كشف تقرير "بريطاني"، أن 45 بالمئة من الأفراد ذوي الملاءة المالية العالية عالميا بدول: (ألمانيا، وبريطانيا، والإمارات، والسعودية، وأمريكا) يفضلون شراء عقارات
مصرية، في الوقت الذي تشهد فيه مصر طفرة بمجال الاستثمار العقاري بمناطق "غرب" و"شرق"
القاهرة، و"العاصمة الجديدة" بقلب الصحراء بين قناة السويس ودلتا النيل، وفي "الساحل الشمالي الغربي".
وأعلنت شركة الاستثمارات العقارية الدولية البريطانية "نايت فرانك"، نتائج تقريرها الصادر تحت عنوان: "الوجهة مصر- Destination Egypt"، والذي استطلعت فيه آراء أثرياء من الدول الخمسة، حول استعدادتهم الاستثمار بالسوق العقارية المصرية، والمناطق المفضلة لديهم وأسباب ذلك التفضيل، والمبالغ المالية المحتمل استثمارها.
كيف بدت عقارات مصر في الاستطلاع؟
أظهرت نتائج مسح الوكالة الدولية العاملة من لندن، والمنشورة 30 أيلول/ سبتمبر الماضي، أن "مصر أصبحت الآن ثالث أكبر سوق للبناء بالشرق الأوسط، مع عقود مُنحت تزيد قيمتها على 120 مليار دولار، و565.5 مليار دولار أخرى، طور التنفيذ".
وكشف الاستطلاع أن 17 بالمئة من الأثرياء أبدو استعدادهم لشراء عقارات مصرية في 2026، وخطط 20 بالمئة للشراء خلال عامين أو 3 أعوام، و8 بالمئة متوقع اتخاذهم قرارا بالشراء بين 4 و5 سنوات وأكثر، وبينما لم يحسم 13 بالمئة توجهاتهم بعد، لم يبد 42 بالمئة اهتماما بالاستثمار العقاري في مصر حاليا.
اظهار أخبار متعلقة
وحول حجم الانفاق المتوقع، يستعد المستثمرون من الأثرياء الألمان لإنفاق نحو 17.7 مليون دولار بشراء العقارات في مصر، يأتي من خلفهم أثرياء الخليج ليحدد الإماراتيون مبلغ محتمل 16.2 مليون دولار، يليهم السعوديون بـ9.4 مليون دولار، ثم البريطانيين بنحو 5 ملايين دولار، ليسجل أثرياء أمريكا النسبة الأقل من حيث رغبهم في الإنفاق على شراء عقارات مصرية بمبلغ 400 ألف دولار فقط.
يفضل أثرياء تلك الدول اقتناء عقارات سكنية بالعاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة بـ(65 كيلومتر)، والتي استحوذت على اهتمام 33.9 بالمئة منهم، ليأتي الساحل الشمالي الغربي الذي يعيش طفرة معمارية كبيرة بالمرتبة الثانية بنسبة 28 بالمئة، ثم مشروعات "القاهرة الجديدة" (شرق العاصمة المصرية) بنسبة 27.1 بالمئة.
اختار 72 بالمئة من الأثرياء المشاركين في الاستطلاع عاملَي التاريخ والثقافة كأكثر عناصر الجذب، فيما أبدى الألمان رغبة أكبر للاستثمار العقاري في مصر بمبلغ 17.7 مليون دولار، متجاوزين الإماراتيين الذين يمتلكون أكبر محفظة أراضٍ لغير المصريين في البلاد.
وتستقطب أجواء الصيف المشمسة والوجهات الساحلية الممتازة 35 بالمئة من المستثمرين، بينما يجذب المناخ الدافئ 33 بالمئة، فيما تمثل خيارات الترفيه والتسوق المناسبة والأجواء العائلية اللطيفة 27 بالمئة و25 بالمئة، بينما يهتم 16 بالمئة بالفرص الاستثمارية في مجال الأعمال.
نصف الأثرياء في دول الخليج، قرروا استخدام عقاراتهم في مصر كمساكن موسمية أو وجهات لقضاء العطلات، فيما سجلت نسبة من يبحثون عن مساكن يعيشون فيها بشكل دائم 20 بالمئة، بينما يرى 13 بالمئة أن شراء العقارات يمثل فرصة استثمارية لتحقيق عوائد ومكاسب.
القاهرة التاريخية خارج الخيارات
التقرير كشف عن استثناء أثرياء الدول الخمسة للعاصمة المصرية القديمة من قوائم تفضيلهم لشراء العقارات في مصر، على الرغم مما يجري بها من تطوير لفنادق تاريخية قديمة ومباني حكومية لتحويلها إلى فنادق فاخرة وشقق فندقية، إلى جانب التطوير العقاري الذي تشهده منطقة وسط القاهرة الخديوية على يد شركات منها "الإسماعيلية للاستثمار العقاري".
اهتمت صناديق وشركات خليجية، إلى جانب رجال أعمال إماراتيين من بينهم محمد العبار، بشكل خاص بمنطقة وسط القاهرة وشارع صلاح سالم، في ظل أنباء عن استحواذ تحالف إماراتي-سعودي على "أرض المعارض" شرق العاصمة المصرية.
أيضا لم تظهر المنتجعات المصرية على البحر الأحمر مثل شرم الشيخ والغردقة وغيرها في خيارات من جرى استطلاع آرائهم من ذوي الملاءة المالية العالية عالميا بالدول الخمسة.
أهم المناطق وحجم الاستثمارات
تتركز أهم الاستثمارات العقارية الضخمة بـ"العاصمة الإدارية"، المقر الحكومي والإداري الجديد للدولة، والتي تقدر تكلفتها بـ45 مليار دولار وتضم وحدات سكنية وتجارية وإدارية فخمة.
بلغ حجم الاستثمارات في حي المال والأعمال (الأبراج) نحو 3 مليارات دولار، بينما تجاوزت استثمارات منطقة النهر الأخضر 9 مليارات جنيه، إضافة إلى مشاريع الحي الحكومي والتجمعات السكنية والمراكز التجارية والإدارية.
اظهار أخبار متعلقة
وخلال السنوات الماضية شهد "الساحل الشمالي الغربي"، طفرة كبيرة تركز على الإسكان الفاخر والوحدات المصيفية ذات الطلب الأجنبي والعربي، فيما بلغت مبيعات الساحل الشمالي نحو 331 مليار جنيه بالنصف الأول من 2024 لأكبر 10 مطورين.
وتُعد صفقة "رأس الحكمة" لـ"القابضة" (ADQ) الإماراتية أضخم وأحدث المشاريع العقارية، وأكبر صفقة استثمار أجنبي مباشر بتاريخ مصر، لبناء مدينة سكنية وسياحية بـ170 مليون متر مربع (40.600 فدان)، باستثمار بقيمة 35 مليار دولار.
إلى جانب مدينة العلمين الجديدة الساحلية على البحر المتوسط والتي تعد لتكون مركزا سكنيا وإداريا وسياحيا وخاصة بمنطقة الأبراج الشاهقة، والمدينة التراثية.
كذلك تأتي "القاهرة الجديدة" (شرق القاهرة)، كثالث نقاط اهتمام الأثرياء وفق الاستطلاع حيث تعد مركزا للإسكان الفاخر والتجمعات السكنية والمقرات التجارية للشركات الخاصة.
أيضا، تبرز أهمية منطقة "6 أكتوبر"، و"الشيخ زايد" (غرب القاهرة)، بتجمعاتها السكنية التي تخدم الطبقة فوق المتوسطة والعليا والتي يتجمع بها أكاديميات عديدة للتعليم الخاص، وحضور قوي لاستثمارات المطورين الكبار، والدولة.
يُعد مشروع "جريان" من أحدث المشروعات في غرب القاهرة، حيث تمر منه مياه نهر النيل المتجهة إلى مشروع "الدلتا الجديدة" الزراعي غرب الدلتا، وتقام "جريان" على مساحة 6.8 ملايين متر مربع (نحو 1600 فدان) في مدينة الشيخ زايد، بواجهة نيلية تمتد لمسافة 9 كيلومترات.
قيمة وحجم السوق
تشير الأرقام إلى أن استثمارات القطاع العقاري المصري الذي يعمل به نحو 80 صناعة، بلغت 25 بالمئة من إجمالي الناتج القومي.
يؤكد مطورون عقاريون أن السوق المصري من أكبر الأسواق الإقليمية، ويشهد نموا كبيرا، ويبلغ إجمالي مبيعاته نحو 2.5 تريليون جنيه لعام 2024، مقابل 1.5 تريليون جنيه في 2023.
وبينما بلغت مبيعات أكبر 10 مطورين حوالي 649 مليار جنيه بالنصف الأول من 2024، بزيادة بلغت 319 بالمئة مقارنة بالنصف الأول من 2023، يصل حجم الاستثمار الأجنبي المتوقع من 264 مستثمر أجنبي إلى 1.4 مليار دولار، ما يعكس جاذبية السوق للأجانب الباحثين عن ملاذ آمن للعملات الصعبة.
تتصدر مجموعة "طلعت مصطفى" قائمة المبيعات والتعاقدات بالنصف الأول من 2024، محققة حوالي 340 مليار جنيه، ثم "بالم هيلز"، بحوالي 56.5 مليار جنيه، و"إعمار مصر" بأرباح صافية بلغت 7.6 مليار جنيه، و"مدينة مصر" بقيمة 14.8 مليار جنيه بالربع الأول من 2024.
تصدير العقار
في إطار سعيها إلى تصدير العقار المصرى للخارج، وجلب استثمارات لمناطق استراتيجية وحيوية، أقرت القاهرة مجموعة قوانين تسمح بحصول الأجانب على الجنسية والإقامة الدائمة مقابل شراء العقارات مع الحق في تسجيلها، إلى جانب إطلاق "منصة مصر العقارية".
وفي نيسان/ أبريل الماضي، أقر البرلمان تطبيق منظومة "الرقم القومي" للعقارات، ما اعتبره أمين صندوق "مجلس العقار" المصري أحمد الشناوي، خطوة لتصدير العقار مع توجه بعض الجنسيات الأجنبية للإقامة بمصر، متوقعا أن تسهم هذه الفئة بـ40 بالمئة من الطلب العقاري الأجنبي.
يؤكد المطور العقارى الدكتور وائل أبوالسعود، لموقع "اليوم السابع"، المحلي، أن "مصر تحتل مرتبة متدنية بحوالي 2.5 بالمئة، من تجارة العقار العالمية التي تتخطى 2 تريليون دولار، رغم أن لديها منتجات عقارية متنوعة بين الإداري والتجاري والطبي والسكني وشقق فندقية، بما يلبى احتياجات المستثمر العربي والأجنبي".
وفي آيار/ مايو الماضي، استعانت مجموعة طلعت مصطفى بممثلين عالميين في حملتها الإعلانية لمشروع "SouthMED" بالساحل الشمالي، حيث شارك فيها النجم العالمي سيلفستر ستالون وبناته صوفيا وسكستين وسكارليت، وكذلك لاعب كرة القدم الفرنسي السابق تييري هنري، في حملة وُصفت بالأغلى في تاريخ مصر، بتكلفة تقدّر بحوالي 12 مليون دولار.
يطالب محللون وأصحاب شركات عقارية، الحكومة بتدشين حملات دعاية واسعة عبر القنصليات والسفارات المصرية بالخارج، والاستعانة بشركات دولية لترويج العقار المصري.
في المقابل، هناك مخاوف واسعة لدى قطاع من المصريين من فكرة شراء الأجانب للعقارات المصرية، معربين عن مخاوفهم من تسلل أشخاص تابعين للكيان المحتل والحصول على عقار مسجل وإقامة دائمة وجنسية مصرية، ويصبح له لاحقا حقوق المواطنة الكاملة.
حقائق خمسة
وفي قراءته لتقرير "نايت فرانك" حول اهتمام أثرياء من ألمانيا وبريطانيا وأمريكا والسعودية والإمارات بالاستثمار العقاري بمصر، يرى الأكاديمي المصري الدكتور علي شيخون، أنه يحتاج قراءة نقدية بعيدا عن البريق الإعلامي"، راصدا 5 حقائق في هذا الإطار.
مستشار التطوير المالي والإداري، وفي حديثه لـ"عربي21"، يعتقد أن "الحقيقة الأولى التي يجب الانتباه إليها، أن التقرير يتحدث عن (نوايا) واستعداد للاستثمار، وليس عن استثمارات فعلية منفذة بأرض الواقع، وهناك فرق شاسع بين أن يُبدي مستثمر اهتماما باستطلاع رأي، وبين أن يضع أمواله فعليا بمشروع عقاري".
ويلفت إلى الحقيقة الثانية، بقوله: "حتى لو تحققت هذه النوايا كاملة، فإن حجم الاستثمارات المتوقعة يظل متواضعا جدا جدا مقارنة باحتياجات
الاقتصاد المصري الذي يعاني عجزا حادا بالعملة الصعبة، ودين خارجي يتجاوز 150 مليار دولار منتصف 2025، فمصر تحتاج عشرات المليارات استثمارات حقيقية، وليس مبالغ محدودة بمشاريع عقارية فاخرة".
الحقيقة الثالثة، بحسب شيخون، أن "التوزيع الجغرافي لهذه الاستثمارات المتوقعة يكشف عن إشكالية هيكلية؛ فالتركيز الأكبر على العاصمة الإدارية، والساحل الشمالي، والقاهرة الجديدة، يعني أن هذه الاستثمارات موجهة حصريا نحو مشاريع عقارية فاخرة لا تمس احتياجات الغالبية العظمى من المصريين الذين يعانون من أزمة إسكان حقيقية".
ويشير إلى أن الحقيقة الرابعة، تتمثل في أن "الاستثمارات العقارية، حتى لو تحققت، لا تبني اقتصادا منتجا، ومصر بحاجة ماسة لاستثمارات صناعية تخلق قيمة مضافة وفرص عمل مستدامة وقدرات تصديرية، وليس لمزيد مشاريع عقارية قد تتحول لفقاعة اقتصادية مستقبلا".
الحقيقة الخامسة، بحسب رؤية الخبير المصري، أن "هذه الاستثمارات العقارية، بطبيعتها، سريعة التأثر بالتقلبات؛ ويمكن أن تنسحب بسهولة عند أول عاصفة اقتصادية أو سياسية، على عكس الاستثمارات الصناعية التي تحمل التزامات طويلة الأجل وتشكل قاعدة اقتصادية أكثر صلابة".
أغراض دعائية
وخلص شيخون، للقول: "يبدو أن هذا التقرير يخدم في المقام الأول أغراضا دعائية؛ والشركة العقارية تريد تسويق مشاريعها، وربما تسعى جهات رسمية إلى تلميع الصورة الاقتصادية إعلاميا، لكن الواقع الاقتصادي الحقيقي أعمق وأكثر تعقيدا من استطلاع رأي لعدد محدود من الأثرياء".
ويعتقد أن "المؤشر الحقيقي على صحة الاقتصاد ليس في عدد الأثرياء المهتمين بشراء فيلات فاخرة على الساحل الشمالي، بل في قدرة الاقتصاد على توفير فرص عمل حقيقية، وبناء صناعات تصديرية تدر عملة صعبة، وحل أزمة السكن للمواطن العادي، وتحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام".
في نهاية حديثه تساءل: "هل هذه الاستثمارات المحتملة ستغير حياة المصري العادي؟، الإجابة الصادقة: لا. وهذا هو جوهر الإشكالية".