (الأرجح سياسيا): تحت ضغط دبلوماسي (واشنطن، الأمم المتحدة،
شكاوى برلمانية) وإعلامي، تتبنى الإمارات سياسات تصحيحية: قطع قنوات تجارية مشبوهة،
وتشديد رقابة الذهب، ودعم مبادرات هدنة، ما يخفف الضغوط لكن لا يصلح الأضرار الهيكلية.
هذا خيار يوازن حماية المصالح مع الحاجة لاحتواء التكاليف الدبلوماسية.
السيناريو
الثاني: استمرار الدعم عبر وسطاء (مُكلف طويل الأجل): تستمر شبكات
التهريب والتعاقد عبر دول وسيطة (تشاد، ليبيا، مطارات إعادة شحن)، ما يطيل الحرب ويجعل
التدخلات العقابية الدولية أصعب تنفيذا بفعالية. هذا يزيد احتمالات
تفاقم الأزمة وإنشاء وضع إقليمي هش.
السيناريو
الثالث: تصعيد دولي وإجراءات عقابية: في حال ظهور
أدلة دامغة وترجمة الضغوط السياسية إلى عقوبات اقتصادية هدفها شبكات تجارية محددة،
قد تدخل العلاقات بين واشنطن وأبو ظبي مرحلة إعادة تقييم مؤلمة تؤثر على التعاون الأمني
في ملفات أوسع. هذا احتمال أقل في المدى القريب بسبب الترابط الاستراتيجي، لكنه ممكن
إذا استمرت الأدلة وتفاقمت الضغوط الداخلية في الولايات المتحدة.
توصيات الولايات المتحدة، الاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي
1. فرض استراتيجية معيارية ذكية (smart conditionality): الربط بين المصالح الأمنية مع الإمارات وفرض قيود مستهدفة على قنوات
التمويل والشركات الوسيطة (قيود مالية على كيانات محددة، تقييد الوصول للأسواق المالية)،
بدلا من عقوبات شاملة قد تدفع إلى تفاهمات بديلة مع قوى أخرى
(يُقلّل مخاطر
الانزلاق إلى تصعيد دبلوماسي كامل).
2. التركيز
على شفافية سوق الذهب: تمديد وفرض معايير ترصد صارمة في سوق الذهب العالمي (تحسين خطوط
التتبّع، تبادل ملفات الشحن والبيانات المصرفية مع الشركاء)، ودعم تحقيقات مستقلة لقطع
سبل التمويل.
3. دعم وساطة إقليمية بقيادة أفريقية مدعومة دوليا: إعطاء دور فاعل للاتحاد
الأفريقي في الوساطة، مع ضمان غطاء دولي (الأمم المتحدة، الولايات المتحدة،
الاتحاد الأوروبي)، ومنح آليات رقابة على وقف إطلاق النار ومنع إعادة انتشار الأسلحة.
هذا يقلّل من تصديق روايات احتكار النفوذ الخارجي.
4. تحجيم الأثر الإنساني مع فرض المساءلة: توسيع مهمة تحقيق دولية مستقلة
في الانتهاكات (دعم عمل فرق التحقيق وجمع أدلة عبر الأقمار الصناعية والشهادات) لتغذية
محاكمات مستقبلية ومنع الإفلات من العقاب، وهو ما يشكّل رادعا لسلوكيات الدعم الخارجي.
5. خريطة طريق بديلة للاستثمارات الإماراتية المشروعة: تشجيع أبو ظبي
على تحويل استثماراتها في السودان من سبل قد تغذّي الحرب (قنوات ذهب مشبوهة، دعم كيانات
مسلّحة) إلى مشاريع إنمائية حقيقية تحت رقابة دولية: موانئ، زراعة مستدامة، بنى تحتية
بشرية. هذا يعطي "مخرجا" سياسيا وبراغماتيا.
خلاصة تقييمية
قضية الاتهامات
الإماراتية بـ"دعم" مليشيا الدعم السريع ليست فقط مسألة أخلاقية، بل اختبار
لآليات الحوكمة العالمية لوقف تمويل الحروب بالنيابة، ولقدرة المجتمع الدولي على وضع
"ثمن" ملموس للدول التي تتصرف بما يخالف الأعراف.
إذا استمرت
التدفقات المالية واللوجستية عبر قنوات شبه شرعية، سيطول أمد الصراع ويزداد تجذّر الفاعلين
غير الدوليين. في المقابل، الطّرق الدبلوماسية الذكية والضغط الاقتصادي المركّز يمكن
أن يدفع أبو ظبي إلى تعديل سلوكها من دون تفجير كامل في العلاقات الاستراتيجية مع الغرب.
مصادر رئيسة
(الأهم في دعم التحليل أعلاه)
• Washington Post: “UAE faces growing outrage over support for paramilitary
in Sudan” (15 Nov 2025).
• رويترز: تقرير عن مكالمة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو مع مسؤولين
إماراتيين وطلب وقف تدفق الأسلحة/الدعوة لهدنة.
• منظمة العفو الدولية: تحقيق عن إعادة تصدير أسلحة متقدمة عبر الإمارات
واستخدامها في السودان.
• مختبر الأبحاث الإنسانية في جامعة ييل (Yale Humanitarian
Research Lab)/ أسوشييتد برس: صور أقمار صناعية وحجج حول مقابر
جماعية في الفاشر ودلائل على مجازر.
•تشاثام هاوس: تحليل عن دور الذهب والاقتصاد
في تغذية الحرب وارتباطه بأسواق الإمارات.
مصادر مفصّلة
وروابط للعودة إليها:
• رويترز: تغطيات متنوّعة حول الاتهامات واجتماعات دبلوماسية (
مثال للبحث).
• منظمة العفو الدولية:
تحقيق عن إعادة تصدير أسلحة متقدمة عبر الإمارات.
• أسوشييتد برس:
تقارير وصور أقمار صناعية حول مواقع مقابر جماعية في الفاشر.