ملفات وتقارير

كيف قدم نتنياهو "استعراضا" مبكرا للتحكم في مستقبل الطاقة بمصر؟

القاهرة عقدت اتفاقية كبيرة لاستيراد الغاز من الاحتلال- جيتي
القاهرة عقدت اتفاقية كبيرة لاستيراد الغاز من الاحتلال- جيتي
لم يكد يمضي شهر واحد على توقيع مصر والاحتلال اتفاقا جديدا لتصدير غاز الأراضي الفلسطينية المحتلة للقاهرة، بصفقة هي الأكبر بين الجانبين قُدرت بـ35 مليار دولار إلا، واستخدمها ساسة إسرائيل كورقة ضغط على مصر، ما وافق مخاوف الرافضين لربط أمن الطاقة المصري بالكيان المحتل.

صحيفة "إسرائيل اليوم"، العبرية، كشفت الثلاثاء، عن توجيه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، بعدم تنفيذ الاتفاقية دون موافقته، وذلك على خلفية ما زعمت أنها تقارير عن "انتهاك القاهرة الملحق الأمني لمعاهدة السلام 1979"، ما يعني تجميد الصفقة، ويجعل اتفاق الغاز التاريخي "في خطر"، وفق تعبير موقع "كيباه" العبري.

وتشير الصحيفة، إلى تقارير -لم تسم الجهة التي أصدرتها- تقول إن "مصر بنت أنفاقا بسيناء لتخزين أسلحة، ووسعت مدارج المطارات، وأدخلت قوات مشاة ومدرعات تتجاوز المسموح به ودون موافقة إسرائيلية".

اظهار أخبار متعلقة



وفي تعليقها قالت إن "إسرائيل تستخدم لأول مرة ورقة اقتصادية فعالة بمجال الطاقة، عبر ربط امتثال مصر لالتزاماتها باستعداد إسرائيل لتزويدها بالغاز الذي تحتاجه بشدة".

الاتفاق المثير

وفي 7 آب/ أغسطس الماضي، أعلنت شركة (NewMed Energy) الإسرائيلية، مد اتفاق تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، في تعديل على عقد موقع عام 2018، والذي تتضاعف بموجبه الكميات الموردة للقاهرة.

وذلك رغم ما كشفته الممارسات الإسرائيلية العام الجاري بوقف إمدادات الغاز إلى مصر، من خطأ استراتيجي وقع فيه النظام المصري، رغم تحذيرات معارضين وخبراء من ربط أمن الطاقة المصري بالكيان المحتل، ولفترات طويلة.

ونتيجة لهذا الاتفاق تستعد مصر لإنشاء خط أنابيب جديد داخل حدودها بتكلفة مقدرة بـ400 مليون دولار، لنقل الكميات الإضافية من الغاز من إسرائيل، لتتحمل شركة "نيوميد إنرجي" الشريك بحقل "ليفياثان" تكلفة مد الخط وربطه داخل الأراضي المحتلة.

ومن المقرر أن تستخدم القاهرة هذه الإمدادات لتغطية الطلب المحلي، وتصدير بعضها على شكل غاز مُسال عبر محطتي الإسالة في "إدكو" و"دمياط" إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية.

بروفة لمستقبل مضطرب

ويرى مراقبون أن تجميد الصفقة من أعلى سلطة في إسرائيل، جاء لينسف ما قدمته القاهرة لشعبها من تصريحات طمأنة عقب إعلان الاتفاقية الجديدة، وقول رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، 13 آب/ أغسطس الماضي، إن "اتفاقية الغاز مع إسرائيل لا تؤثر في القرارات السياسية".

وأكدوا أن "جيش الاحتلال، هو من خالف الاتفاقيات الأمنية واتفاق السلام مع مصر، باحتلاله الجانب الفلسطيني من معبر رفح، ومحور صلاح الدين آيار/ مايو 2024"، مطالبينه بـ"الانسحاب قبل الحديث عن حضور جيش مصر بسيناء".

ويلفت البعض إلى أن حديث نتنياهو، عن اختراق مصر الملحق الأمني من "كامب ديفيد"، مجرد ذريعة لمضايقة المصريين، ملمحين إلى تأكيد موقع "ميدل إيست آي"، البريطاني 19 آب/ أغسطس الماضي، بأن مصر أبلغت إسرائيل بأن "نشر 40 ألف جندي بشمال سيناء، إجراء دفاعي بحت لتأمين الحدود وسط تصاعد التوترات".

وألمحوا إلى أن هناك مشروعات تُجري في سيناء بعلم وموافقة الكيان المحتل، وبدعم عربي، مشيرين إلى تنفيذ الإمارات منذ تموز/ يوليو الماضي، خط مياه من محطة أقامتها بشمال سيناء إلى منطقة المواصي بساحل القطاع، وبموافقة إسرائيلية.

في ذات السياق، تقوم مصر "بتدريب قوات فلسطينية" في سيناء، لتتولى مهام الأمن بالقطاع فور انتهاء العمليات العسكرية، بدعم خليجي، بحسب تأكيد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، 30 تموز/ يوليو الماضي.

ويعتقد المراقبون أن "خلف تجميد نتنياهو، الصفقة رغم قيمتها (35 مليار دولار)، وصعوبة وضع تل أبيب الاقتصادي مع حرب غزة، رسائل سياسية قاسية للقاهرة"، ملمحين إلى "صعوبة تفريطه عمليا بالصفقة".

ما دفع البعض للقول إن "نتنياهو رغم استفادته من صفقة الغاز قدم بروفة لما قد يحدث مستقبلا من حكومة الاحتلال حتى عام 2040، من ابتزاز سياسي، وتلاعب بإمدادات الغاز، وتعطيل لاقتصاد مصر، وتحكم بقراراتها، وتوجيه تحركها الإقليمي والدولي حال مخالفتها التوجه الإسرائيلي، أو عدم قبولها بخطط تهجير فلسطينيي غزة، واحتلال القطاع".


مخاوف مصرية

وتتفاقم مخاوف المصريين مع توجهات إسرائيلية اعتبروها خطيرة على أمن مصر القومي في قطاع غزة، وسيناء، وذلك على خلفية خريطة مسربة تكشف رغبة إسرائيل احتلال 40 بالمئة من القطاع، ووضع 700 ألف فلسطيني بخيام غرب رفح الفلسطينية، على حدود مصر.

وذلك إلى جانب حديث نتنياهو، عن مهمته في تنفيذ خطط إنشاء "إسرائيل الكبرى"، على حساب مصر، والأردن، وسوريا، ولبنان، وما تبقى من فلسطين المحتلة وفق ما نقله "تايمز أوف إسرائيل".

وفي المقابل، تواجه مصر تراجعا حادا بإنتاجها المحلي من الغاز، من 71 مليار متر مكعب عام 2021، إلى 45 مليار متر مكعب في 2024، هذا الانخفاض، المقترن بارتفاع الطلب المحلي، خلق عجزا يقدر بحوالي 12.5 مليار متر مكعب سنويا.

ويشكل الغاز القادم من الاحتلال حاليا نحو (15-20 بالمئة) من إجمالي استهلاك مصر للغاز، ويصل 60 بالمئة من إجمالي واردات الغاز المصرية، ما "يجعل مصر عرضة للضغوط السياسية الإسرائيلية، خاصة في ظل استخدام الطاقة كأداة للابتزاز السياسي"، وفق تحليل لوكالة "الأناضول"، الثلاثاء.

ويطالب خبراء السلطات المصرية فيالمقابل، بتنويع مصادر الطاقة، وزيادة الإنتاج المحلي، والاعتماد على الغاز المسال، والاستيراد من دول أخرى مثل قطر خاصة مع تحسن علاقاتهما السياسية والاقتصادية منذ 2020.

والسؤال: بعد تهديد نتنياهو بوقف اتفاقية الغاز هل تدرك القاهرة خطأها الاستراتيجي في الاعتماد على الغاز من إسرائيل؟.

استعراض فارغ المضمون

وفي تعليقه، يرى السياسي المصري هشام قاسم، أن "نتنياهو سرب هذا الحديث ليؤكد أنه مسيطر على المنطقة؛ لكن لابد له من التصديق على الاتفاق حتى لا يثير غضب الأمريكيين والأوروبيين، خاصة وأن كامب ديفيد ممنوع على الطرفين العبث بها، وأي استعدادات أو تعديلات لميزان القوى بسيناء لا تصل درجة خرق المعاهدة".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "حرمان نتنياهو، إسرائيل، من 35 مليار دولار قيمة الاتفاقية، أمر سيحاسب عليه داخليا، كما أنه لو أوقف الصفقة أو ألغاها ليس من السهل عليه تعويضها وسيكون مطالبا بإيجاد مشتري بديل، ولا أحد من دول الجوار يريد هذا الغاز بما يوازي صفقة مصر التي تمتلك البنية التحتية، كما أن بديل نتنياهو هو تسييل الغاز والبيع بأماكن متفرقة وهو أمر صعب".

اظهار أخبار متعلقة



وفي إجابته على السؤال: "ماذا يجب على الدولة المصرية من تحرك سياسي واقتصادي للحفاظ على أمن الطاقة؟، طالب السياسي المصري، "القاهرة، أولا: بالكشف عما حدث لحقل (ظُهر)، ودور توجيهات رأس النظام عبدالفتاح السيسي، برفع سقف الإنتاج ومدى تسبب ذلك في نضوب الحقل"، معتقدا أنه "لو لم يحدث هذا كان يمكن لمصر الاكتفاء من الغاز، بعيدا عن أوهام النظام بالتصدير".

ودعا أيضا لـ"الكشف عما حدث في ملف التنقيب عن الغاز والبترول، والإفصاح عن أسباب وقف شركات عالمية وقف عملياتها في بعض الحقول، وأسباب تأخر سداد مستحقات شركات التنقيب والاستخراج رغم حصولنا على حصتها من الإنتاج".

وفي نيسان/ أبريل الماضي، أعلنت شركات "شل" الهولندية البريطانية، و"شيفرون" الأمريكية، و"مبادلة" الإماراتية، الانسحاب من مناطق امتيازها للتنقيب عن الغاز في البحر الأحمر، بعد نتائج غير مشجعة للمسوح الزلزالية بالمنطقة.

ويعتقد قاسم، أن "بديل الغاز الإسرائيلي تحسين الإدارة مبدأيا، لتحسين الإنتاج"، مضيفا: "كمراقب وسياسي أرى أن هناك سوء إدارة للملف ككل، وللأسف لا يوجد فني مصري يمكنه الحديث وكشف أخطاء الحكومة، وكل من تكلم جرى التنكيل به وحبسه"، مؤكدا أن "ملفي الغاز والمياه على تفاصيلهما تعتيم كامل".

أزمة الغاز في مصر

وتعد مصر صاحبة ثاني أكبر اقتصاد قاري وثالث أكبر اقتصاد عربي، لا تملك أدوات إنتاج للغاز خاصة بها، وتعتمد في استخراج الخام من مناطق امتيازها شمالا بالبحر المتوسط، ودلتا النيل، وغربا في الصحراء الغربية، وشرقا بخليج السويس، على كبرى الشركات العالمية العاملة بهذا المجال.

والسنوات الستة الأخيرة سعت القاهرة لطرح امتيازات جديدة على الشركات الأجنبية والعربية في منطقة البحر الأحمر لأول مرة، ضمن خططها الاستراتيجية  لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي، وسد فجوة كبيرة إذ يبلغ استهلاك البلاد نحو 6.2 مليار قدم مكعب يوميا، في الوقت الذي يبلغ الإنتاج المحلي  قرابة 4.6 مليار قدم مكعب يوميا.

ومع اكتشاف شركة "إيني" الإيطالية حقل "ظهر" بالبحر المتوسط عام 2015، تصاعدت أحلام المصريين بالثراء، وكشفت الحكومة المصرية عن رغبتها بأن تصبح القاهرة مركزا إقليميا لتصدير الطاقة، الأمر الذي لم يتحقق مع تراجع إنتاج "ظهر"، في أزمة ممتدة حتى اليوم.
التعليقات (0)

خبر عاجل