أقر "مجلس النواب"
المصري قانون "الإجراءات الجنائية" الذي يصفه البعض بالمثير للجدل، بعد أن وضع بعض التعديلات على المواد الثمانية التي طالب رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، قبل أسبوعين، تعديلها، وأعاد القانون للمجلس دون إقراره، لمراجعته مجددا.
ولم تلق النتيجة النهائية للتعديلات قبول كثيرين، أكدوا أنها لم تحقق آمال المحامين والحقوقيين والمعارضين في تعديلات منصفة للمصريين، كما قال متحدثون لـ"عربي21"، إن "التعديلات على
قانون الإجراءات الجنائية لن تغير شيئا في مشهد مصر الحقوقي".
اظهار أخبار متعلقة
وجاءت الانتقادات المتصاعدة لتعديلات القانون بشكل خاص ضد إقرار النواب "المادة 105" التي لاقت اعتراضات واسعة نظرا لانتقاصها حقوق المصريين، كون المادة تقر التحقيق مع الموقوفين أثناء مثولهم أمام النيابات في عدم وجود المحامين.
ويوجه حقوقيون انتقادات واسعة لملف مصر الحقوقي منذ العام 2013، مشيرين إلى تعرض كثيرين لانتهاكات بالمخالفة للدستور والقانون، وطالهم القبضة الأمنية الغليظة، وممارسات الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والمحاكمات المسيسة، والأحكام القاسية، والحبس الاحتياطي.
جدل سابق وحالي
وبدأت قصة الجدل حول القانون عام 2022، حين طالبت الحكومة من مجلس النواب، (الغرفة التشريعية الأولى) بإجراء تعديل على (365 مادة) من أصل (461 مادة) بقانون الإجراءات الجنائية، ليقرر البرلمان في كانون الأول/ ديسمبر 2022، إعداد مشروع قانون جديد، أقر مواده بشكل نهائي نيسان/ أبريل الماضي.
وأخذت مواد القانون الـ(540)، مساحة واسعة من انتقادات معارضين، وحقوقيين، ونقابتي المحامين، والصحفيين، ونادي القضاة، لما تمنحه للسلطات الأمنية والنيابية والقضائية من صلاحيات وسلطات وإجراءات تعسفية، بحق المتهمين والمعارضين والمحامين والصحفيين، تتعارض بعضها مع الدستور وقواعد حقوق الإنسان.
ويلغي القانون بند الحد الأقصى للحبس الاحتياطي للمعتقلين السياسيين، والمحدد بعامين في القانون السابق، بل ويتيح استمرار تمديد الإجراء غير القانوني الذي يعاني معه آلاف المصريين، في بلد تحتجز سلطاته أكثر من 60 ألف معتقل سياسي منذ العام 2013.
كذلك تمنح المادة (79)، السلطات حق مراقبة الاتصالات وأجهزة الهاتف والحسابات الشخصية ومنصات التواصل الاجتماعي وتسجيل المحادثات، ومصادرة الهواتف والأجهزة المحمولة، ما يرى فيه معارضون انتهاكا للخصوصية، ويتعارض مع الدستور.
ويرى حقوقيون أن القانون يزيد صلاحيات النيابة، باحتجاز المتهمين لفترات قبل المحاكمة، مما يؤدي إلى اعتقالات تعسفية، واختفاء قسري، وحبس احتياطي، وسوء استخدام السلطات الأمنية والنيابة تلك الصلاحيات، في توقيف الأشخاص واستجوابهم.
ويقلص النص الجديد أيضا، دور المحامي في التحقيق، ويقيد حق المتهم والمحامي في الاطلاع الكامل على ملف القضية، بل يسمح للنيابة منع كشف بعض الأدلة، كما وضع القانون المحامي (أحد جناحي العدالة) تحت المحاكمة الجنائية، ويهدر القانون، وفق صحفيين، حقوق الصحافة المصرية في ممارسة دورها الرقابي على أجهزة الدولة والكشف عن الفساد.
مفاجأة السيسي
في 21 أيلول/ سبتمبر 2025، وبعد جدل قانوني، فاجأ السيسي، الجميع بإعادة القانون لمجلس النواب لإجراء تعديلات عليه، ما قابله البعض بتفاؤل شديد وتوقعات بحدوث انفراجة حقوقية، تضمن توجيه السيسي، تعديل كل من: (المادة 112)، لإجازتها احتجاز متهمين دون تحديد مدة قصوى ودون اشتراط أمر قضائي مسبب، و(المادة 114) مطالبا بزيادة بدائل الحبس الاحتياطي، و(المادة 123)، التي تقصر عرض أوراق المتهم على النائب العام لمرة واحدة أثناء الحبس الاحتياطي.
ماذا تغير في القانون؟
بعد نحو 3 أسابيع، والخميس الماضي، أقر "مجلس النواب"، الذي يخوض آخر فترات انعقاده مع انتخاب برلمان جديد الشهر الجاري، تعديلات بـ8 مواد، مع تطبيق القانون في تشرين الأول/ أكتوبر 2026، وجاءت تعديلات (المادة 48)، بشأن تحديد حالات الضرورة لتفتيش المنازل، لتنص على "تفتيش رجال السلطة العامة المنازل دون إذن قضائي بحالات الخطر الناجم، أو الحريق أو الغرق أو ما شابه ذلك"، ليعترض نواب معارضون على جملة "أو ما شابه ذلك"، كونها تفتح أبوابا أخرى لتفتيش منازل المصريين.
وأقر "النواب" نص (المادة 105)، بعد اعتراضات نواب ونقيب المحامين على التعديل الذي يبيح للنيابة "التحقيق مع المتهم في غياب محاميه في الحالات التي يُخشى فيها فوات الوقت"، فيما انسحب النائب محمد عبدالعليم، ونواب الحزب "المصري الديمقراطي"، معلنين أن تمرير المادة يمثل "انتهاكا للدستور".
ورفض نقيب المحامين عبدالحليم علام، التعديل مؤكدا أن "التحقيق مع المتهم دون محام يخالف (المادة 54) من الدستور"، ما قابله وزير العدل عدنان فنجري، بقوله إن "التعديل قائم على الضرورة ولا يخالف الدستور".
وفي تعديل (المادة 114)، زادت بدائل الحبس الاحتياطي من 3 إلى 7 هي: "إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه"، "إلزامه بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة"، "حظر ارتياده أماكن محددة"، "إلزامه بعدم مغادرة نطاق جغرافي محدد، "إلزامه بالامتناع عن استقبال ومقابلة أشخاص معينين"، "منعه مؤقتا من حيازة أو إحراز الأسلحة"، و"استخدام الوسائل التقنية في تتبع المتهم".
وجاء تعديل (المادة 123) حول فترات الحبس الاحتياطي بمراجعة موقف المحبوسين احتياطيا كل 3 أشهر، ويتزامن إقرار تعديلات القانون مع فوز مصر بعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة 3 سنوات، وقبل مشاركة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، بالقمة (المصرية-الأوروبية) ببروكسل 22 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وسط رغبة القاهرة تحسين صورة ملفها الحقوقي أمام شركائها الأوروبيين.
تكبيل المواطن لا حمايته
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد السياسي المصري مجدي حمدان موسى، أن "تعديلات قانون الإجراءات الجنائية لا ترتقي إلى مستوى الإصلاح الحقيقي، بل هي ترقيع لقانون جوهري في حياة العدالة، كان يفترض أن يكون التغيير فيه جذريا وشاملا".
وطالب بـ"ضرورة تعديل مواد بعينها تُعد خنجرا في خاصرة العدالة والحريات، على رأسها: (المادة 105)، التي تمنح النيابة العامة سلطات واسعة للتحقيق مع المتهمين دون رقابة كافية"، ويرى أن هذا "يتنافى صراحة مع (المادة 54) من الدستور، التي تضمن للمواطن حقه في الحرية الشخصية، وتُلزم بعرض أي متهم على جهة تحقيق مستقلة وتوفير ضمانات الدفاع الكاملة له".
ولفت القيادي بحزب "المحافظين" كذلك إلى "المواد الخاصة بالحبس الاحتياطي التي تحولت من إجراء استثنائي إلى عقوبة مقنّعة، وتُستخدم لتكميم الأفواه وردع المعارضين"، مؤكدا أن "الحبس الاحتياطي يجب أن يكون مقيدا بضوابط صارمة ومُرتبطا بضرورات التحقيق فقط"، وبين أن "القانون يحتفظ بنصوص فضفاضة تتيح اتهام المواطنين دون أدلة كافية، وتفتح الباب أمام قضايا ملفقة أو ذات طابع سياسي، ما يجعله قانونا لتكبيل المواطن لا لحمايته".
خطوات محدودة
وفي رؤيته لما تحقق من تعديلات، مثل "تقصير بعض مدد الحبس أو النص على تسريع إجراءات التقاضي"، يرى أنها "خطوات محدودة لا تمس جوهر الأزمة، ولا تُغيّر من المشهد الحقوقي العام الذي ما زال يعاني من قيود وتشريعات تُغلّ يد المواطن وتحاصر حرية الرأي والتعبير".
وخلص للقول إن "التعديلات الحقيقية التي ينتظرها الشعب تلك التي تُعيد للقانون روحه الدستورية، وتُوازن بين حق الدولة في حماية الأمن وحق المواطن في العدالة والكرامة والحرية"، وختم مؤكدا أنه "حتى يتحقق ذلك، سنظل نُعلن رفضنا لأي قانون يكرّس القمع ويُشرعن المعاناة، وندعو لإعادة النظر في هذه المواد الكارثية التي تُهدد ثقة المواطن في منظومة العدالة كلها".
ذريعة للتخلص من عبء الدفاع
وفي رؤيته، قال المحامي المصري إبراهيم النقلي، إن "قانون الإجراءات الجنائية المصري من أعرق القوانين الإجرائية وصدر عام 1875، بمسمى (قانون تحقيق الجنايات)، مستقي من تشريعات فرنسية، ثم توالت التعديلات والمسميات حتى شكلها الحالي".
وأوضح لـ"عربي21"، أن "القانون يحيط الدعوي الجنائية بسياج محكم من إجراءات تضمن تحقيق نزيه ومحاكمة عادلة في إطار مايسمي بالشرعية الإجرائية التي سبق لها في التأصيل والتقعيد التشريع الإسلامي منذ 14 قرنا ويزيد".
وبشأن التعديلات الجديدة، يرى أن "أهمها ما يتعلق بحق المتهم في حضور محاميه تحقيقات النيابة، وقد أجاز تعديل (المادة 105) بفقرتها الثانية إجراء التحقيق دون حضور محاميه إذا خشي فوات الوقت، وهذا مبرر بغير موضعه، وأي وقت يُخشي فواته، والمتهم بيد النيابة مقيد الحركة لا يمكنه التأثير على مجريات الدعوى بطريق التهديد والابتزاز وخلافه".
ويعتقد أنها "ذريعة للتخلص من عبء الدفاع ودفوعه وإلمامه بحقوق المتهم التي قد لا يعرفها، وتجعل المتهم وحيدا بلا دفاع أمام سلطة التحقيق، وفي مواجهة أدلة ساقتها الأجهزة الأمنية أو خصوم المتهم دون أن يعرف المتهم كيف يدحضها ويفندها".
"محمدة وحيدة"
وأوضح أن "التعديل المهم الثاني: على إجراءات محاكمة المتهم أمام محكمة الجنايات حال استئناف الحكم، وكان قد استحدث بتعديل سابق: (حق المتهم في إستئناف الحكم الصادر عليه من محكمة الجنايات)، بينما كان في السابق يعد حكما نهائيا لا يجوز الطعن عليه إلا بالنقض".
وبين أنه "بعد استحداث أحقية المتهم في الطعن بالاستئناف جاء التعديل الأخير الذي نص على أنه (في حال عدم حضور المتهم جلسة المحاكمة الأولى أمام محكمة الاستئناف فالمحكمة تؤجل نظر الدعوى لجلسة أخرى تعلن بها المتهم ".
ويلفت إلى أن "هذا التعديل يحمل محمدة وحيدة لهذه التعديلات، إذ بعد تحديد جلسة الإستئناف قد يعرض للمتهم عارض قهري يمنعه من الحضور بها وقد تكون العقوبة مغلظة، فجاء التعديل بمنحة فرصة أخرى يعرض فيها دفوعه ودفاعه".
غلق منافذ الحرية
محامي وسياسي مصري -فضل عدم ذكر اسمه- قال إننا "لسنوات نسعى للحصول على أقل حقوق المصريين في تقاضي عادل، بينها الحق في أن يكون له محام يدافع عنه وفقا لنصوص القانون والدستور".
وأضاف لـ"عربي21"، أن "المحنة أكبر بكثير، فليس عندنا من يمثلنا داخل البرلمان، وليس عندنا ممارسة سياسية من الأساس، وليس لدينا عمل حزبي ولا أحزاب"، مؤكدا أن "السلطات تمارس الإغلاق لكل منافذ الحرية".
يخدم الأجهزة الأمنية
مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، حسام بهجت، قال لموقع "مدى مصر"، إن "الجهات الأمنية تسمح لنفسها بمساحة حركة واسعة في تطبيقها للقانون"، مشيرا إلى توثيق تجاوزات أمنية لنصوص القانون، ومؤكدا أنه "لا يعيق عمل الأجهزة الأمنية".
قوانين أخرى
ولكن الباحث بالشؤون القانونية عباس قباري، كان له رأي آخر، حيث أكد أن هناك قوانين أخرى احتلت مكانة قانون الإجراءات الجنائية واختصت بموضوعاته، مشيرا لـ"قانون الإرهاب"، و"تعديلات اختصاصات محكمة النقض"، واختصاصات دوائر الإرهاب"، واستثناءات قانون الكيانات الإرهابية"، و"توسيع اختصاصات محكمة الأمور المستعجلة"، و"اختصاصات قاضي الأمور الوقتية بالتحفظ على الأموال"، و"اختصاصات النيابة العامة الاستثنائية"، و"عودة محاكم أمن الدولة"، و"اختصاص المحاكم العسكرية بنظر جرائم حماية المنشآت وغيرها".
اظهار أخبار متعلقة
قباري، قال عبر "فيسبوك": "كل هذه القوانين هيمنت على تركة قانون الإجراءات الإجراءات الجنائية"، موضحا أنه "خارج الخدمة منذ 2015، عندما تم إقرار قانون الإرهاب، الذي حل محل مجموعة من القوانين التي تنظم المحاكمة وهي الإجراءات الجنائية والعقوبات والإثبات وغيرها، كما أنه وضع كودا تشغيليا لإجراءات النيابة العامة ودوائر الإرهاب المشكلة بمحاكم الاستئناف".
وتابع: "أضف لذلك تعديلات اختصاصات محكمة النقض، والأمور المستعجلة، واختصاصات قاضي الأمور الوقتية، واختصاصات القضاء العسكري، وقوانين حماية المنشآت وقرارات الضبطية القضائية"، وأكد على ضرورة إلغاء منظومة التقاضي الاستثنائية الموازية، وتنقية المنظومة التشريعية من رغبات الانتقام السياسي، وتنفيذ مبادئ حياد العدالة واعتماد إجراءات رد الحقوق وجبر المظالم".