طرح الرفض
المصري الرسمي للاتفاقية البحرية بين
تركيا وليبيا كثيرا من التكهنات والأسئلة حول تداعيات الخطوة وما إذا كانت تحمل
رسائل ضغط على مجلس النواب الليبي والجنرال الليبي، خليفة حفتر لرفض
الاتفاقية.
وأعلنت القاهرة رسميا أنها وجهت وثيقة رسمية إلى
الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 8 سبتمبر الجاري، أكدت فيه رفضها الكامل لجميع
المذكرات الشفوية الصادرة عن
ليبيا والمتعلقة بترسيم الحدود البحرية والجرف القاري
في البحر المتوسط.
وأكدت الرسالة المصرية أن "الحدود البحرية التي
أعلنتها ليبيا عبر اتفاقياتها مع تركيا تتداخل مع المنطقة الاقتصادية الخالصة
والجرف القاري المصري، وأن هذه الاتفاقات تعد انتهاكا واضحا لسيادة مصر وحقوقها
البحرية، وتتعارض مع أحكام القانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
كما رفضت بعثة مصر لدى الأمم المتحدة عبر رسالتها
مذكرة التفاهم الموقعة بين المؤسسة الوطنية للنفط الليبية وشركة البترول التركية
في يونيو الماضي بحجة أن هذه الأنشطة تتم في مناطق بحرية متداخلة مع الحدود
المصرية البحرية، لذا ترفض مصر كل مذكرات التفاهم البحرية الموقعة بين تركيا
والحكومات الليبية المتعاقبة سواء حكومة الوفاق أو حكومة الدبيبة وتعبرها مذكرات
باطلة قانونيا ولا يترتب عليها أي آثار دولية، وفق الرسالة المصرية.
"صمت
ليبي وتركي"
ورغم إعلان القاهرة موقفها الرسمي منذ يومين إلا أنه
حتى كتابة هذا التقرير لم يصدر اي ردود فعل رسمية من قبل الحكومة التركية أو
الحكومة الليبية أو أي مؤسسة رسمية في البلدين.
وسبق الرفض المصري رفضا من قبل دولة اليونان التي
اعترضت رسميا على الاتفاقية التركية الليبية واعتبرتها انتهاكا للسيادة اليونانية
وانتهاكا واضحا لقانون البحار، معلنة أنها بدأت مفاوضات مع حكومة الدبيبة لمناقشة
ترسيم الحدود الاقتصادية في المتوسط.
اظهار أخبار متعلقة
الرفض المصري والصمت التركي الليبي يطرح تساؤلات: ما
رسائل مصر من رفضها الرسمي للاتفاقات البحرية بين تركيا وليبيا؟ وهل تريد مزيد من
الضغوط على حفتر وعقيلة صالح لرفض الاتفاقية؟ وهل يشهد المتوسط صدامات عسكرية بين
المتنافسين؟
"رسائل
مصرية لتركيا وأوروبا وشرق ليبيا"
من جهته، أكد المحلل السياسي التركي، فراس أوغلو إن
"مصر بهذا الموقف الرسمي تبعث عدة رسائل لعدة أطراف، رسالة إلى الشرق الليبي
بعد تقاربه الواضح مع تركيا، وكذلك رسالة مصرية إلى الاتحاد الأوروبي بأن القاهرة
ورغم تحسن العلاقات بينها وبين أنقرة لكنها تبقى منفتحة على التخوفات الأوروبية ضد
الاتفاقية الليبية التركية".
وأشار في تصريحه لـ"عربي21" إلى أن
"الموقف المصري أيضا يحمل رسالة إلى تركيا بأن مصر لابد أن تتواجد في أعمال
التنقيب وتقاسم الثروات الطبيعية القريبة من حدودها أو التي تراها هي أنها في
حدودها، ولا أعتقد حدوث صداما عسكريا بين البلدين، فالأمر سياسي وحل هذه الإشكالية
سيكون بشكل سياسي أيضا"، وفق تقديراته.
في حين قال الأكاديمي والإعلامي من الشرق الليبي،
عاطف الأطرش إن "تسجيل مصر رسميا اعتراضها على الاتفاقية البحرية الموقعة بين
أنقرة وحكومة طرابلس لدى الأمم المتحدة يكشف عن تمسك القاهرة بموقفها الثابت تجاه
ما تعتبره "تعديا" على منطقتها الاقتصادية الخالصة وحقوقها السيادية في
شرق المتوسط".
وأوضح في تصريحات لـ"عربي21" أن
"الخطوة المصرية تحمل أبعادا دبلوماسية ورسائل ردع في آن واحد، فمن جهة أرادت
القاهرة أن توثق موقفها قانونيا لدى الأمم المتحدة لتفادي أي محاولة مستقبلية
لشرعنة هذه الاتفاقيات، ومن جهة أخرى جاء تهديدها بمنع أي طرف من البدء في عمليات
التنقيب بمثابة رسالة تحذير لتركيا، دون أن يعني ذلك بالضرورة العودة إلى مرحلة
الصدام المباشر، خاصة في ظل التقارب النسبي القائم بين أنقرة والقاهرة خلال
العامين الماضيين"، كما رأى.
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف: "ويمكن قراءة الرسائل المصرية أنها موجهة
بالدرجة الأولى إلى الداخل الليبي وتحديدا في الشرق لدفعهم إلى رفض الاتفاقيات
التركية الليبية وعدم الاعتراف بشرعيتها، فالقاهرة ترى أن تمرير مثل هذه الترتيبات
سيعزز النفوذ التركي في المتوسط وعلى الساحة الليبية على حساب مصالحها
الاستراتيجية".
وختم حديثه: "بذلك يمكن القول إن التحرك المصري
يمثل تصعيدا محسوبا يرمي إلى تثبيت الموقف القانوني والضغط السياسي، أكثر من كونه
مؤشرا على مواجهة عسكرية وشيكة مع أنقرة"، كما قال.
"تجدد
الصدام بين مصر وتركيا"
مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات
العربية الأوراسية، ديمتري بريجع قال من جانبه إن "رفض مصر رسميا للاتفاقية
التركية-الليبية وتسجيل الوثيقة لدى الأمم المتحدة يعكس إصراراً على حماية السيادة
الوطنية والمصالح الاستراتيجية في البحر المتوسط، ويشكّل رسالة قوية بأن هناك
خطوطاً حمراء لا يجوز تجاوزها".
وأضاف: "كذلك رفض مصر لاتفاقية حكومة الدبيبة
مع شركة تركية للتنقيب في المناطق المتنازع عليها يأتي في سياق محاولة احتواء
التمدد التركي وتأكيد أن التداخلات في الحقوق البحرية سيتم مقاومتها بكل الوسائل
القانونية والدبلوماسية، حسب كلامه.
وأكد أن "احتمال تجدد الصدام بين مصر وتركيا
وارد إذا ما أصرّت أنقرة على تنفيذ التنقيب في المياه التي تعتبرها القاهرة جزءاً
من المجالات القارية المصرية، لكن أعتقد أن المقصود بهذه الخطوة أكثر هو توجيه
رسالة إلى الأطراف الليبية (النواب أو حفتر) وتحذيرهم بعدم تمرير الاتفاقيات
التركية دون التنسيق مع مصر أو قبول مرجعيتها، فالرسالة واضحة أن أي تحرك أحادي في
المتوسط سيردّ عليه مَن له شأن، ولن يُسمح بتقويض الحقوق المصرية تحت ذريعة
الاتفاقات بين أطراف في ليبيا"، حسبما صرح لـ"عربي21".