قضايا وآراء

هل غيّرت حماس قواعد اللعبة بقبول خطة ترامب؟

محمد الشبراوي
"تثير خطة ترامب تساؤلات حول إمكانية إدارة غزة بدون مشاركة فلسطينية فعّالة، مما يطرح تساؤلات عن طبيعة الحلول المقترحة"- جيتي
"تثير خطة ترامب تساؤلات حول إمكانية إدارة غزة بدون مشاركة فلسطينية فعّالة، مما يطرح تساؤلات عن طبيعة الحلول المقترحة"- جيتي
في اللحظات الحرجة، لا يكون القرار فقط فعلا، بل إعلانا عن هوية جديدة. بهذا المعنى يمكن قراءة استجابة حركة حماس الأخيرة لما بات يُعرف إعلاميا بـ"خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة"؛ خطةٌ تعجّ بالتناقضات، وتحمل في طياتها وعودا بالسلام كما تحمل بذور السيطرة.

لكن المفاجأة لم تكن في بنود الخطة، بل في رد الفعل غير المتوقع: موافقة حماس على الدخول الفوري في مفاوضات، والتزام بإطلاق جميع الأسرى وفق صيغة التبادل.

هل تغيّرت أولويات حماس؟ هل هذه الموافقة "تكتيك ذكي" أم تحوّل استراتيجي؟ وماذا بعد هذه الخطوة؟

بين القبول والمناورة.. ماذا تريد حماس فعلا؟

أربعة أيام فقط أعطاها دونالد ترامب لحماس للرد على مبادرته، في مشهدٍ بدا أقرب إلى اختبار نوايا تحت ضغط السلاح. وبالفعل، أتت الإجابة سريعا على غير العادة، فحماس التي اتُّهِمت مرارا بالتشدد والتعطيل، أعلنت استعدادها للتفاوض، بل والبدء الفوري فيه، تحت رعاية الوسطاء.

رد حماس على خطة ترامب يُظهر براعة دبلوماسية تُحرج الطرف الآخر، دون التورّط الفوري في التزامات نهائية. فحماس إذن تُعيد الكرة إلى ملعب ترامب، وفي الوقت نفسه تحتفظ بزمام المبادرة

لكن مرونة حماس في الرد على خطة ترامب تستدعي سؤالا مهما: لماذا وافقت الآن على المفاوضات؟ لماذا تجاوبت بسرعة خلال مهلة ترامب القصيرة؟

منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بلغ حجم الدمار في القطاع مستويات غير مسبوقة، مع انهيار البنية التحتية وشحّ الإمدادات. ووفقا لوزارة الصحة الفلسطينية، تخطى عدد الشهداء 67 ألفا حتى بداية أكتوبر 2025، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال.

في هذا السياق، بدت خطوة حماس استجابة للضغوط أكثر منها انفتاحا مفاجئا، وخطوة تحوّطية قد تفتح لها نافذة دبلوماسية، أو على الأقل تمنع عنها تهمة إفشال جهود وقف إطلاق النار.

البيان الذي أصدرته حماس كان دقيقا: "موافقة على إطلاق جميع الأسرى وفق صيغة التبادل، واستعداد للدخول الفوري في مفاوضات". هذه الكلمات -رغم وضوحها- تحمل أكثر من وجه.

في قراءة أولى، قد تبدو كقبول مباشر ببنود ترامب، لكن التدقيق فيها يكشف عن مناورة محسوبة على النحو التالي:

1- لا توجد موافقة نهائية، بل موافقة على الدخول في مفاوضات.

2- لم تُشر الحركة إلى تنازل عن السلاح أو السلطة، بل إلى تبادل أسرى وفق صيغة "مقبولة".

3- لم تُلزم حماس نفسها بقبول خطة ترامب كاملة، بل فقط بدء النقاش حولها.

وبناء على ما سبق، فإن رد حماس على خطة ترامب يُظهر براعة دبلوماسية تُحرج الطرف الآخر، دون التورّط الفوري في التزامات نهائية. فحماس إذن تُعيد الكرة إلى ملعب ترامب، وفي الوقت نفسه تحتفظ بزمام المبادرة.

خطة ترامب: سلام بطعم الهيمنة؟

لكن ما هي ملامح خطة ترامب؟ ولماذا أثارت هذا الجدل؟

بحسب بنود مبادرة ترامب، فإنها تقترح وقفا فوريا لإطلاق النار، وانسحابا تدريجيا لقوات الاحتلال الإسرائيلي، مقابل إطلاق الأسرى من الجانبين؛ الإسرائيلي والفلسطيني، وإنشاء "مجلس سلام دولي" لإدارة قطاع غزة بقيادة ترامب شخصيا، مع استبعاد الفصائل الفلسطينية، بما فيها حماس والسلطة الفلسطينية، من المشهد الإداري بالكامل.

هذه البنود أثارت ريبة داخل الأوساط الفلسطينية والعربية، فهي لا تضع حدا للحرب فحسب، بل تعيد تشكيل الخارطة السياسية الفلسطينية بشكل أحادي، وكأن غزة صارت "محمية دولية" لا جزءا من مشروع وطني.

تثير خطة ترامب تساؤلات حول إمكانية إدارة غزة بدون مشاركة فلسطينية فعّالة، مما يطرح تساؤلات عن طبيعة الحلول المقترحة: هل هي إعادة استعمار أم إدارة انتقالية؟

الموقف الإسرائيلي وأبرز العقبات

ورغم أن خطة ترامب ليست سوى نسخة مكررة من سياسات الهيمنة الإسرائيلية على غزة، وتحاول فرض "السلام" على قواعد تُجرد الفلسطينيين من حقوقهم ومشاركتهم السياسية، لكن مع ذلك، هناك معارضة داخلية في إسرائيل لعدد من بنود الخطة بسبب خشية من تنازلات أمنية أو سياسية.

وإذا كان هناك "جدار تعنت" حقيقي يعرقل أي فرصة للسلام في المنطقة، فهو بلا شك من جانب إسرائيل، وخصوصا حكومة نتنياهو المتطرفة التي ترفض أي تنازل جاد، وتضع العراقيل أمام تنفيذ أي اتفاق.

لهذا، فإن موقف حماس يبدو في الواقع محاولة استباقية لكسر جدار التعنت هذا، وفتح نافذة على التفاوض، حتى لو كانت الخطوة محفوفة بالمخاطر والمناورات السياسية. وحتى وإن كان رد حماس جزءا من مناورة سياسية، فإن الدخول في مفاوضات بهذه الشروط سيصطدم بعقبات قاسية:

1- أول هذه العقبات؛ غياب الثقة المتبادلة ليس بين حماس وإسرائيل فحسب، بل حتى بين الأطراف الفلسطينية المختلفة.

2- وثاني العقبات يتمثل في أزمة الضمانات، حيث الأسئلة حول من يضمن تنفيذ الاتفاق، وهل يمكن الوثوق بواشنطن كضامن وهي أحد أطراف الصراع؟

3- وبالنسبة لملف إعادة الإعمار، فهو عقبة أخرى ثالثة، إذ لا يمكن فصل التفاوض السياسي عن الاحتياجات الميدانية، فغزة الآن على شفا كارثة إنسانية.

4- وبخصوص الدور الإقليمي المتذبذب، فإنه يمثل عقبة رابعة في طريق المفاوضات، خاصة أن دولا مثل مصر وقطر وتركيا تؤيد وقف الحرب، لكن مواقفها من "مجلس السلام" مختلفة.

5- أما العقبة الأخيرة، فهي: صراع الشرعيات. السلطة الفلسطينية كانت غائبة، ولم تكن في حسبان من وضع الخطة ومن وافقوا عليها، وبعض الفصائل تعتبر الخطة طعنة في مشروع الدولة.

سيناريوهات محتملة لمستقبل المفاوضات

في ضوء هذا المشهد المعقد، تبرز ثلاثة سيناريوهات محتملة لمسار الحرب في غزة:

1- انفراجة حقيقية: إذا وافقت الأطراف على خطوات تدريجية متزامنة، قد تبدأ مرحلة جديدة في إدارة غزة، مع إطلاق الأسرى، ثم هدنة طويلة، وتمهيد لإعمار القطاع.

2- صفقة هشة: قد ينتج عن هذا المشهد تبادل للأسرى فقط، مع استمرار الخلاف حول بقية البنود، فتصبح المبادرة مجرّد "هدنة مؤقتة بستار دبلوماسي."

3- انفجار جديد: خاصة إذا اصطدمت المفاوضات بجدار التعنت الإسرائيلي، أو وقعت خروقات عسكرية، فقد تعود الحرب بأسوأ مما كانت عليه.

هل تستطيع حماس الاستمرار في المسار التفاوضي دون أن تخسر ثوابتها؟ وهل يستطيع ترامب تنفيذ خطته دون أن تُتهم إدارته بفرض الحلول بالقوة والسيطرة؟

ويبقى السؤال الجوهري هنا: هل تستطيع حماس الاستمرار في المسار التفاوضي دون أن تخسر ثوابتها؟ وهل يستطيع ترامب تنفيذ خطته دون أن تُتهم إدارته بفرض الحلول بالقوة والسيطرة؟

ليس من السهل القطع بطبيعة الخطوة التي اتخذتها حماس، لكن من المؤكد أن الحركة حشرت خصومها في الزاوية؛ فهي لم ترفض، ولم تقبل بشكل أعمى، بل فتحت بابا أمام التفاوض، واضعة الجميع في موقف الاختبار.

توصيات لتعزيز فرص الهدنة

وفي هذا الإطار، فإن هناك جملة من التوصيات، والتي نعتقد أنها قد تفيد:

1- يجب إنشاء لجنة رقابة دولية محايدة، تضمن تنفيذ أي اتفاق بموافقة الأطراف المعنية.

2- ربط إطلاق الأسرى بتراجع تدريجي وموثق للقوات الإسرائيلية، مع جدول زمني واضح.

3- من الضرورة بمكان إدماج الفصائل الفلسطينية المختلفة في أية عملية سياسية، لأن الإقصاء لن يفرز إلا نتائج ميتة.

4- التركيز على القضايا الإنسانية كمدخل تفاوضي عاجل، والتي تشمل المستشفيات، والمياه، والغذاء، والكهرباء.

5- توحيد الجبهة الإعلامية الفلسطينية، لتقديم رؤية موحدة تحفظ حقوق الشعب الفلسطيني.

الخلاصة

إن تجارب التاريخ تعلمنا أن كل مبادرة سلم لا تعني بالضرورة سلاما، وكل تفاوض ليس نهاية للحرب.

إن رد حماس على خطة ترامب يُقرأ على أنه ليس رفضا أو قبولا مطلقا، بل محاولة ذكية لاحتواء التحديات، عبر مناورة تكتيكية محملة بالفرص والمخاطر، قد تؤدي إلى تحولات استراتيجية في قواعد اللعبة السياسية.

في السياسة كما في الحرب، ليس من الذكاء إطلاق النار قبل تحديد الهدف، أو إلقاء السلاح قبل كتابة شروط الهدنة.
التعليقات (0)

خبر عاجل