نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال"
تقريرا كشفت فيه عن الدور المثير للجدل لرجل الأعمال الأمريكي جينتري بيتش، صديق دونالد
ترامب الابن، الذي يجوب العالم لعقد صفقات بمليارات الدولارات، مقدمًا نفسه كجزء من "دبلوماسية اقتصادية" مرتبطة بالإدارة الأمريكية.
وذكرت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21: أن رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية التقى مؤخرًا بدبلوماسي أمريكي مخضرم لحل لغز رجل الأعمال الأمريكي الذي يُدعى جينتري بيتش ويجوب وسط أفريقيا سعيًا للحصول على امتيازات تعدين، ضمن حملة "الدبلوماسية الاقتصادية" ينسبها إلى الرئيس ترامب.
وقالت الصحيفة إن بيتش أبلغ مسؤولين كونغوليين بأنه صديق لدونالد
ترامب الابن، وعرض عليهم ما وصفوه برسائل نصية وصور تجمعه بابن الرئيس الأمريكي. وكان السؤال المطروح: هل يمثل بيتش الإدارة الأمريكية؟
وأشارت الصحيفة إلى أن حكومة باكستان طرحت السؤال ذاته، إذ زار بيتش إسلام آباد والتقى رئيس الوزراء، متعهدًا باستثمارات بمليارات الدولارات في قطاع المعادن الحيوية، وبناء مشاريع عقارية فاخرة وصفها بأنها "من بين الأرقى في تاريخ البلاد"، وقال: "أنا قريب جدًا من إدارة ترامب منذ فترة طويلة".
وفي أبوظبي، حاولت الجهات الرسمية فك ارتباط بيتش بالحكومة الأمريكية بعد اهتمامه بمشروع سكك حديدية يربط دول الخليج.
وفي ألمانيا، فوجئ المستشار أولاف شولتس عندما سمع أن صديقًا لترامب الابن يسعى لشراء حصة في مشروع خط أنابيب الغاز الروسي "نورد ستريم 2"، الذي خضع لعقوبات أمريكية وتعرض جزئيًا للتفجير عام 2022. وطلب مكتب شولتس من الاستخبارات الألمانية التحقيق في الأمر.
وأفادت الصحيفة أن الحدود الفاصلة بين الأعمال التجارية والجغرافيا السياسية تلاشت في ولاية ترامب الرئاسية الثانية؛ حيث يقف بيتش بينهما، حيث أطلق بعد أسابيع قليلة من تولي الإدارة الجديدة شركة جديدة تحمل شعار ترامب الشهير "أمريكا أولاً غلوبال". ومنذ انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر، زار 20 دولة والتقى رؤساء وحكومات ووزراء خارجية، سعيًا لعقد صفقات تقدّر قيمتها بمليارات الدولارات، تتماشى مع رؤية ترامب لحل النزاعات عبر إدخال الشركات الأمريكية في قلب المشهد.
ويتوقع بيتش أن تكون شركته الاستثمارية واحدة من تلك الشركات. وينفي بيتش، الذي لا يحمل أي صفة رسمية أو منصب دبلوماسي، استخدام اسم ترامب أو عائلته في أعماله، موضحًا أنه يمثل نموذجًا جديدًا للدبلوماسية يهدف إلى تعزيز علاقات الدول الأجنبية بواشنطن. وأضاف: "الجميع ينظر إلى ترامب كرئيس صفقات. ويقولون لأنفسهم: إذا دخل رجال أعمال أمريكيون هنا، فستصبح لأمريكا مصالح تخشى خسارتها".
وأفادت الصحيفة أن ترامب الابن، الذي رفض التعليق، عبّر في أحاديث خاصة عن انزعاجه من صديقه القديم، بعدما واجه خلال زياراته الخارجية مسؤولين أبلغوه أن بيتش قال إن ابن الرئيس مهتم بالاستثمار في بلدانهم. وقد نفى ترامب الابن ذلك، وأكد أنه لا يزاول أي أعمال تجارية مع بيتش.
اظهار أخبار متعلقة
وفي آب/ أغسطس، أرسل محامي ترامب الابن خطابًا قانونيًا إلى بيتش يطالبه بالكف عن تقديم نفسه كشريك تجاري له، لكن بيتش أنكر تلقيه الخطاب، وقال: "إذا كان هناك شيء من هذا القبيل، فلم يتم مشاركته معي أو مع فريقي، وأي ادعاء خلاف ذلك غير صحيح". إلا أن الصحيفة راجعت الخطاب ورسائل نصية تؤكد استلامه.
ورغم ذلك، لم يعلن ترامب الابن علنًا قطع علاقته ببيتش. ففي مذكراته الصادرة عام 2019، وصفه بأنه أحد "أصدقائه الحقيقيين الثلاثة". وعلى مدى نحو عشرين عامًا، استثمر ابن الرئيس مئات آلاف الدولارات في مشاريع قادها بيتش أو أوصى بها، من بئر جاف في تكساس إلى شركة لزراعة الخس بطريقة مائية، ويؤكد الطرفان أنهما لم يتشاركا في أي عمل تجاري منذ عام 2017.
وقالت الصحيفة إن حكومات ومستثمرين في مناطق شديدة الحساسية جيوسياسيًا يجدون صعوبة في تحديد ما إذا كان بيتش وسيطًا فعليًا لعائلة ترامب أم أنه يضخم علاقاته، في ظل غياب السفراء والدبلوماسيين من السفارات الأمريكية.
ونقلت الصحيفة عن سفير أمريكي سابق أن التعامل مع رجال أعمال يروّجون لعلاقاتهم بعائلة ترامب أربك الحكومات الأجنبية، التي لا تعلم إن كان هؤلاء قادرين على الوفاء بوعودهم، لكنها لا تجرؤ على تجاهلهم.
وأشار المتحدث باسم البيت الأبيض كوش ديساي إلى أن الرئيس، بصفته "صانع الصفقات الأول"، يستخدم قوة الاقتصاد الأمريكي لتحقيق اتفاقات سلام وتجارية تخدم بلاده والعالم، فيما امتنعت الخارجية عن التعليق.
وأضافت الصحيفة أن بيتش، الذي عاد مؤخرًا من إسطنبول بعد إبرام صفقة لتحويل النفايات إلى طاقة في إندونيسيا، يسعى لإطلاق مشاريع في العراق وتركيا وصربيا ورواندا وكازاخستان، مؤكدًا أن كوريا الشمالية “خارج الحدود تمامًا”، مضيفًا أن ترامب الابن يمزح معه بأن بينهما “معلومات مدمّرة متبادلة”، لكنه يظل “صديقًا مخلصًا له”.
وقالت الصحيفة إن بيتش تحدث مطولًا خلال مقابلات استمرت أربع ساعات عن علاقته بابن الرئيس، مشيرًا إلى أن صداقتهما قديمة وعميقة، رغم أن التواصل بينهما أصبح نادرًا ويقتصر على الحديث عن العائلة والصيد.
وأكد بيتش أنه واضح تمامًا مع الحكومات الأجنبية بشأن من يمثل، وأنه يعمل في الكونغو كمستثمر مستقل، موضحًا أن اسم ترامب الابن لا يُذكر إلا إذا سُئل عنه، وأنه يتجنب استخدام العلاقة في أعماله.
وأضافت الصحيفة أن بيتش يعتبر إشراك عائلة ترامب في أعماله أمرًا غير مناسب وقد يسبب ارتباكًا، لكنه في الوقت نفسه يروّج لعلاقاته في واشنطن كميزة، وعرض المساعدة في قضايا تتعلق برفع العقوبات عن رجال أعمال مرتبطين بالكرملين، رغم نفيه العمل المباشر في تلك الملفات.
رفاق الجامعة
وأكدت الصحيفة أن بيتش أثبت أنه من بين ثلاثة أصدقاء وصفهم ترامب الابن بأنهم "الأوفياء"، وذلك قبل إعلان ترشح والده للرئاسة عام 2015، حيث قال له والده إنهم سيكتشفون من هم الأصدقاء الحقيقيون.
نشأ بيتش في حي راقٍ بدالاس، وكان صديقًا لتومي هيكس الابن، أحد أعضاء مجموعة الأصدقاء الثلاثة المقربين، ونجل رائد الاستثمار الخاص توماس هيكس، الذي أصبح لاحقًا رئيسًا مشاركًا للجنة الوطنية الجمهورية في ظل الإدارة الأولى لترامب.
وذكرت الصحيفة أن بيتش التقى ترامب الابن في جامعة بنسلفانيا في التسعينيات، وتشاركا في اهتمامات مثل الأعمال التجارية والصيد، وعمل بيتش لاحقًا في شركتي إنرون ومورغان ستانلي، ونظّم رحلات صيد مع ترامب الابن في أمريكا وأوروبا.
وكان بيتش إشبينًا في زفاف ترامب الابن عام 2005، وأصبحا عرّابين لأبناء بعضهما، كما اتسمت مراسلات مجموعتهم أحيانًا بنبرة غير لائقة، كما ظهر في إحدى الرسائل المتعلقة برحلة صيد في الأرجنتين.
وأفادت الصحيفة أن بيتش، الذي يبدو دائم التجديد، حاول دخول السياسة الديمقراطية عام 2008 لكنه فشل، وتورط في عدة دعاوى قضائية تتعلق بمشاريع تجارية لم تكتمل، حيث أمرت لجنة الأوراق المالية والبورصات صندوق التحوط الخاص به بدفع أكثر من 800 ألف دولار لتسوية مخالفات الأوراق المالية. وبعد سنوات، تمت مقاضاته لعدم توفيره أكثر من 660 ألف دولار من معدات الحماية الشخصية التي باعها، كما قاضاه محاموه لعدم دفعه أتعابهم القانونية.
وأضافت الصحيفة أن بيتش شارك بقوة في حملة ترامب عام 2015، وكان نشطًا في جمع التبرعات، وعرّف ترامب الابن على الناشط تشارلي كيرك، الذي نشر على تويتر صورة مع بيتش بعد ستة أيام من فوز ترامب الأول بالرئاسة مشيدًا بدوره في تشكيل مجموعة مؤيدة لترامب.
في الأسابيع التي أعقبت الانتخابات، سجّل بيتش نفسه كوكيل لمنظمة غير ربحية عرضت رحلات صيد مع أبناء الرئيس مقابل تبرعات ضخمة، لكن ترامب الابن وإريك ترامب نفيا علمهما بالأمر وطلبا إزالة اسميهما، ولم تجمع المنظمة غير الربحية أي أموال.
وقام ترامب الابن بالاستثمار في العام التالي في شركة ناشئة لزراعة الخس بالطريقة المائية، وكان بيتش عضواً في مجلس إدارتها.
ونما ترامب الابن ليصبح أكثر بعدًا عن بيتش في السنوات التالية، وفقًا لمقربين منه. ومع بدء ترامب التفكير في العودة إلى البيت الأبيض، تلقى بيتش مكالمات من متبرعين محتملين ووجّهها إلى "الأشخاص المناسبين" دون أي تورط آخر، وحضر مراسم التنصيب مع عائلته. وأكد بيتش أنه صلح صداقته مع ترامب الابن وسعى وراء سلسلة من الصفقات التجارية، مسجلاً شركتين جديدتين: "أمريكا فيرست غلوبال" و"أمريكا فيرست للمعادن".
وبعد أسابيع من فوز ترامب، علم مكتب المستشار الألماني أن مجموعة من المستثمرين الأمريكيين، من بينهم صديق مقرب لترامب الابن، حاولت السيطرة على "نورد ستريم 2"، خط أنابيب الغاز الذي فُجر في 2022. وواجهت ألمانيا صعوبة في تقييم جدية المشتري. ووفقًا للتحقيقات، حاول بيتش إشراك مستثمر ميامي، ستيفن لينش، بنسبة 50-50، مستغلاً قربه من عائلة ترامب، لكن لينش رفض العرض لاعتباره ابتزازيًا. لاحقًا، علم ترامب الابن أن بيتش أبلغ بعض الأشخاص أنه سيمنع أي صفقات على الخط ما لم يُشرك، لكنه رفض الفكرة واعتبرها "سخيفة". وأقر بيتش بأنه أجرى "محادثة قصيرة" مع لينش لكنه لم يكن مهتمًا بالخط.
وفي يناير/كانون الثاني، زار بيتش باكستان للقاء المسؤولين وقادة الأعمال، مؤكدًا أن الرئيس ترامب يؤمن بالدبلوماسية الاقتصادية وأنه هناك كرجل أعمال. وأوضح أنه يعمل على تنفيذ "الدبلوماسية الاقتصادية" التي تحتاجها أمريكا عالميًا، وأكد أنه التقى بقادة العالم في الإمارات واليونان وأفريقيا الوسطى، مشيرًا إلى أن قيادة ترامب مكنته من التدخل ونشر ما يسميه القيم اليهودية-المسيحية، وأن قادة العالم "يعاملونه كما لو كان الرئيس ترامب".
وفي مارس/آذار وأبريل/نيسان، سجل بيتش شركتين إضافيتين، ويعرض موقع "أمريكا فيرست غلوبال" صورًا له في باكستان وإسطنبول وبنغلاديش، حيث التقى برئيس حكومة البلاد المؤقتة وتعهد بـ"جعل بنغلاديش عظيمة مرة أخرى".
وفي الربيع، أخبر بيتش بعض الجهات البلغارية بأن ترامب الابن سيزور صوفيا، ووصل بالفعل في أبريل/ نيسان ضمن جولة خطابية في أوروبا الشرقية. واستغل رئيس الوزراء السابق بوريسوف الفرصة للترويج للأصول البلغارية وتأمين اجتماع مع الرئيس الأمريكي، سعيًا لتخفيف العقوبات على حلفائه.
منذ ذلك الحين، اعتبر المسؤولون البلغاريون أن بيتش بالغ في تمثيل علاقاته بترامب الابن، ويظل لغزًا في البلاد؛ فقد وصفه البعض بأنه قام بعدة زيارات لصوفيا، بينما قال بيتش إنه زارها فقط في أواخر سبتمبر/أيلول، مؤكدًا تركيزه على عدد قليل من المجالات المختلفة.
وقالت الصحيفة في الختام إن العديد من الصفقات التي استكشفها بيتش حول العالم لم تتحقق بعد. ففي الكونغو، أراد المسؤولون معرفة ما إذا كانت مفاوضاتهم مع
الولايات المتحدة مرتبطة بشراكته، لكن الأمريكيين أكدوا أنه ليس جزءًا من المحادثات الحكومية، وما زالت صفقته معلقة.
وقال بيتش: "أفحص العديد من الفرص، وأراهن أنه منذ جلوسنا هنا، وصلت ثلاث صفقات جديدة إلى مكتبنا."